كن متواجدًا معنا
۲٤ يونيو ۲۰۲۲الفرائض بصفتها وسائط نعمة
۱۳ يوليو ۲۰۲۲أمثلة لدعوات في الكتاب المقدس
عند مرحلة أو أخرى في الحياة، يطرح الجميع السؤال التالي: ما الهدف من وجودي هنا؟ لا يتعلَّق ذلك بالسؤال الأكثر عمومًا عن المعنى العام للحياة (أي الغرض من وجود الإنسان أو من تاريخ العالم)، إنما يتعلَّق بالأحرى بالدعوة الفردية للإنسان. بتعبير آخر، ما الذي يميِّزنا نحن البشر المخلوقين على صورة الله بعضنا عن بعض بحيث لا يمكن استبدال أحدنا بالآخر؟ فلمَ أحدنا كاتب والآخر مصرفي؟ ولمَ أحدنا مُزارِع والآخر جُندي؟ هل اتُّخِذت مثل هذه القرارات بمحض الصدفة، أم فقط نتاج ظروف بيئية، أم إنها تعبِّر عن شيء أعمق داخل قلب الشخص؟
الدعوة فكرة كتابية
يشير الكتاب المقدس إلى أنواع متعدِّدة من الدعوات. فقد دعا الله أناسًا إلى الاستماع إلى ما يقوله لهم، في بعض الأحيان بطريقة خاصة للغاية، كما في حالة الفتى صموئيل "النبي" (1 صموئيل 3)، وفي أحيان أخرى بطريقة عامة، كما في حالة الدعوات التي قدَّمها الأنبياء للشعب قائلين: "اسمعوا كلمة الرب!" كذلك، نقرأ في الكتاب المقدس عن تلك الدعوة الخاصة للغاية القاصرة على الأنبياء، وهو الحدث الذي انطوى في المعتاد على مخاطبة للرب للنبي من المحضر الإلهي وتكليفه بالمهمة النبوية. على سبيل المثال، تضمَّنت دعوة إشعياء في الهيكل كلَّ العناصر الرئيسية للدعوة النبوية، من تلقِّيه رؤيا للسماويات، وتفاعلٍ بين الرب والكائنات السماوية، وتردُّد النبي، ومنح علامة، وفحوى الرسالة النبوية الواضحة المراد توصيلها إلى الشعب (إشعياء 6). تلقَّى أنبياء آخرون دعواتهم إلى شغل الوظيفة النبوية بطريقة متشابهة: فقد دُعي حزقيال بينما كان في السبي، ودُعي بولس بينما كان في طريقه إلى دمشق، تلك الدعوة التي وصفها طوال فترة خدمته بأنها دليل شرعيته كرسول.
لكن، لا يلزم أن تكون الدعوة الحقيقية استثنائية وفوق طبيعية، الأمر الذي نقرأ عنه أيضًا في الأمثلة المستمَدَّة من الكتاب المقدس. فعلى سبيل المثال، اختار الله داود ليكون ملك إسرائيل مع أن صموئيل النبي لم يرَ في الصبي السمات الجسدية البديهية التي كان ليتوقعها لدى أيِّ ملك، لكن الرب "يَنْظُرُ إِلَى ٱلْقَلْبِ" (1 صموئيل 16: 7). وإن أمانة داود الداخلية أهَّلته للجلوس على العرش، على عكس شاول الذي جرَّده عدم إيمانه من مؤهلاته. ورغم ذلك، مرَّت سنوات بين تلقي داود دعوته وارتقائه العرش بالفعل، الأمر الذي أتاح لداود الفرصة كي يتأهَّب للدعوة التي عيَّنها الله لحياته. ولأن داود كان راعي غنم في حداثته، فقد تعلَّم المهارات الأساسية اللازمة لقيادة أيِّ قطيع وحمايته (كان الرعي تشبيهًا شائعًا للمُلك في العهد القديم). كما تعلَّم الاتكال على أمانة الرب في الوفاء بوعوده له. وهذا الاتكال على الرب هو ما أمدَّ داود بالشجاعة والصلابة التي كان بحاجة إليها في معركته ضد جليات، ذلك الحدث الذي أبلى فيه داود على نحو يليق بملكٍ بطلٍ أمين، على النقيض تمامًا من السلوك غير الملوكي كليَّة الذي أبداه شاول. وبسبب تولِّي داود وظيفة عازف البلاط الملكي، صار على دراية جيدة بسلوك شاول الغريب، وكذلك بفن الحُكم والإدارة في مملكة إسرائيل. وعلى الأرجح، استطاع داود في ذلك الوقت أن يصقل موهبته وفنه حتى صار شاعر إسرائيل الأبرز والكاتب للعديد من المزامير. هذه المراحل جميعها أتاحت لداود فرصًا للسعي وراء تتميم دعوته بأن يكون ثاني ملوك إسرائيل. ينبغي أن نحترس من المبالغة في الفصل بين الوظائف التي شغلها داود في أية فترة من حياته، ودعوته ككلٍّ. فقد ظلَّت دعوته تتحقق بشكل طبيعي على مدار حياته، حتى أننا نستطيع أن نقول ببعض الثقة إنه بينما كان الفتي داود بين رعاة الغنم، كان يسعى بأمانة إلى تتميم الدعوة التي عيَّنها الله لحياته.
