التلذُّذ بالثالوث - خدمات ليجونير
إسرائيل الله الحقيقي
۱۲ أغسطس ۲۰۲۱
المسيح قائل الحق
۱۷ أغسطس ۲۰۲۱
إسرائيل الله الحقيقي
۱۲ أغسطس ۲۰۲۱
المسيح قائل الحق
۱۷ أغسطس ۲۰۲۱

التلذُّذ بالثالوث

"الله محبَّة" (1 يوحنا 4: 8). هذه الكلمات الثلاث لا يمكن أن تكون أكثر بهجةً. فهي حيويَّة وجميلة ودافئة مثل النار المتلألئة. لكن "الله ثالوث"؟ كلَّا، بالكاد لها نفس التأثير: فهذه الكلمات تبدو جافة وثقيلة. كل هذا مفهوم تمامًا، لكن يجب على المؤمنين أن يروا الحقيقة وراء ما يُمكن أن يكون لغة غير حيويَّة. نعم، يُمكن تقديم الثالوث على أنَّه عقيدة جافة وغير مُهمَّة، ولكن الحقيقة هي أنَّ الله محبَّة لأنَّ الله ثالوث.

إن الغوص في الثالوث هو فرصة لكي تتذوَّق وترى أن الرب طيِّب، ويُؤسَر قلبك وتُنعَش نفسك. لأنَّه فقط عندما تدرك ما يعنيه أن يكون الله ثالوثًا، فإنك ستشعر حقًّا بجمال الله، ولطفه الفائق، ومحبَّته التي تأسر القلب. إذا كان الثالوث شيئًا يمكننا أن ننزعه عن الله، فهذا لا يعني وكأنَّنا نريحه من حمل شاق، بل سنخلع عنه ما هو على وجه التحديد ممتع للغاية فيه. لأن الله ثالوث، وبقدر ما هو ثالوث، بقدر ما هو صالح وجذَّاب. دعوني أريكم كيف يحدث ذلك.

البداية بيسوع:

إن أساس إيماننا ليس أقل من الله نفسه، وكل جانب من جوانب الإنجيل هو مسيحي فقط بقدر ما هو تعبير وعمل هذا الإله، الله الثالوث. يُمكنني أن أؤمن بموت رجل يُدعى يسوع، ويُمكنني أن أؤمن بقيامته الجسديَّة. حتى أنني أستطيع أن أؤمن بالخلاص بالنعمة وحدها، ولكن إذا كنت لا أؤمن أن الله ثالوث، فأنا ببساطة لست مؤمنًا. دعونا نرى ذلك في الكتاب المُقدَّس.

كتب يوحنا إنجيله، كما يقول لنا، "لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يوحنا 20: 30). يمكن لهذه الآية أن تكون شعار الخدمة لأي كارز: أن يرى أي شخص يأتي إلى الإيمان المسيحي الحقيقي. ولكن حتى هذه الدعوة الأساسيَّة للإيمان بابن الله هي دعوة إلى الإيمان بالثالوث. يُوصَف يسوع بأنه ابن الله. فالله أبوه. وهو المسيح الممسوح بالروح القدس. عندما تبدأ بيسوع المذكور في الكتاب المُقدَّس، فإن ما تجده هو الله الثالوث.

إن اسم "يسوع المسيح، ابن الله" هو نافذة على الحياة الأبديَّة الأساسيَّة لإلهنا. في يوحنا 17: 24، صلَّى يسوع قائلًا: "أَيُّهَا الآبُ... لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ". وهذا هو الله الذي أعلنه يسوع المسيح. قبل أن يخلق أي شيء، وقبل أن يسود على العالم، وقبل أي شيء آخر، كان هذا الإله هو الآب الذي يحب ابنه بروحه القدُّوس.

