دلائل اليقين - خدمات ليجونير
هل يمكننا أن نثق بالعهد الجديد؟
۲۰ أكتوبر ۲۰۲۰
ما الذي علينا تذكُّره؟
۲٦ أكتوبر ۲۰۲۰
هل يمكننا أن نثق بالعهد الجديد؟
۲۰ أكتوبر ۲۰۲۰
ما الذي علينا تذكُّره؟
۲٦ أكتوبر ۲۰۲۰

دلائل اليقين

يُؤكِّد إقرار إيمان وستمنستر أنه يمكن للمسيحيِّين: "التأكد يقينًا بأنهم في حالة النعمة" (الفصل 18، البند 1) ويواصل الحديث بالقول إن هذا "تأكيد راسخ للإيمان مؤسس على" ثلاث اعتبارات:

- "الحق الإلهي لوعود الخلاص"

- "والبرهان الداخليّ لتلك النعم نحو وجود هذه المواعيد"

- "وشهادة روح التبني شاهدًا لأرواحنا أننا أبناء لله" (الفصل 18، البند 2)

إن إمكانيَّة اليقين "المُؤكَّد" و"الراسخ" تُرى في مقابل آراء كنيسة روما الكاثوليكيَّة في العصور الوسطى وعصر ما بعد الإصلاح، والتي أصابت الكنيسة بالشلل "بيقين" أفضل ما يمكن أن يُقال عنه أنه "تخميني" (أحلام وأمنيات)، مبني –إن جاز القول- على الاشتراك الصارم في الممارسات الروتينيَّة للأسرار الكنسيَّة. قلة هم الذين لخصوا هذا التناقض بشكل صارخ أكثر من الكاردينال بيلارمين (Bellarmine) الذي عاش في الفترة 1542-1621، وهو كان اللاهوتي الخاص بالبابا كليمنت الثامن والزعيم الأقوى للإصلاح المُضاد، والذي أطلق على عقيدة اليقين البروتستانتيَّة "أعظم الهرطقات على الإطلاق". ففي النهاية، ما الذي يمكن أن يكون أكثر إهانة لنظام الخلاص القائم على الأعمال والوساطة الكهنوتيَّة من إمكانيَّة الحصول على يقين الخلاص بدون أي منهما؟ إذا كان بإمكان المؤمنين الحصول على يقين الحياة الأبديَّة بمعزل عن المشاركة في طقوس الكنيسة، فما هي النتيجة المحتملة التي يمكن أن تكون سوى انتشار فكر ضد الناموسيَّة (الاعتقاد بأن وصايا الله ليست إلزاميَّة بل اختياريَّة)؟

ولكن ماذا قصد مَن وضعوا إقرار إيمان وستمنستر عندما أشاروا إلى أن يقيننا "مُؤسَّس على" البرهان الداخلي؟ يكمن خلف هذا التعبير قياس منطقي وعملي:

(الفرضيَّة الرئيسيَّة) يظهر المؤمنون الحقيقيون ثمر الروح القدس.

(الفرضيَّة الثانويَّة) ثمر الروح القدس ظاهر فيَّ.

(النتيجة) أنا مؤمن حقيقي.

يجب أن يكون واضحًا أن ذاتيَّة هذه الحجة محفوفة بالصعوبات. في حين أن يقين الخلاص يرتكز على عمل المسيح (الموضوعي)، فإن تأكيد اليقين يرتكز على وعود الله (الموضوعيَّة) التي يعطيها لنا والاكتشاف (الشخصي أو الذاتي) لهذه الوعود العاملة فينا. وهذا الاعتبار الأخير هو ما يؤدِّي إلى مشكلة أو مشكلتين.

ميَّز اللاهوتيُّون بين أعمال الإيمان المباشرة والانعكاسيَّة. فالإيمان بأنه يمكن للمسيح أن يخلِّصني (عمل الإيمان المباشر) هو أمر. ولكنه أمر آخر أن أؤمن أني قد آمنت (عمل الإيمان الانعكاسي). بدون الاعتبار الأول (أن المسيح مستعد وقادر أن يخلِّص أيضًا) لا يمكن أن يكون هناك يقين الإيمان. في الواقع، من العبث أن نستمر في الحديث عن اليقين بمعزل عن الاقتناع بصحة هذه العبارة "المسيح قادر على خلاص مَن يؤمن".