كذلك، تلفت قصة أستير انتباهنا إلى جانب آخر من الدعوة الإلهية وثيق الصلة بنا اليوم بصفة خاصة. ففي هذه القصة، اغتنمت أستير فرصةً أتيحت لها للارتقاء إلى أعلى المراتب في الإمبراطورية الفارسية. فقد وُهبت جمالًا جسديًّا وذكاء فطريًّا أتاحا لها فرصة الانضمام إلى الدائرة المقرَّبة للملك. لكن، لم تتضح دعوة أستير المحدَّدة والخاصة إلا بعد أن ارتقى هامان إلى منصب رفيع في الإمبراطورية، ثم حاك مؤامرةً لإبادة اليهود المسبيِّين. أعطى مُردخاي، قريب أستير، تعريفًا للدعوة عندما نبَّه أستير إلى كونها وصلت إلى المُلك "لِوَقْتٍ مِثْلِ هَذَا" (أستير 4: 14). فقد دُعِيت من الله كي ينقذ شعبه من خلالها.
يُعَد سفر أستير سفرًا مميَّزًا بين أسفار الكتاب المقدس لأنه السفر الوحيد الذي لم يُذكَر فيه اسم الرب صراحةً. ولهذا الغياب لأية إشارة إلى الله تأثير قوي، لكونه يعطي القارئ انطباعًا عن صعوبة العالم الذي عاش فيه شعب الله تحت الحُكم الفارسي، في زمنٍ لم تكن فيه ملامح الإيمان الكتابي جليَّة مثلما كانت في فترة ما قبل السبي في يهوذا. لكنَّ غياب اسم الله صراحةً يبيِّن لنا أيضًا كيفية إدراكنا وفهمنا للدعوة في عالمنا المعاصر. ففي غالبية الأحيان، تكون الدعوة المسيحية مسألة متعلِّقة باتخاذ قرارات نابعة من مواهبنا، واهتماماتنا، وأهدافنا الشخصية، وكذلك من النصائح الحكيمة التي يقدِّمها المحيطون بنا، والفرص التي تتاح لنا على مدار حياتنا.
فالدعوات البشرية العادية لا تتحقق بالطريقة الدراماتيكية عينها التي تحقَقت بها في حياة الأنبياء وأبطال الكتاب المقدس؛ ومع ذلك، ثمة وجه شبه مهم بين دعوات هؤلاء ودعوة أي إنسان آخر: فإننا نُدعَى جميعًا من الله إلى أن نعيش بصفتنا أناسًا مخلوقين على صورة الله (تكوين 1: 26-27). وتلك الدعوة تتعلَّق بتمجيد خالقنا، عن طريق إطاعة التكليف الأول من الله، المعروف أيضًا بالتكليف الحضاري، بأن "نملأ ٱلْأَرْضَ ونُخضِعها" (تكوين 1: 28؛ انظر أيضًا تكوين 9: 1). وهذا يفسِّر سبب تأصُّل الحافز على ملء الأرض وتعميرها بعمق شديد في جميع البشر، على الرغم من تعرُّضه للتشوُّه الكبير نتيجة السقوط.
