سيادة الله ومجده - خدمات ليجونير
فهم استمرارية الإصلاح في قرينتها التاريخية
۱٦ مارس ۲۰۲۰
تحديد مشيئة الله
۳۰ مارس ۲۰۲۰
فهم استمرارية الإصلاح في قرينتها التاريخية
۱٦ مارس ۲۰۲۰
تحديد مشيئة الله
۳۰ مارس ۲۰۲۰

سيادة الله ومجده

إن الله له السيادة في الخلق، والعناية، والفداء، والقضاء. هذا تأكيد مركزي في الإيمان المسيحي وخاصة في اللاهوت المُصلح. الله ملك وهو رب الكل. يمكن قول هذا بطريقة أخرى: لا شيء يحدث دون إرادة الله أن يحدث ذلك، راغبًا في حدوثه قبل حدوثه، وراغبًا في حدوثه بالطريقة التي يحدث بها. وبهذه الطريقة، من الواضح أننا نقول شيئًا صريحًا يختص بالعقيدة المُصلَحة. ولكن في صميم الأمر، فإننا لا نقول شيئًا مختلفًا عن التأكيد المُعبَّر عنه في قانون الإيمان النيقاوي: "أؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل". القول إن الله له السيادة هو تعبير عن قدرة الله في كل المجالات.

الله له السيادة في الخلق. "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (تكوين 1: 1). باستثناء الله، لم يكن هناك شيء. ثم أصبح هناك شيء: المادة، المكان، الزمان، الطاقة. وظهرت هذه الأشياء من العدم (ex nihilo). كانت الإرادة للخلق هي بالكامل إرادة لله. وكان التنفيذ هو بالكامل تنفيذه. لم يكن هناك "ضرورة" ميتافيزيقيَّة للخلق؛ كان الخلق عملًا حرًا لله.

الله له السيادة في العناية. يصر الإيمان التقليدي بالله على أن الله كلي القدرة، وكلي المعرفة، وكلي الوجود — أي أنه قادر على كل شيء، ويعرف كل شيء، وموجود في كل مكان. كل حقيقة هي جانب من السيادة الإلهيَّة. إن قدرته، ومعرفته، وحضوره يضمن تحقيق أهدافه، وإتمام مقاصده، وأن إشرافه على جميع الأحداث هو في الأساس (على الأقل بالنسبة لله) "خالي من المخاطر".

إن قدرة الله ليست مطلقة بمعنى أن الله يمكنه فعل أي شيء (potestas absoluta)؛ بدلاً من ذلك، تضمن قدرة الله أنه يستطيع فعل كل يمكن منطقيًّا أن يفعله. على سبيل المثال، "لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ" (2 تيموثاوس 2: 13).

يعترض بعض الناس على فكرة أن الله يعرف كل الأحداث قبل حدوثها. ويصر البعض على أن مثل هذه النظرة تسلب من البشر حريتهم الأصيلة. مثلاً، يصر معتنقو لاهوت الانفتاح أو لاهوت الإرادة الحرة على أن المستقبل (على الأقل في تفاصيله المحددة) بطريقة ما "مفتوح". حتى الله لا يعلم كل ما سيحدث.  قد يقوم ببعض التنبُّؤات مثل بعض لاعبي البوكر، لكنه لا يستطيع أن يعرف بشكل مطلق. هذا يفسِّر، كما يقوم معتنقو لاهوت الانفتاح، لماذا يبدو أن الله يغيِّر رأيه: يقوم الله بتعديل خطته بناءً على المعلومات الجديدة للأحداث غير المتوقعة (انظر تكوين 6: 6–7؛ 1 صموئيل 15: 11). اللاهوت المُصلَح، على الجانب الأخر، يصر على أنه لا يحدث أي حدث بشكل يُفاجئ الله. بالنسبة لنا الأمر حظ أو صدفة، لكن بالنسبة لله هو جزء من قضاءه. "الْقُرْعَةُ تُلْقَى فِي الْحِضْنِ، وَمِنَ الرَّبِّ كُلُّ حُكْمِهَا" (أمثال 16: 33). إن تعبيرات أن الله يغيِّر رأيه في الكتاب هي طريقة تلائمنا وتلائم طريقتنا في الكلام، وليست وصفًا لتغيير حقيقي في فكر الله.

الله له السيادة في الفداء، وهي حقيقة تفسِّر لماذا نشكر الله لأجل خلاصنا ونصلي له من أجل خلاص أصدقائنا الضالين روحيًّا. إن كانت القدرة على الخلاص تكمن في إرادة الإنسان الحرة، وإن كانت تكمن حقًا في قدرته بدون مساعدة على خلاص نفسه، فلماذا نتوسَّل إلى الله أن "يُوقظه"، أو "يخلِّصه"، أو "يجدِّده"؟ حقيقة أننا نشكر الله باستمرار من أجل خلاص الأفراد تعني (سواء اعترفنا بذلك أم لا) أن الإيمان بالإرادة الحرة المطلقة هو أمر يتناقض مع نفسه.

