الخوف من الموت
۲۲ أبريل ۲۰۲۱أرنا كيف نُنهي حسنًا
۲۷ أبريل ۲۰۲۱الرئاسة النيابيَّة
لم يؤمن بولس الرسول بأن البشر هم في الأساس أناس صالحون يقترفون أخطاء. فقد خصَّص الأصحاحات الأولى من رسالته إلى أهل رومية لحقيقة أن كل إنسان، باستثناء الرب يسوع المسيح، بالطبيعة خاطي، ومذنب، ومستحق الموت. وأوجز قائلًا: "الْيَهُودَ وَالْيُونَانِيِّينَ أَجْمَعِينَ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ" (رومية 3: 9).
تثير هذه الصورة القاتمة والقاسية عن البشر سؤالين في الأقل: لماذا لا نرى استثناءات للفساد البشري حول العالم؟ هل من رجاء للخطاة الرازحين تحت دينونة الله العادلة واليائسين من إبعاد أنفسهم عن الدينونة الإلهيَّة؟
يجيب بولس عن هذين السؤالين على نحو غير مُتوقَّع في رسالة رومية. ترجع مأساتنا كخطاة في النهاية إلى آدم. ورجاؤنا الوحيد نحن الخطاة قائم في آدم الثاني، الرب يسوع المسيح. في رومية 5: 12-21، يساعدنا الرسول على رؤية كيف أن عمل كل إنسان منهم، أي آدم والرب يسوع، يؤثِّر في البشر اليوم.
وفي رومية 5: 14 يقول بولس إن آدم كان "مِثَالُ الْآتِي"، أي الرب يسوع المسيح. ومثل الرب يسوع، كان آدم شخصيَّة تاريخيَّة حقيقيَّة. بينما الرب يسوع لم يكن مُجرَّد إنسان، لكنَّه كان إنسانًا كاملًا. يؤكِّد بولس هنا التوازي بين آدم والرب يسوع. ففي رسالة كورنثوس الأولى يستخدم الرسول كلمات تساعدنا على فهم أعمق للعلاقة بينهما. فإن كان آدم "الإنسان الأول"، فالرب يسوع "آدم الأخير" (1 كورنثوس 15: 45). وإن كان آدم "الإنسان الأول"، فالرب يسوع "الإنسان الثاني" (آية 47). فآدم والرب يسوع إنسانان نائبان. ما من إنسان يقف بين الإنسان الأول وآدم الأخير. وما من إنسان سيأتي بعد الرب يسوع، الإنسان الثاني. يعلِّمنا بولس بأن كل إنسان في كل زمان ومكان يُنيب عنه إمَّا آدم أو الرب يسوع (انظر الآيات 47-48). في سياق هذه العلاقة، يصير صنيع النائب مِلكًا للمُنَاب عنه.
في رومية 5، يتمعَّن بولس في هاتين العلاقتين النيابيَّتين. يريدنا الرسول فهم كيف أن "معصية واحدة" لآدم تؤثِّر في كل مَن هم في آدم. فهو يتمعَّن في ذلك ليساعد المؤمنين (الذين هم "في المسيح") على فهم كيف أن طاعة المسيح وموته يؤثِّران فيهم.
بعض أهم المصطلحات التي يستخدمها بولس في رومية 5: 12-21 مُستقاه من ساحة المحكمة (أو القضاء). ففي مقابل "الدينونة" التي على الذين في آدم، نجد "التبرير" الذي يناله كل مَن هم في المسيح (آيات 16، 18). في الغالب ستكون الكلمة المُترجمة إلى "جُعِلَ، سَيُجْعَلُ" في آية 19 ("لِأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هَكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا") أكثر دقة إذا ترجمناها إلى "عُيِّنَ، سَيُعْيَّنُ". لا يقصد بولس من هذه الآية أن خطيَّة آدم تحوِّلنا إلى بشر خطائين بشكل شخصي، ولا أن طاعة الرب يسوع تحوِّلنا إلى أبرار بشكل شخصي. بل وجهة نظره هنا هي أنه، بسبب عصيان آدم، كل مَن يمثِّلهم آدم ويُنيب عنهم صاروا مُدرجين تحت تصنيف قانوني جديد وهو (خطاة). وبطريقة مُماثلة، بسبب طاعة الرب يسوع، دخل شعبه تحت تصنيف قانوني جديد وهو (أبرار).