يحب الآب ابنه بطريقة خاصة جدًا، وهو شيء يُمكننا رؤيته إذا نظرنا إلى معموديَّة يسوع:

فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ». (متى 3: 16-17)

هنا، يعلن الآب محبته لابنه وسروره بابنه، ويفعل ذلك بينما آتى الروح القدس على يسوع. لأن الطريقة التي يجعل الآب بها محبته معروفة هي بالتحديد من خلال إعطاء روحه القدُّوس. في رومية 5: 5 على سبيل المثال، يكتب بولس كيف يسكب الله محبَّته في قلوبنا بالروح القدس. إذن، بإعطائه الروح القدس يعلن الآب محبته للابن.

بعبارةٍ أخرى، الحديث عن "الثالوث" هو فقط طريقة للتحدُّث عن الله الذي ظهر في يسوع، الإله الذي نلتقي به في الإنجيل. إن الثالوث ليس نتاج تكهُّنات مُجرَّدة، لأنَّك عندما تعلن يسوع، ابن الآب الممسوح من الروح القدس، فإنَّك تعلن الله الثالوث.

التمتُّع بما للابن:

لماذا أرسل الآب الابن إلينا؟ جزء من الجواب هو بسبب سقوطنا وخطيَّتنا. وجزء من الجواب هو أن الله أحبَّ العالم، حتى في تمرُّدنا (راجع يوحنا 3: 16). هذا مذهل بما فيه الكفاية، ولكن فيما بعد في إنجيل يوحنا، تحدَّث يسوع عن سبب أساسي وفعَّال بشكلٍ أكبر. يقول يسوع وهو يصلِّي إلى أبيه:

أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ، وَهؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ. (17: 25-26)

وهذا يعني أن الآب أرسل ابنه ليعلن عن نفسه – بمعنى أنَّه لم يكن يريد مُجرَّد نقل بعض المعلومات عن نفسه، بل من أجل أن تكون المحبَّة الأزليَّة التي هي للابن من قبل الآب في أولئك الذين يؤمنون به، ولكي نتمكَّن من التمتُّع بالابن كما كان الآب دائمًا. إذن، ها هو الخلاص الذي لا يُمكن أن يقدِّمه إله له أقنوم واحد حتى لو أراد ذلك: فالآب يفرح بمحبَّته الأزليَّة للابن لدرجة أنه يرغب في مشاركة هذه المحبَّة مع كل مَن يؤمن. وفي النهاية، أرسل الآب الابن لأن الآب أحب الابن كثيرًا وأراد أن يشارك هذه المحبَّة والشركة[1] بالروح القدس. إن محبَّة الآب للعالم هي فيض محبَّته القديرة لابنه.

فالآب إذن لا ينثر البركات من بعيد، ولا يتعلَّق خلاصه بالبقاء بعيدًا. لا يتم الإشفاق علينا ومسامحتنا فحسب من قبل خالقنا. بدلًا من ذلك، هو سكب كل بركاته على ابنه ثم أرسله لنشترك في ملئه المجيد. يحبَّنا الآب كثيرًا لدرجة أنَّه يرغب في انضمامنا إلى شركة المحبَّة التي يتمتَّع بها مع الابن في الروح القدس. وهذا يعني أنَّه يُمكننا أن نعرف الله كما هو حقًا: كأب. في الحقيقة، يُمكننا أن نعرف الآب كأب لنا.

يصف يوحنا 1: 18 الله الابن بأنَّه موجود في حضن الآب منذ الأزل. لن يجرؤ أحد أبدًا على تخيُّل ذلك، لكن يسوع أعلن أن رغبته هي أن يكون المؤمنون معه هناك (17: 24). ولهذا حقًا أرسله الآب: حتى نتمكَّن نحن الذين رفضناه من أن نعود إليه – ونعود ليس فقط كمخلوقات ولكن كأبناء، للتمتُّع بالمحبَّة الفيَّاضة التي طالما عرفها الابن دائمًا.

