عامل الخوف
۲۰ أكتوبر ۲۰۲۰دلائل اليقين
۲۱ أكتوبر ۲۰۲۰هل يمكننا أن نثق بالعهد الجديد؟
من الممكن أن تكون تجربة مُربكة بالنسبة للقرَّاء المعاصرين للعهد الجديد أن يصادفوا آيات موضوعة بين أقواس تسبقها عبارة مثل: "أقدم مخطوطات لدينا لا تشتمل على... ". بالنسبة لمن تعلَّموا أن العهد الجديد الذي بين أيدينا موثوق به وجدير بالثقة، تثير هذه الأقواس عددًا من الأسئلة الشائكة: ما مدى تأكُّدنا من نص العهد الجديد؟ إن كان هناك شك في هذه الآيات، فهل نشك في الآيات الأخرى أيضًا؟ وإن لم تكن هذه الآيات أصليَّة، فلماذا لا تزال موجودة في ترجماتنا؟ ما لم تتم الإجابة على هذه الأسئلة، فإن وجود هذه الأقواس يمكن أن يصبح، على الأقل بالنسبة للبعض، مثل الذبابة الرمزيَّة في عطر السلطة الكتابيَّة.
عند إجابتنا على مثل هذه الأسئلة، يجب أن نبدأ بإدراك أن عملية إنتاج الكتب قديمًا كانت تختلف عمَّا نختبره في عصرنا الحالي بعد جوتنبرج. في العالم القديم، لم توجد (بالطبع) أجهزة كمبيوتر محمولة، ولا برامج تدقيق إملائي، ولا مطابع، ولا وسائل الراحة الحديثة الأخرى للمساعدة في إنتاج الكتب. إذا أراد أحدهم أن يكتب كتابًا، كان عليه أن يكتبه باليد. وإن أراد أحدهم أن يرى هذا الكتاب "منشورًا" وموزَّعًا عبر منطقة جغرافيَّة واسعة، كان يجب أن يتم عمل نسخًا من هذا الكتاب —باليد أيضًا. وبالتالي، نُقل العهد الجديد بنفس الطريقة التي نُقل بها كل كتاب قديم آخر: تم نسخه باليد عن طريق الكتبة.
كما يمكننا أن نتخيَّل، حتى أفضل الكتبة ارتكبوا أخطاءً من آنٍ لآخر. لا يوجد شيء فاضح في هذا —فهو جزء حتمي من عملية نسخ الكتب، سواء العهد الجديد أو غيره، في العالم القديم. كانت معظم هذه الأخطاء سهوات عادية للكتبة مثل الأخطاء الإملائية، أو تغيير ترتيب الكلمات، أو الحذف العرضي لكلمة. لكن من في بعض الأحيان، أثناء عملية النسخ، كانت هناك تغيرات أكبر، مثل تكرار أو حذف سطرًا كاملًا، أو ربما يضيف الناسخ كلمات يعتقد أنها تنتمي للنص. في ضوء هذه التغييرات، يوجد فرع من الدراسات العلميَّة يفحص المخطوطات المتعدِّدة المنسوخة باليد لسفرٍ ما لتحديد ما كتبه الكاتب الأصلي وما قد يكون خطأ لاحقًا اقترفه ناسخ. هذا المجال الدراسي يسمى النقد النصي.
على الرغم من أن النقد النصي ملائم لكل وثائق العصور القديمة، إلا أنه مهم بشكلٍ خاص لكتابات العهد الجديد. ففي النهاية، كمسيحيِّين، نؤمن أن الكلمات الأصليَّة لكُتَّاب العهد الجديد موحى بها من الله. هؤلاء الكُتَّاب كتبوا بالضبط ما قادهم الله أن يقولوه من خلال الروح القدس. وبالتالي، من المهم أن نستعيد النص الأصلي لأي سفر من أسفار العهد الجديد —أو على الأقل أقدم نص ممكن— وأن نفصل هذا النص عن أي تغييرات حدثت في وقت لاحق على يد الناسخ.