الله له السيادة في القضاء. تعكس نصوص قليلة من الكتاب المقدس سيادة الله في الاختيار والهلاك بصورة أعظم من رومية 9: 21: "أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ، أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟" في ظاهر الأمر، قد يبدو هذا غير عدل وتعسفي — كما لو أن الله يلعب لعبة طفل انتقاميَّة بأوراق الزهرة: "يحبني، لا يحبني. يحبني؛ لا يحبني". وردًا على ذلك، يصر بعض الناس على أن الله له الحق في أن يفعل ما يشاء وأنه ليس من شأننا أن نجد عيب فيه — وهي النقطة التي توقَّعها بولس نفسه (رومية 9: 20). رأى البعض الأخر أنه إذا منحنا الله ما نستحقه، فسوف نكون جميعًا ملعونين. وبالتالي فالاختيار هو عملٌ للنعمة (وليست فقط عمل للسيادة). كلاهما صحيح. لكن على أي حال، يُظهِر خلاصنا مجد الله: "لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (رومية 11: 36).

مسؤوليَّة الإنسان:

إن التأكيد على السيادة الإلهيَّة لا يخلو من مسائل أخرى ينبغي تناولها.

أولًا، هناك مسألة الكرازة. إن كان الله له السيادة في جميع مسائل العناية الإلهيَّة، فما الفائدة من بذل الجهد البشري في الكرازة والإرساليات؟ من المؤكد أن إرادة الله تحقَّق سواء قمنا بالكرازة أم لا. لكننا لا نجرؤ على التفكير بهذه الطريقة. بصرف النظر عن حقيقة أن الله أمرنا بالكرازة — "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ" (متى 28: 19) — يتجاهل هذا المنطق حقيقة أن الله يتمِّم خطته السياديَّة من خلال الوسائل والوسائط البشريَّة. لا يوجد في الكتاب المقدس ما يشجع على أن نكون سلبيِّين وخاملين. أوصى بولس قرَّاء رسالة فيلبي قائلاً: "تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، أَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ" (فيلبي 2: 12–13).

ثانيًا، هناك مسألة الأخلاق. نحن مسؤولون عن أفعالنا وسلوكنا. نحن مذنبون عند الإثم ونستحق الثناء عند الطاعة.

ثالثًا، فيما يتعلَّق بالسلطة والسلطان المدني، هناك مسألة سيادة الله في تعيين الحكام والحكومات. لقد أقام الله الحكومات المدنيَّة لتكون أنظمة للإنصاف والخير والسلام، ولمعاقبة الأشرار ومدح الذين يفعلون حسنًا (رومية 13: 3؛ 1 بطرس 2: 14). لكن هذا ينطبق أيضًا على السلطات الشريرة والأنظمة الفاسدة التي تنتهك مبادئ الحكومات نفسها، فهؤلاء أيضًا تحت حكم سيادة الله القدير.

رابعًا، في مسألة مصدر الشر ووجوده المستمر، تواجه سيادة الله أكثر مشاكلها حدة. يبدو أن عدم قيام الله بمنع الشر من الوجود يشكِّك في قدرته الكاملة أو إحسانه. تحاول بعض الديانات غير المسيحيَّة حل هذه المشكلة بافتراض أن الشر خيالي (مثل بدعة العلم المسيحي) أو وهم (مثل الهندوسيَّة). ظن أوغسطينوس والعديد من المفكرين في العصور الوسطى أنه يمكن حل جزء من الغموض من خلال تعريف الشر على أنه غياب الخير، مما يوحي بأن الشر هو شيء لا وجود له بحد ذاته. إن الشر هو أمر موجود. تم تلخيص الفكر المُصلَح بشأن هذه المسألة في إقرار إيمان ويستمنستر:

الله، منذ الأزل، بحسب رأي مشيئته الخاصة الكلّي الحكمة والقداسة، قد عيّن بحريَّةٍ، ودون قابليّة للتغيير، أيّا كان ما يحدث: ومع ذلك، فالله ليس هكذا مصدر للخطية، كما لا يُجبِر بالقوة إرادة المخلوقات، ولا تُنزَع حريّة المسبِّبات الثانويّة أو احتماليَّتها، بل بالأحرى تُوَطَّد.

الله هو "المُسبِّب الأول" لكل الأشياء، ولكن الشر هو نتاج "المسبِّبات الثانويّة". على حد تعبير جون كالفن، "أولاً، ينبغي ملاحظة أن إرادة الله هي المسبِّب لكل الأشياء التي تحدث في العالم، ومع ذلك فإن الله ليس صانعًا للشر"، ثم يضيف، "لأن المسبِّب المباشر شيء، والمسبِّب البعيد شيء آخر". وبعبارة أخرى، لا يستطيع الله نفسه أن يفعل الشر ولا يمكن لومه على الشر بالرغم من أن الشر جزء من قضائه السيادي.

إن الله له السيادة، وفي سيادته يظهر مجد جلاله. وبدون سيادته لن يكون لدينا وجود، ولا خلاص، ولا رجاء. له المجد وحده.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ديريك توماس
ديريك توماس
الدكتور ديريك توماس هو الراعي الرئيسي للكنيسة المشيخيَّة الأولى في مدينة كولومبيا، بولاية ساوث كارولاينا، وأستاذ استشاري لعلم اللاهوت النظامي والرعوي في كليَّة اللاهوت المُصلَحة. وهو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير، وقد كتب العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "كيف يقودنا الإنجيل إلى موطننا" (How the Gospel Brings Us All the Way Home).