إذًا، فإن افتراض أنه لا يوجد شك في قدرة المسيح واستعداده أن يخلِّص مَن يؤمنون، فكيف يمكن لي أن أتأكَّد أنني أملك هذا الإيمان؟ إجابة العهد الجديد هنا واضحة: توجد "إِطَاعَةِ الإِيمَانِ" (رومية 1: 5؛ 16: 26). الإيمان الحقيقي يُعلن عن ذاته بطرق خارجيَّة ملموسة. بعبارة أخرى، يربط العهد الجديد بين الأمانة والتمتُّع باليقين. يظهر المؤمنون الحقيقيُّون ثمر الروح القدس، وهذا الثمر يمكن ملاحظته وقياسه.

أربعة طرق للمعرفة:

يتطرَّق الرسول يوحنا إلى هذا الموضوع في رسالته الأولى قائلا: "كَتَبْتُ هذَا إِلَيْكُمْ، أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ، لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً" (1 يوحنا 5: 13). بدون الإيمان "بِاسْمِ ابْنِ اللهِ" لا جدوى من الاستمرار في الحديث عن اليقين. السؤال المطروح الآن هو: "كيف يمكنني معرفة ما إذا كان إيماني حقيقي؟" تؤكِّد إجابة يوحنا على أربع صفات أخلاقيَّة للحياة المسيحيَّة.

أولًا، هناك طاعة لوصايا الله. "بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ. فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ" (1 يوحنا 5: 2-3). الإيمان الحقيقي ليس ضد الناموس ولا يمكنه أن يكون أبدًا.

ثانيًا، هناك ممارسة البر: "فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ" (1 يوحنا 2: 29). مَن لهم إيمان حقيقي سيظهرون حياة الإيمان، وهي حياة تشكِّلها وتصيغها طاعة الإيمان. فهم يظهرون الرغبة في التقوى.

ثالثًا، هناك انفصال شديد عن حياة المرء السابقة. يعبِّر يوحنا عن هذا بشكل قاطع (عن طريق استخدام تباين نسبي بمصطلحات مطلقة) قائلًا: "نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ" (1 يوحنا 5: 18، قارن 3: 6، 9). شرح هذه الكلمات التي اعترف بصعوبتها يتطلَّب مساحة أكبر ممَّا هو مخصَّص هنا، لكن من الواضح بما فيه الكفاية أن الإيمان الحقيقي الأصيل لا يتوافق مع استمرار نمط السلوك الخاطئ الذي تتسم به الحياة التي يعيشها المرء في عدم الإيمان.

رابعًا، هناك السلوك بالمحبة: "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ.... وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ" (1 يوحنا 3: 14؛ 4: 7). إن محبة إخوتنا وأخواتنا أمر عزيز على قلب الرسول يوحنا. ففي النهاية، وفقًا للتقليد، سُمع الرسول الشيخ في أفسس، وهو تحمله أيدي تلاميذه، مُردِّدًا: "يا أولادي الصغار، أحبوا بعضكم بعضًا". وعندما سُئِل عن سبب استمراره في تكرار هذه الجملة، أجاب: "إنها وصية الرب. وإن تمت طاعتها فهذا يكفي".

إذن تساهم هذه العلامات الأربع معًا في التأكيد على أن إيماننا في المسيح حقيقي. لكن ماذا لو لم أستطع تمييز هذه الدلائل الخارجيَّة في نفسي وأتساءل عمَّا إذا كانت غائبة؟ هل يجب أن أستنتج إذن أن إيماني هو نفاق أو غير صادق؟ نعم، هذه استنتاج محتمل. ولكنه ليس بالضرورة الاستنتاج الصحيح، لأن تقييمنا لدلائل الإيمان الخارجيَّة بهذه العلامات الأربع قد يكون خاطئًا. قد نقسوا على أنفسنا جدًا. قد نشك فيما يمكن للآخرين رؤيته بوضوح. قد يشوِّش الشيطان على تفكيرنا. قد يقودنا الافتقار إلى الثبات إلى استنتاج أنه لا يوجد دليل على الإطلاق. وقد تقودنا الطبيعة والميول إلى تقييم سلبي في الوقت الذي يمكن فيه لفحص أكثر موضوعيَّة أن يوصل إلى نتيجة مختلفة. لكن هناك احتمال أن يكون إيماننا غير صادق. ماذا إذن؟