لذلك، عندما نطبق مبادئ النقد النصي على العهد الجديد، هل لدينا السبب الذي يجعلنا نثق، بقدرٍ معقول من اليقين، في نص العهد الجديد؟ بكل تأكيد. في الحقيقة، إن المصداقيَّة النصيَّة للعهد الجديد ممتازة.
تم الحفاظ على النص الأصلي:
أولًا، لدينا أسباب وجيهة للاعتقاد بأن نص العهد الجديد الأصلي محفوظ في المخطوطات الموجودة في حوزتنا. لماذا؟ لأننا في المقام الأول أُنعم علينا بهذا العدد الضخم من المخطوطات —حوالي 5700 مخطوطة وما زلنا نجد المزيد. كما كتب إلدون إيب (Eldon Epp) العالم في دراسات العهد الجديد قائلًا: "النقطة المهمة هي أن لدينا الكثير من مخطوطات العهد الجديد... من المؤكَّد أن القراءة الأصليَّة لكل نص موجودة في مكان ما في المخزن الهائل من المخطوطات المتاحة لنا".
لكن ليس فقط عدد المخطوطات هو المهم. ترجع ثقتنا بأننا نملك النص الأصلي في المخطوطات التي لدينا إلى ما يُسمَّى تماسك النص. بمجرَّد دخول قراءة معينة إلى مخطوطة ما، فإنها لا تغادر. بدلًا من ذلك، فإنها تظل بقوَّة. قال كورت وباربرا آلاند (Kurt and Barbara Aland):
تتميَّز عمليَّة انتقال التقليد النصي للعهد الجديد بدرجة كبيرة من التماسك. فبمجرَّد ظهور قراءة، فإنها ستظل بقوَّة. ... إنه العدد الهائل من التقليد النصي للعهد الجديد هو بالضبط ما يُقدِّم ضمان اليقين في تحديد النص الأصلي.
وبعبارة أخرى، إن العدد الكبير من مخطوطات العهد الجديد وتماسك النص معًا يعطينا التأكيد على أن النص الأصلي لم يُفقَد.
إذا كان الأمر كذلك، فإن التحدِّي المتمثِّل في استعادة النص الأصلي يختلف عمَّا قد يعتقده البعض. ليس الأمر أننا نفتقر إلى النص الأصلي، ولكن لدينا النص الأصلي بالإضافة إلى بعض الاختلافات في تقليد المخطوطات. باختصار، لدينا الكثير جدًا من المواد.
معظم الاختلافات النصيَّة غير أصليَّة بشكل واضح:
إذا كانت لدينا أسباب وجيهة للاعتقاد بأن النص الأصلي محفوظ في المخطوطات العديدة التي لدينا، فإن الخطوة التالية هي فصله عن أي اختلافات لاحقة. وهذا يؤدِّي إلى ملاحظة ثانية: الغالبيَّة العُظمى من الاختلافات النصيَّة ليس لها ادِّعاء شرعي بأنها أصليَّة. فمعظم الاختلافات ببساطة ليست في وضع منافسة منطقيَّة لكونها جزءًا من النص الأصلي الذي كتبه كُتَّاب الكتاب المُقدَّس. يعود هذا الأمر لعددٍ من العوامل. تظهر بعض القراءات مرة واحدة فقط في تقليد المخطوطة (وبالتالي من غير المحُتمل أن تكون أصليَّة). البعض الآخر عبارة عن أخطاء واضحة وفادحة للنسَّاخ أو قراءات "بلا معنى". والبعض الآخر يفتقر إلى دعم مخطوطة ذات مغزى.
