التلذُّذ بالثالوث
۱۳ أغسطس ۲۰۲۱ابن داود
۱۸ أغسطس ۲۰۲۱المسيح قائل الحق
تؤكِّد لنا الأساطير المشهورة عن يسوع أنَّه لم يواجه أي شخص أبدًا، أو يجعل أي شخص يشعر بعدم الارتياح، أو حكم على أسلوب حياة أي شخص. لقد أحب يسوع الجميع، الأمر الذي يعني بالنسبة لكثيرين أنه قبل البشر كما هم. وهم يتصوَّرن أن يسوع كان نصيرًا للتنوُّع. وأنَّ يسوع قد جاء ليؤسِّس مجتمعًا شاملًا يتم فيه قبول كل البشر من كل الأنواع ولن يُستبعد أي شخص، مهما كانت ميوله.
لقد أسَّس الرب يسوع بالفعل كنيسة خالية من التصنيفات الدنيويَّة التي ينقسم بموجبها البشر إلى فرقٍ مُتصارعة. فهو رأس البشريَّة الجديدة، "إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا" في "جَسَدٍ وَاحِدٍ"، "صَانِعًا سَلاَمًا" لكل من "الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ" (أفسس 2: 15-17). هل هذا يعني أن يسوع قصد أن تختفي التصنيفات الدينيَّة والأخلاقيَّة؟ هل المحبَّة، التي نقصد بها القبول والشمول، تمحي الحق؟ دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة.
كانت المرأة السامريَّة عند البئر تتوق للوصول إلى الماء الحي الذي يُقدِّمه الرب يسوع. ومع ذلك، عندما طلبت هذا الماء، ذكر الرب يسوع الموضوع المزعج المُتعلِّق بزوجها، حيث كان لها خمسة أزواج، بدون احتساب الرجل الذي كانت تعيش معه في ذلك الوقت (يوحنا 4: 15-18). هذا أمر مؤلم. ولحظة مُحرجة. قد يعقد المرء أن تعامل الرب يسوع مع الموقف يبدو أنَّه يفتقر إلى الدقَّة. مع ذلك، لأن فائدتها من عمل يسوع الخلاصي، ولكي تصبح تلميذة، وتنضم للكنيسة كما يمكننا أن نقول، مرهون بتخلِّيها عن أسلوب حياتها الحالي، كانت المواجهة حول عاداتها الأخلاقيَّة أمر ضروري. لقد أعطى الرب يسوع الأولويَّة للحق على الراحة.
أنقذ الرب يسوع المرأة التي أمسكت في الزنى من حنق الغوغاء المنافقين. ورفض أن يدينها، لكنَّه قال لها: "اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا" (8: 11). فهو عرَّف أعمالها الطائشة خارج إطار الزواج بأنَّها خطيَّة وطلب منها أن تتوقَّف عنها. وهو لم يعذر اختياراتها الأخلاقيَّة. ولم يُرحِّب بمساهمتها في التنوُّع. بل حذَّرها ضمنيًّا من أن الاستمرار في طريقها الحالي سينتهي بتدمير نفسها. لماذا؟ لأنَّها إن أرادت أن تخلص، فعليها أن تتوب. الحق أخذ الأولويَّة على مشاعرها.
أراد الشاب الغني أن يرث الحياة الأبديَّة. فهو "رجل صالح". وبحسب شهادته، قد حفظ جميع الوصايا. نعرف أنَّ يسوع "أَحَبَّهُ". ومع ذلك قال له الرب يسوع: "يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي" (مرقس 10: 21). هذه كلمات صعبة. وطلب غير مسبوق. لقد أدرك الرب يسوع أن لديه صنمًا في قلبه يتطلَّب الكشف عنه إن أراد أن يخلص. هل القيام بذلك جرح مشاعره؟ نعم. هل "اغْتَمَّ" الشاب الغني؟ نعم. هل استبعده طلب الرب يسوع؟ نعم. فقد "مَضَى" (الآية 22). هل خفَّف الرب يسوع من وطأة الضربة؟ لا، بل ضاعفها. لقد شبَّه خلاص الأغنياء بالجمل الذي يمر من ثقب إبرة – الأمر مستحيل لدى الإنسان، ومستطاع فقط لدى الله (الآيات 23-26). الحق أخذ الأولويَّة على الإهانة المُحتَملة.
تشير الأدلَّة بخلاف هذه الأمثلة الثلاثة إلى أن يسوع لم يقضِ الكثير من الوقت في القلق بشأن خلق بيئة مريحة للنفوس الحسَّاسة. بل واجه الخطيَّة. وعندما اشتكى أحد الناموسيِّين من أنَّ يسوع كان يهين الفريسيِّين، ضاعف الرب يسوع الأمر مرَّة أخرى، قائلًا: "وَيْلٌ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ" (لوقا 11: 45-52). كان هناك الكثير على المحك للتساهل مع الحق. عندما حذَّره الآخرون من أن تعاليمه "صعبة"، لم يعتذر يسوع. بل سألهم: "أَهذَا يُعْثِرُكُمْ؟" (يوحنا 6: 61). قال الحقيقة عن هؤلاء الذين لا يؤمنون: "إِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ أَبِي" (الآية 65). هذا لا يعني أن الرب يسوع كان غير حسَّاس أو غير مهتم بضعف الآخرين. بل على العكس تمامًا. عندما نظر يسوع إلى جموع الناس المرتبكين وغير المُتعلِّمين، رآهم: "مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا" (متى 9: 36). لقد "تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ" وبدأ يعلمهم الكثير من الأمور، ويشفي المرضى، ويشبع الجياع (15: 32-39؛ مرقس 8: 2-10). وعند قبر لعازر، يقول لنا يوحنَّا أن يسوع: "انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ"، وأنَّ يسوع "بَكَى" حزنًا مع أقرباء لعازر الباكين (يوحنا 11: 33، 35، 38).
على الرغم من أنَّ يسوع كان مليئًا بالرحمة، إلَّا أن الحق كان هو الأولويَّة. ورغم أنَّه لم يكن غير مبال بالمشاعر، إلَّا أنه تعامل مع الآخرين كشخصٍ يعرف أن حق الإنجيل وحده هو ما يُخلِّص. فالحق الذي علَّم به "يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 8: 32). كانت إرساليَّة يسوع هي أن "يَشْهَدَ لِلْحَقِّ" (18: 37). ستة وستُّون مرَّة في العهد الجديد يتم تعريف الإنجيل ببساطة على أنَّه "الحق" بأداة التعريف، إنَّه الحق الواحد والوحيد. مهما كان الحق قد يجعل الآخرين يشعرون بعدم الراحة، ومهما بدى الحق مُهينًا في آذان غير المؤمنين، ومهما بدى الحق في غير وقته، فأنَّ الرب يسوع قد تكلَّم بالحق دائمًا، وهكذا يجب علينا أيضًا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.