الإيمان بالدليل أم الإيمان بالمسيح؟

هنا تظهر الاختلافات في النصيحة. قد تكون النصيحة المتوقَّعة: "ابذل جهدًا أكبر". أتذكَّر هذا التعليق من تقارير المدرسة السنويَّة: "يمكنه أن يجتهد بشكلٍ أفضل". الشخص الذي يشك في أصالة إيمانه بسبب عدم ثبات السلوك يتم حثَّه أن يكون "أكثر ثباتًا". اقرأ الكتاب المقدس أكثر، وصلِّي بحماسةٍ أكبر، وأحب بشكل أعظم دون أنانية، إلخ. ولكن ما الذي ستحقِّقه مثل هذه النصيحة؟ أولًا، من المشكوك فيه أن يكون الشخص الذي يميل إلى قراءة وجود الثمر بشكل سلبي أفضل حالًا في تقييمه بمجرد زيادة الجهد. لكن الأهم من ذلك، أن مثل هذه النصيحة مُعرَّضة لارتكاب الخطأ الفادح المتمثِّل في النظر إلى ثمر الإيمان على أنه أصل الإيمان. فهي مُعرَّضة بقوَّة للميل إلى التبرير الذاتي —الأمر الذي هو في صلبنا جميعنا.

النصيحة "بفعل المزيد" في الاعتقاد بأن الأعمال توفِّر أساس اليقين بدلًا من دليل اليقين هي الطريق إلى الناموسيَّة —والناموسيَّة بمعناها الصحيح. في كتابه "المسيح كاملًا" (The Whole Christ)، يشجِّع سنكلير فيرجسون (Sinclair Ferguson) على "منطق الإنجيل" الذي يفيد بأنه "لا يوجد يقين للإيمان يمكن اختباره بعيدًا عن الإيمان".

وهنا يجد المرء نصيحة غير بديهيَّة التي تقديمها لمَن يفتقر إلى اليقين. إن النظر إلى الأعمال (ونصيحة "القيام بمزيد من الأعمال") كوسيلة للحصول على اليقين تأتي في الأساس بنتائج عكسيَّة وهي قاتلة رعويًّا. وحده المسيح يستطيع أن يخلِّصنا، ويجب أن نجد اليقين عند الافتقار إليه من خلال النظر إلى المسيح. بدون الإيمان بالمسيح، لن يضمن لنا أي عمل من جانبنا شيئًا سوى الفريسيَّة.

هذه المشورة بعيدة كل البعد عن التراخي، فما تهدف هذه المشورة إلى التأكيد عليه هو فهم أن الإيمان يؤدِّي إلى الطاعة بدلًا من كون الطاعة هي التي تؤدِّي إلى الإيمان. والاختلاف جوهري. واحد يؤدِّي إلى الناموسيَّة، والآخر إلى الأعمال الاستدلاليَّة بحسب الإنجيل (أي الأعمال القائمة على رسالة الإنجيل).

الثبات في المسيح:

أليست هذه المشورة (أن ننظر أولًا إلى المسيح) هي بالضبط ما قاله يسوع في كلماته الأخيرة للتلاميذ في العُليَّة؟

اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا. (يوحنا 15: 4-5)

إن الإثمار، وهو الشيء الذي ربطه المسيح بحفظ وصاياه (15: 10)، يتعلَّق بشكل وثيق بالثبات في المسيح. ففي دائرة الثبات في المسيح وليس بمعزل عنها تأتي الثمار.

لا يوجد سوى علاج واحد لعدم الإثمار في حياتنا المسيحيَّة. وهو الرجوع إلى المسيح والتمتُّع (نعم التمتُّع) باتحادنا به. "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا" (2 كورنثوس 5: 14). يأتي الفعل اليوناني المُترجَم هنا "تحصرنا" في أماكن أخرى بمعنى "يضيق على" و"يحاصر" (لوقا 8: 45؛ 19: 43). هذا ما يفعله اختبار الثبات في المسيح —هو يحاصرنا بالطاعة. من هذه المحبة الفائضة، ينبع الامتثال لوصايا المسيح. أما العصيان فيُبعِد المسيح. ولكن عندما نتمتَّع بحضوره، نرغب أيضًا في "إرضائه" (2 كورنثوس 5: 9). وبينما نأتي بثمر هذا الاتحاد، ينمو اليقين.

 

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ديريك توماس
ديريك توماس
الدكتور ديريك توماس هو الراعي الرئيسي للكنيسة المشيخيَّة الأولى في مدينة كولومبيا، بولاية ساوث كارولاينا، وأستاذ استشاري لعلم اللاهوت النظامي والرعوي في كليَّة اللاهوت المُصلَحة. وهو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير، وقد كتب العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "كيف يقودنا الإنجيل إلى موطننا" (How the Gospel Brings Us All the Way Home).