هذه الأنواع من الاعتبارات ذات صلة في التعامل مع الكلمات الأكثر شيوعًا بين الأقواس المذكورة في كتابنا المُقدَّس: مرقس 16: 9-20 (المعروفة باسم النهاية الطويلة لإنجيل مرقس) ويوحنا 7: 53-8: 11 (قصة يسوع والمرأة الزانية). عندما نفحص هذين النصين المُتنازع عليهما، تكون لدينا أسباب وجيهة للشك في أصالتها. في حالة النهاية الطويلة لإنجيل مرقس، فهي غير موجودة في النسخ الأقدم من إنجيل مرقس التي بحوزتنا (والموجودة في المخطوطات الفاتيكانيَّة والسينائيَّة) ومن شهادة آباء الكنيسة الأولى (خاصة يوسابيوس وجيروم). يشير هذا إلى أن معظم النسخ القديمة لإنجيل مرقس تفتقر إلى النهاية الطويلة. وبالمثل، لا نجد قصة يسوع والمرأة الزانية في أي من النسخ القديمة التي لدينا لإنجيل يوحنا (البرديات 66 و75، المخطوطات الفاتيكانيَّة والسينائيَّة)، مما يشير مرة أخرى إلى أنها كانت إضافة لاحقة.
لذلك، في حين أن هذين النصين الموجودين بين قوسين قد يثيران مخاوف القارئ العادي —لا سيما بالنظر إلى طولهما وشهرتهما— إلا أنهما لا يشكلان التهديد الذي قد نفترضه. إن علمنا أنهما ليسا أصليَّين، فلا يمكننا القول إن النص غير موثوق به في هذه المقاطع. سيكون النص غير موثوق به في هذه المقاطع إن كنَّا لا نعلم ما هو النص الأصلي.
بالطبع، يجب الاعتراف بأنه بالنسبة للقارئ العادي، يبدو أنه من الصعب القول إن هذين النصين ليسا أصليَّين. نظرًا إلى أن هذين المقطعين كانا جزءًا من تقليد كتابنا المُقدَّس لأجيال —ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأثير ترجمة الملك جيمس— فقد يبدو كأنهما يتعرَّضان للطرد بلا داع. ورد الفعل هذا مفهوم. ولكن إن خرجنا عن تقليد الكتاب المُقدَّس للحظة وسألنا عمَّا كان أصلًا في النص اليوناني لمرقس ويوحنا، فإننا ندرك أن هذه النصوص لا "تُطرد" من العهد الجديد. بل ندرك أنه من المُحتمل ألا يكونا هناك من الأساس.
لا تؤثِّر أي اختلافات نصيَّة غير محلولة عقيدة رئيسيَّة:
بالطبع يجب الاعتراف بأن القرارات المتعلِّقة بأصالة الاختلافات ليست دائمًا واضحة المعالم. هناك عدد من الأجزاء التي لدينا بها عدد متنافس من الاختلافات تبدو منطقيَّة بشكلٍ متساوٍ— على الرغم من أن هذا نادر نسبيًّا بشكلٍ عام. ولكن هذا يقودنا إلى ملاحظة ثالثة وأخيرة تختص بالنقد النصي للعهد الجديد، أي أنه لا توجد اختلافات نصيَّة غير محلولة تعرِّض عقيدة هامة للخطر. بغض النظر عن القراءة المختلفة التي نختارها في مثل هذه الحالات التي لم يتم التوصُّل فيها إلى حلٍ، لا تتغيَّر أيَّة عقيدة مسيحيَّة جوهريَّة.
بالطبع سيُصاب البعض بالإحباط لأننا لا نتملك ضمانًا مطلقًا بنسبة 100% حول كل اختلاف نصي. لكننا لسنا بحاجة إلى ضمان حول كل اختلاف نصي لنتأكَّد من رسالة العهد الجديد. فقد حفظ الله كلمته بشكلٍ كافٍ حتى تظل بشرى الإنجيل المجيدة سليمة.
ومن هنا نأتي إلى لب الموضوع. عندما يهدأ كل الغبار في هذه المناقشات حول نصوص العهد الجديد، تظل الرسالة الأساسيَّة للعهد الجديد كما هي. فهي لم تتغيَّر. كما وعد يسوع: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ" (متى 24: 35).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.