وبالتالي، يمكن القول بأن هذه الدعوة العامة لجميع البشر تشكِّل أساس الدعوة الفردية لكل شخص، لأنها تعبِّر عن مكانتنا الفريدة في الخليقة بصفتنا مخلوقين على صورة الله. فكلُّ إنسان مدعوٌّ من الله للمشاركة في هذا التكليف الحضاري بطريقة خاصة. وتلك الدعوة تشمل كلَّ نواحي تعامل الإنسان مع العالم، كالعمل، والعلاقات الأسرية، والمشاركة الكنسية، والانخراط السياسي، وما إلى ذلك. ففي كلِّ مجال من هذه المجالات، يكون حامل صورة الله مدعوًّا إلى المشاركة في الخطة الأكبر المتمثلة في تحسين الحياة حول العالم، وهي المهمة التي تعكس عمل الله عندما أوجد الخليقة ممَّا كان "خَرِبًا وَخَالِيًا" (تكوين 1: 2). هذه هي الدائرة الأكبر التي تشمل بداخلها حياة الفرد. ونظير أبوَينا الأوَّلين في تكوين 1-2، نحن جميعًا مشاركون في العمل المتعلِّق بملء الخليقة والتسلط عليها، بصفتنا وكلاء نائبين تحت سلطان الملك الخالق الذي له مطلق السيادة.
ولا يوجد أيُّ عمل أتفه من ألا يعكس هذه الدعوة العامة والكبرى. يُدعَى البعض إلى أداء مهام واسعة النطاق، بل وربما عالمية أيضًا، في حين يسعى آخرون إلى تتميم دعوتهم على نطاق ضيق ومحلي. وبعض الدعوات البسيطة ظاهريًّا لها تأثيرات ضخمة غير متوقَّعة (تتبادر إلى ذهني مونيكا الأم المُصَلِّية للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو). فلكلِّ الدعوات معانٍ سامية لأنها نابعة من مكانتنا بصفتنا حملةً لصورة الله. يشمل هذا تشكيل المعلِّمين لفكر طلابهم في مجالات خبراتهم، وتحقيق ضباط الشرطة للنظام في نطاق عملهم، وتنظيم السبَّاكين لتدفق المياه واستخدامها في مجتمعٍ ما. بل ويشمل هذا أيضًا العاملين على خطوط الإنتاج لتصنيع الآلات والماكينات التي تؤدِّي دورًا ما في المجتمع البشري.
الدعوة المسيحية اليوم
بالنسبة للمؤمنين، ثمة فكرة فريدة وممتدة تتعلَّق بالدعوة. فنتيجة سقوط الإنسان، وقع كلُّ عملٍ لنا تحت تأثيرات اللعنة والاغتراب عن الله. فلا يزال البشر على صورة الله، لكن تلك الصورة تشوَّهت نتيجة تمرد أبوينا الأولين في الجنة، وتمرُّد كل إنسان ساقط آخر منذ ذلك الحين. وإن نجاح أيِّ شخص ليس في المسيح في السعي إلى تحقيق دعوة ما في حياته إنما هو فعل رحمة نابعٌ من نعمة الله العامة. أما أولئك الذين ينالون الخلاص والمصالحة مع الله باتحادهم بيسوع المسيح، فيتعاملون مع مسألة الدعوة من منظور كونهم صورة الله التي افتديت. فبسبب فدائهم، صاروا قادرين على تمجيد الله بحقٍّ من خلال دعوتهم.
أضفى المصلحون قيمة كبيرة على هذه الدعوة العامة في الحياة المسيحية. فبالنسبة لهم، كانت الدعوة المسيحية تعني أن كلَّ أمر يجب أن يُعمَل كما لو كان خدمة للرب ولمجده (كولوسي 3: 22-24؛ 1كورنثوس 10: 31). يعني ذلك ألا ننظر إلى الدعوة المسيحية بالمعنى الهرمي، حاسبين الخدمة في الكنيسة دعوة أكثر قدسية من الدعوات العادية إلى شغل وظائف أو أداء مهام أخرى. لكن، لكلِّ الدعوات قيمة متساوية في ملكوت الله. وهذا الفهم الأوسع نطاقًا للدعوة متفق مع الفكرة الكتابية بأن كلَّ جانب من جوانب حياة الإنسان، سواء كان المرء يشغل منصب عميد جامعة أو عاملًا بسيطًا، يتيح له الفرصة لعبادة الله. ففي النهاية، نحن مدعوون إلى أن نحب الله من كل الكيان، والقلب، والنفس، وبكلِّ جهد نبذله في العالم (تثنية 6: 4-5).