أمَّا المصطلح اللاهوتي الدقيق الذي يصف هذا الانتقال من النائب إلى المُناب عنه يُدعى الاحتساب. فخطيَّة آدم احتُسِبَت (حُسِبَت، ونُسِبَت) إلى كل مَن يُنِيب عنهم ويمثِّلهم. ونتيجة لهذا الانتقال، كل مَن هم "في آدم" يقعون تحت الدينونة. بمعنى أنهم مذنبون تحت العدالة الإلهيَّة بسبب خطيَّة آدم الوحيدة المُحتَسبة إليهم. من ناحية أخرى، يُحتَسب بر المسيح إلى كل مَن يُنيب عنهم ويمثِّلهم. ونتيجة لهذا الانتقال، كل مَن هم "في المسيح" مُبرَّرون. إذ يحسبهم الله أبرارًا، ليس بسبب أي شيء فعلوه أو يفعلوه أو سيفعلوه على الإطلاق. الله لا يبُرِّر الخطاة سوى على أساس طاعة المسيح الكاملة وكفايته التامَّة، إذ يحتسبهما الله إليهم، وينالوهما بالإيمان وحده.
إن الاحتسابين في رومية 5: 12-21 يقدِّمان الإجابة عن السؤالين الذين طرحناهما أعلاه. السبب في أنه "لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ" (رومية 3: 10) ينبع من حقيقة أن جميع البشر، باستثناء آدم الثاني، مُدانون بالطبيعة في آدم. ويوضِّح لنا بولس، أن ما يصاحب هذه الدينونة الشاملة هو الفساد الشامل الكُلِّي. فاحتساب خطيَّة آدم الأولى إلى البشر، فإن هؤلاء البشر المذنبين، بمُجرَّد الحمل بهم، يرثون الطبيعة الساقطة من آبائهم.
لهذه الأسباب، ما من رجاء أو عون فيمَن هم "في آدم" أو بينهم. لكن الرجاء والعون متاحان للخطاة. نجدهما في الرب يسوع المسيح وحده، آدم الثاني والأخير. فبالإيمان بالمسيح وحده، ينال الخاطئ بر المسيح. وعلى أساس هذا البر وحده، يتبرَّر الخاطئ. وتُغفر له خطاياه ويُحسَب بارًا في ساحة قضاء الله. باتحاد المؤمن بالمسيح وتبريره بالإيمان به، يتغيَّر إلى صورة المسيح بقوَّة الروح القدس.
يمكن تلخيص إحدى الصعوبات التي يردِّدها كثيرون في تعليم بولس في رومية 5: 12-21 في الاعتراض القائل: "ليس عدلاً!" يتساءل كثيرون: "هل من العدل حقًّا أن يعاقبني الله على إثم اقترفه شخص آخر؟ ففي الأساس، لم يسألني أحد قط إذا ما كنت أريد أن يمثِّلني آدم. فكيف لإله عادل وصالح أن يدينني على هذا؟"
هذا اعتراض جاد ويستحق منَّا التفكير مليًّا. في الحقيقة، إن العلاقة النيابيَّة التي أراسها الله بين آدم والجنس البشري تشدِّد على صلاح الله وسيادته وعدله. فصلاح الله واضح من تعاملاته مع آدم في جنَّة عدن، وهي تعاملات مرتبطة بكل إنسان مثَّله آدم. فالله خلق آدم إنسانًا بارًا. كان كل فكر آدم واختياراته ومشاعره وسلوكيَّاته بلا خطيَّة. ووضع الله آدم في الجنَّة ليتمتَّع بخيراتها. وعد الله آدم بيقين الحياة الأبديَّة لكن طلب منه ألا يأكل، لبعض الوقت، من شجرة واحدة في الجنَّة. ما من ظروف أعظم من هذه يمكن تخيُّل نائبنا آدم فيها. فكل ملمح في العهد الذي قطعه الله مع آدم يعكس رأفة الله. هل لكان لنا نحن الخطاة، الذين نعيش وسط الخطاة في عالم خاطئ، أي رجاء في ممثِّل لنا أفضل من آدم في جنَّة عدن؟
إن العلاقة النيابيَّة التي عيَّنها الله بين آدم ونسله العادي تشهد أيضًا على سيادة الله وعدله. فكل من آدم ونحن خليقة يد الله. فالله له الحق في ترتيب حياتنا على النحو الذي يبتغيه، وليس لنا أي حق في مساءلته (انظر رومية 9: 19-20). فبفعله هذا، لم يظلم أي منَّا. بل على النقيض، هو يعمل حسب طبيعته العادلة.
