الفرح المستقبلي - خدمات ليجونير
ابن داود
۱۸ أغسطس ۲۰۲۱
مَثَل الكنز الذي في الحقل ومَثَل اللؤلؤة كثيرة الثمن
۳۱ أغسطس ۲۰۲۱
ابن داود
۱۸ أغسطس ۲۰۲۱
مَثَل الكنز الذي في الحقل ومَثَل اللؤلؤة كثيرة الثمن
۳۱ أغسطس ۲۰۲۱

الفرح المستقبلي

عندما كتب الرسول بولس إلى المؤمنين في مدينة تسالونيكي، أوصاهم قائلًا: "افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ" (1 تسالونيكي 5: 16-18). هذه الكلمات هي تعليمات للكنيسة التي أسَّسها بولس حديثًا، وتتألَّف من أشخاص تركوا الوثنيَّة اليونانيَّة الرومانيَّة للإيمان بيسوع المسيح. يجب أن يُميِّز الفرح، والصلاة، والشكر في كلِّ شيء حياة هؤلاء المؤمنين الجدد في مواجهة المعارضة الشديدة من أولئك الذين لا يفهمون لماذا يعبد الناس مُعلِّمًا يهوديًّا من فلسطين البعيدة عنهم والذي ادَّعى أنَّه ابن الله، ولكن الرومان قتلوه.

إن الوصيَّة للمؤمنين أن يفرحوا في ظل ظروف صعبة يصعب فهمها بدون سياق للأمر. يمكننا أن نفهم لماذا يحتاج الأشخاص الذين يواجهون المُقاومة إلى الصلاة – فعليهم طلب نعمة الله لدعمهم أثناء تجاربهم. ويمكننا أن نفهم لماذا ينبغي أن يُقدِّموا الشكر باستمرار على رحمة الله ينالوها على الدوام. ولكن لماذا يجب أن يفرح شعب الله في أوقات التجارب والاضطهاد؟

تكشف تعليم بولس عن الرب يسوع أن بولس كان ناقدًا للفلسفة الرواقيَّة اليونانيَّة، وهي فلسفة الحياة التي علَّمت الناس أن يعيشوا بحزمٍ وفقًا لقوانين الطبيعة الثابتة. ومع ذلك، بمُجرَّد الاستماع إلى وصيَّة بولس بالفرح أثناء التجارب تبدو أنَّها تشبه إلى حدٍّ ما ما قد يتوقَّعه الإغريق من فيلسوف رواقي. لماذا يأمر بولس بهذا إذا لم يكن هو نفسه رواقيًّا؟

نجد الاجابة من خلال النظر إلى المستقبل والرجاء الأبدي الموعود لكل مسيحي، وهو سياق الوصيَّة للمتألِّمين بالفرح في الأوقات الصعبة. في رومية 12: 9-21، تناول بولس علامات المؤمن الحقيقي – أي مظاهر مشاعر التقوى الجديدة في حياة أولئك الذين تم تبريرهم من خلال الإيمان بيسوع المسيح، والذين سكن فيهم الروح القدس، ويتم تغييرهم ليشابهوا صورة مُخلِّصهم. والمظهر الرئيسي هو المحبَّة للرب يسوع ولأولئك الذين افتداهم (آية 9). هذه المحبَّة تتجه نحو الخير بينما تمقت الشر. ويمكن رؤيتها في المحبَّة الأخويَّة والكرامة (آية 10)، وكذلك في الاجتهاد والإخلاص في عبادة وخدمة الرب (آية 11).

في الآية 12، يعطينا بولس سياق الفرح في أوقات التجارب: "فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ". يتضح الآن سبب وصيَّة المؤمنين بالفرح في وسط التجارب والآلام والاضطهاد. من خلال النظر إلى المستقبل، يعرف المؤمنون أن تجاربهم، مهما كانت صعبة، فهي مؤقَّتة، وأنَّه عندما ينتهي كل شيء، يعد الله بتحويل كل تجربة حالية إلى خيرنا الأبدي (8: 28). إن الفرح الحقيقي لا يرتكز على المشاعر الشخصيَّة أو العواطف ("انا أشعر بالسعادة")، ولا على قرارٍ رواقي لمواجهة المستقبل بشجاعة. بل يرتكز على حقيقة أن المُخلِّص المصلوب الذي مات من أجل خطايانا حتى ينقذنا من غضب الله قد قام أيضًا بالجسد من بين الأموات وسوف يأتي مرَّةً أخرى إتمامًا لجميع وعوده.

يفرح المؤمنون في أوقات التجارب والآلام لأن القيام بذلك يشبه عمل الخلاص الذي قام به المسيح، الذي تألَّم ومات قبل أن يقوم من بين الأموات ويُمجَّد عن يمين الآب، حيث يملك ويتسلَّط على كل شيء. إن النموذج الذي وضعه الرب يسوع –الألم يسبق المجد– ينطبق على كل الذين يثقون به ويتَّحدون معه بالروح القدس. وكما تألَّم الرب يسوع وقام، لنا الوعد بنفس الشيء. سوف تُفسح آلامنا، وضيقاتنا، وتجاربنا، واضطهادنا الطريق لكل البركات التي وعدنا بها الرب يسوع – أي الرجاء المستقبلي الذي تحدَّث عنه بولس كثيرًا (انظر 1 كورنثوس 15: 19؛ 1 تسالونيكي 5: 8؛ 2 تسالونيكي 2: 16-17).

إن الفرح في أوقات التجربة ليس من الطقوس الدينيَّة التي لا معنى لها والتي نركِّز فيها على ما نشعر به أو التي نُقرِّر فيها العزم على أن نكون شجعان. بدلًا من ذلك، نحن نتبع المثال الذي وضعه الرب يسوع في حياته، وموته، وقيامته. تُفسح الآلام والتجارب الطريق لقيامة أجسادنا، والمجد المستقبلي، والحياة الأبديَّة. أوضح بولس هذه الفكرة في من قبل في رومية:

وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا. لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟  وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ. (8: 23–25)

يمكن للمؤمنين أن يفرحوا في وسط الآلام بسبب الرب يسوع، الذي نال الفرح المستقبلي ويضمنه الآن لكل مَن فداهم.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

كيم ريدلبارجر
كيم ريدلبارجر
الدكتور كيم ريدلبارجر هو الراعي الرئيسي لكنيسة المسيح المُصلَحة في مدينة أنهايم، بولاية كاليفورنيا، والمذيع الشريك للبرنامج الإذاعي (White Horse Inn). وهو مُؤلِّف كتاب (A Case for Amillennialism) وكتاب (First Corinthians) في سلسلة (Lectio Continua).