التلذُّذ بالله:

كتب جي. أي. باكر ذات مرَّة قائلًا:

إذا كنت تريد أن تحكم على مدى فهم شخص ما للمسيحيَّة، فاكتشف مدى فهمه لفكرة كونه ابنًا لله، وأن يكون الله أبًا له. إذا لم يكن هذا هو الفكر الذي يدفع ويتحكَّم في عبادته وصلواته ونظرته الكاملة للحياة، فهذا يعني أنه لا يفهم المسيحيَّة جيِّدًا على الإطلاق.

بالفعل، عندما يدعو شخص ما الله القدير "أبًا" عند قصدٍ وبثقة، فهذا يدل على أنه قد أدرك شيئًا جميلًا وأساسيًّا عن طبيعة الله وعمَّا قد خَلُصَ منه. وكيف يعيد ذلك قلوبنا إليه! لأن حقيقة أن الله الآب سعيد بل يُسرُّه أن يشارك معنا محبَّته لابنه وبالتالي يُعرَف بكونه أبينا يكشف مدى نعمته ولطفه بشكلٍ يفوق العقل.

إن معرفة الله على أنه أبينا لا تُفرِّح نظرتنا إليه بشكل رائع فحسب، بل تمنحنا أعمق راحة وفرح. إنه لشرف مذهل. أن تكون ابنًا لملك ثري سيكون أمرًا لطيفًا، ولكن أن تكون محبوبًا من سيِّد كل الكون فهو أمر يفوق الوصف. من الواضح أن خلاص هذا الإله أفضل حتى من الغفران، وهو بالتأكيد أكثر أمانًا. قد تُقدِّم آلهة أخرى الغفران، لكن هذا الإله يرحِّب بنا ويقبلنا كأولاده، ولا يُبعدنا أبدًا. فهو لا يقدِّم نوعًا من علاقة "إنَّه يحبني، ولا يحبني"، حيث يتعيَّن عليَّ أن أحاول إبقاء نفسي في نعمته من خلال التصرُّف بشكل لا تشوبه شائبة. كلَّا: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1: 12). يمنحنا يسوع الأمان لنتمتَّع بمحبَّة الله إلى الأبد.

قلوب مُتَوَهِّجة:

كيف تبدو حياتك المسيحيَّة؟ ما هو شكل إيمانك؟ في النهاية، سيعتمد الأمر كله عمَّا تظنَّه عن طبيعة الله. فطبيعة الله تحدِّد كل شيء.

أي إله سيكون لك؟ أي إله ستُنادي به؟ بدون يسوع الابن، لا يُمكننا أن نعرف أن الله هو حقًّا أب محب. بدون يسوع الابن، لا يُمكننا أن نعرف الله كأب مُحب لنا. ولكن كما اكتشف مارتن لوثر، من خلال يسوع نستطيع أن نعرف أن الله هو أبونا و "نستطيع أن ننظر إلى قلبه الأبوي فنشعر بمدى محبَّته لنا بلا حدود. هذا من شأنه أن يُدفئ قلوبنا، ويجعلها مُتَوَهِّجة ".

[1] في التعلم اللاهوتي عن الثالوث، الشركة هي العلاقة الأزليَّة بالمحبَّة التي تربط أقانيم الثالوث الثلاثة مع بعضهم البعض. منذ الأزل، أحب كل أقنوم من الثالوث الأقنومين الآخرين وأحبَّه الأقنومان الآخران. في فدائنا، بالنعمة وحدها، ننضم إلى هذه الشركة. لقد تبنَّانا الله الآب، وننال نفس المحبَّة التي كانت له أزليَّا لله الابن في وحدة الروح القدس (يوحنا 17: 20-26).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مايكل ريفز
مايكل ريفز
الدكتور مايكل ريفز هو مدير كلية يونيون للاهوت (Union School of Theology) بمدينة أكسفورد في إنجلترا وأستاذ علم اللاهوت بها. وهو ألَّف العديد من الكتب، بما في ذلك "الفرح في المسيح" (Rejoicing in Christ). كما أنه الأستاذ المُميَّز لسلسلة ليجونير التعليمية بعنوان "الإصلاح الإنجليزي والبيوريتان" (The English Reformation and the Puritans).