وفي أثناء سعي المؤمنين اليوم إلى فهم دعواتهم الخاصة، عليهم ألا يتوقعوا شيئًا شبيهًا بالاختبارات الفائقة التي اجتازها أنبياء الكتاب المقدس، لكنهم يستطيعون أن يجدوا في القصص النبوية تشابهًا مع دعوة كلِّ واحد. فنظير أنبياء الكتاب المقدس، على المؤمنين أن يدركوا أن دعوتهم آتية من عند الله. فهو الذي يدعو، مع أنه قد يكون من الصعب تمييز صوت الله بين الأصوات الكثيرة التي يبدو أنها تنهال علينا في كلِّ لحظة. وعليه، فعلى المؤمنين أن يحرصوا على الانغماس في كلمة الله مع الصلاة حتى تعتاد آذانهم على تمييز مشيئة الله.
وعلينا أن ندرك أيضًا أن دعواتنا قد تتغير. فقد تلقَّى النبيان إشعياء وحزقيال دعوات مختلفة في مراحل مختلفة من حياتهما. ومن ثَمَّ، يجب أن نتوقع إمكانية تغيُّر دعوتنا نحن أيضًا على مدار حياتنا، حيث قد تتاح لنا فرص جديدة، وقد تتغير الأزمنة، واحتياجات المحيطين بنا.
وفيما يسعى المؤمنون إلى اكتشاف دعوة الله لحياتهم، يمكنهم تعلُّم دروس قيِّمة من الأمثلة الواردة في الكتاب المقدس.
أولًا، دعوة الله في حياتنا تتيح لنا الفرصة لنحب الرب إلهنا من كلِّ كياننا (تثنية 6: 4-5). وبالتالي، لا يمكن لدعوة الله أن تطالبنا بارتكاب خطية. فعلينا أن نسعى إلى تتميم الدعوة المسيحية تعبيرًا منا عن إيماننا بالله، مستبعدين أية دعوة يمكن تتميمها بطريقة آثمة، أو هدَّامة، أو على نحو يفتقر إلى الإيمان.
ثانيًا، يحبُّ الله أن يعطي شعبه عطايا دعوته الصالحة (مزمور 37: 4؛ متى 6: 28-33؛ 7: 11). وبالتالي، لا بد أن يجد المؤمنون في قلوبهم تناغمًا مع دعوتهم، بحيث تصير الدعوة امتدادًا طبيعيًّا لأشواقهم ورغباتهم البارَّة. علاوة على ذلك، فيما يسعى المؤمن إلى تتميم دعوة الله له، سيكتشف حتمًا أن المهمة التي كلَّفه بها الله أصبحت تشكِّل رغباته. لا يعني ذلك أنه لن يشعر بالتعب أو الإحباط في بعض الأحيان، لكن المؤمن الساهر والتائب سيتشدَّد لتتميم دعوته حتى في وجه المقاومة. وفيما يسعى المؤمن وراء تلك الأمور التي يحب أن يعملها بالطبيعة، سيكتسب مزيدًا من الوعي بماهية الأمور التي تُشعِره بالفرح والرضا. وعلى المؤمنين أن يتوقعوا أيضًا أن تنضج مشاعرهم وتتشكَّل بفعل العمل الذي يقومون به، إلى أن يبدؤوا في اختبار الفرح حتى من تلك الأعمال التي لم تكن قبلًا مسِرَّة لهم.