علينا تذكُّر، على الأقل، اعتبارين إضافيَّين ومرتبطين ونحن نتأمَّل في العلاقة التي أسَّسها الله بين آدم والبشر. أولًا، الله لم يؤسِّس مثل هذه العلاقة بين الملائكة. فكل ملاك يقف منفردًا أمام الله. بقيت بعض الملائكة في طاعة الله، في حين سقط البعض الآخر في الخطيَّة. ولم يعيِّن الله وسيطًا لهذه الملائكة الساقطة، ولم يسكب عليهم من رحمته المُخَلِّصة. فهم إذ "تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلَامِ" (يهوذا 6).
ثانيًا، إنه بواسطة نفس نوع العلاقة النيابيَّة التي بها سقطنا في الخطيَّة في أدم، فدى الله الخطاة الذين لا يستحقُّون ذلك. حين يتحد الخاطئ بيسوع المسيح بالإيمان وحده، يعبر من الدينونة إلى التبرير، وينال مجَّانًا بر يسوع المسيح. فهذا الخاطئ لا ينال عطية البر هذه لأي شيء فعله أو يفعله أو سيفعله بنفسه. بل الله يحتسب، بنعمته ورأفته، هذا البر إلى الخاطئ، البر الذي يناله بالإيمان. حتى إن هذا الإيمان عطية من الله (أفسس: 2: 8؛ فيلبي 1: 29).
لهذا السبب، ننظر نحن المسيحيُّون إلى الخلاص الذي نلناه في المسيح ونقول: "ليس عدلًا!" لا نقول هذا مثبتين قبضتنا غاضبين مقاومين، بل نقولها بيد منبسطة تُسبِّح وتشكر. فالخبر السار للإنجيل هو أن الله لم يقابلنا بما نستحقُّه. لأن ما نستحقُّه هو الدينونة الأبديَّة. لكن الله وضع خطايانا على يسوع المسيح مُعلَّقًا على الصليب، واحتَسَب بر ابنه إلينا حين آمنَّا به (2 كورنثوس 5: 21). فالله لم يجازنا بما نستحقُّه. بل كافأنا بما يستحقُّه المسيح. لقد وهبنا البركة عوضًا عن اللعنة، والبر عوضًا عن الدينونة، والحياة عوضًا عن الموت، والرجاء عوضًا عن اليأس. وبرأفته هذه، أظهر نفسه بارًا ويبرِّر كل مَن يؤمن بابنه (انظر رومية 3: 26).
في يوم الدينونة، لن يقدر غير التائبين على إلقاء اللوم على أي إنسان سوى أنفسهم (2: 1-11). سيُحكَم عليهم ويُدانون بالعدل وستُسد أفواههم (رومية 3: 19). وفي اليوم عينه، نحن المفديِّين لن نفتخر بأنفسنا. بل سنقدِّم كل الحمد والمجد لمُخلِّصنا، آدم الثاني، ربنا يسوع المسيح.
هذا اليوم لم يأتِ بعد. وحتى مجيئه، يمكن للمؤمنين أن يبدأوا في تسبيح المسيح بالذهن وبالجسد، بالقول والفعل. ويمكننا أن نوجِّه الآخرين إلى الله، الغني في الرحمة وكثير المحبَّة، الذي يجعل الخطاة الأموات أحياء مع المسيح (أفسس 2: 4-5).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.