ثالثًا، يُشَكِّل الله شعبه من أجل تتميم دعوتهم (إرميا 1: 5). تنطوي غالبية المساعي في هذه الحياة على نوعٍ من المهارات التي يجب أن تمارَس بطريقة صائبة ولائقة. بعض الدعوات لا تتطلب سوى مهارات أساسية، في حين تتطلب دعوات أخرى أعوامًا، بل وعقودًا، من التدريب. تختلف المواهب الشخصية عن مجموعة المهارات من حيث إن المواهب لا يمكن أن تُكتَسَب بعد فترة زمنية معينة من التمرين والتدريب. يمكن للمواهب الطبيعية والروحية أيضًا أن توجِّه عملية اكتشاف الدعوة. فبعض المؤمنين هم معلِّمون بالفطرة، في حين أن آخرين موهوبون في الوعظ والتشجيع، أو في الاهتمام بالآخرين. على جميع المؤمنين أن يجتهدوا من أجل إظهار كل المواهب عندما يتطلب الأمر أو الموقف منهم ذلك، لكن الكتاب المقدس يقول إن بعض المؤمنين هم بالنعمة أكثر ميلًا إلى موهبة معيَّنة عن موهبة أخرى (رومية 12: 6-8). وكما هو الحال مع كل المواهب التي يعطيها الله، نحن مدعوون إلى أن نكون وكلاء صالحين، وأن نستثمر مواهبنا في الدعوات التي يمكن أن تُستغَل فيها هذه المواهب أفضل استغلال ممكن.
لدينا كلمة تحذير مستمَدَّة من الأسفار النبوية، وتقول إن الرب يحب أن يُظهِر قوته في ضعفنا. فقد كان موسى يعاني من إعاقةٍ في الكلام، لكنه اختير ليكون المتحدِّث بلسان الله (خروج 4: 10)، كما تلقَّت شفتا إشعياء النجستان رسالة قداسة ودينونة ضد الشعب (إشعياء 6: 5)، وربما ظن إرميا أنه أصغر من أن يكون نبيًّا (إرميا 1: 6)، وحسب بولس نفسه أول الخطاة بسبب اضطهاده للكنيسة (1 تيموثاوس 1: 15). ففي بعض الأحيان، يُدعى المؤمن إلى مهمة تبدو عصيَّة وبعيدة المنال إلى حدٍّ يستلزم تدخل الله لإنجاحها.
رابعًا، الدعوة المسيحية خدمةٌ لله وللآخرين. فإذا سعى أحدهم إلى تتميم دعوة لها غايات أنانية أو ظالمة، فإن هذه الدعوة إذن لا تُمجد الله. قال ويليام بِركينز (William Perkins): "الغاية الحقيقية لحياتنا هي أن نخدم الله عن طريق خدمتنا للإنسان". فإن محبتنا للقريب يجب أن تفيض بالطبيعة من محبتنا لله (لاويين 19: 18؛ متى 22: 38-39)، واتحادنا بالمسيح يجب أن يمدَّ أخلاقياتنا الشخصية بالوقود، بحيث نميل إلى مساعدة الآخرين على حساب مصلحتنا الشخصية (فيلبي 2: 1-11).
وأخيرًا، الدعوة المسيحية ليست سرًّا أو لغزًا يلزم كشفه في وقتٍ ما. فعندما يدعو الله شعبه، يدعوهم إلى التجاوب مع العالم المحيط بهم، عن طريق تطبيق تعاليم كلمة الله بطريقة منطقية وعقلانية، حتى يتسنى لهم أن يكتشفوا ما ربما يكونون مدعوِّين إليه في أيِّ وقت أو أيِّ ظرف. وكما ذكرتُ أعلاه، يمكن لدعوة الإنسان أن تتطور وتنضج على مدار حياة المرء. فقد يتخرج أحدهم من الجامعة وفي ذهنه فكرة معينة عن الدعوة، لكن هذه الفكرة قد تتغير عدة مرات على مدار حياته. لا يعني هذا التغيير أن هذا الشخص لم يكن طائعًا لدعوة الله في حياته، أو إنه كان جاهلًا نوعًا ما بها.
وأخيرًا، لا تخلِّص الدعوة أحدًا من خطيته، أو تبرِّره أمام الله، بل إن الدعوة هي الاهتمام الطبيعي لأناسٍ خلصوا بالفعل. فمن نواحٍ عديدة، الدعوة المسيحية هي الشيء الذي يخلص أحدهم لأجله. كتب هيرمان بافينك (Herman Bavinck)، اللاهوتي الهولندي، الآتي: "إن تتميمنا السليم لدعوتنا الأرضية هو ما يُعدُّنا للخلاص الأبدي، واهتمامنا بما فوق هو ما يؤهِّلنا للتلبية السليمة لرغباتنا الأرضية". فعندما نتبع دعوة الله في هذه الحياة، نستعد للأبدية، وعندما نبقي الأبدية نصب أعيننا على الدوام، سنجد في الحاضر شبعنا الحقيقي.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.