إعداد الأطفال للعبادة
۲۰ سبتمبر ۲۰۲۲ممَّ خلصنا؟
۲۷ سبتمبر ۲۰۲۲تاريخ الكنيسة والانخراط في المجتمع
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 9 من سلسلة "القلق"، بمجلة تيبولتوك.
ما الذي يمكن تعلُّمه من تاريخ الكنيسة عن الانخراط في المجتمع؟ دعوني أبدأ حديثي بتحذيرٍ: ينبغي ألا نقرأ عن الشخصيات العظيمة في تاريخ الكنيسة بهدف أن نصير مثلهم تمامًا، وأن ننسخ ظروف مجتمعهم كما هي. هذا لن يكون فقط مشابهًا لقول أحدهم "أرى نفسي لوثر القادم"، لكنه أيضًا بمثابة عدم إدراك منا بأن لدى الرب دعوة مميَّزة لكل واحدٍ. تذهلني دائمًا نصيحة الرسول بولس إلى مؤمني كورنثوس، عندما قال لهم ما معناه: البثوا في مكانكم، وافعلوا ما كنتم تفعلونه عندما دعاكم الرب (1 كورنثوس 7: 17-24). فإننا إلى حدٍّ كبير نتاج العصر الذي نعيش فيه، لدرجة أننا نشعر في بعض الأحيان كما لو أن أمامنا عالمًا لا نهائي من الخيارات. فإننا نسأل أنفسنا: "من سنكون؟" ويسهل كثيرًا أن نضيف "لوثر" أو "كالفن" إلى قائمة الخيارات. وقد تفاقم هذا الشعور السائد في العصر الحديث بوجود خيارات لا نهائية بسبب انتشار استخدام الإنترنت، وبسبب إمكانية تصميم كل شخص للأفاتار الخاص به عبر الإنترنت. لكن، علينا جميعًا أن نكون ما دعانا الرب إليه، أي أن نصير أنفسنا، لكن بعد إعادة تشكيلنا وتغييرنا إلى صورة المسيح، وليس إلى صورة شخص آخر. وعلينا أن نكون أنفسنا داخل الإطار الثقافي الذي وُضِعنا فيه. وحتى تلك الوصية الكتابية بالتمثُّل بالمسيح ليس معناها أن تكون دعوة المسيح الخاصة هي دعوتنا نحن؛ وأن نظن ذلك هو من قبيل التجديف الرهيب. ينبغي أن أسعى إلى تتميم دعوتي في وسط المجتمع الذي وضعني الرب فيه، وأن أحرص على أن يتطوَّر هذا المجتمع على نحو يكرم المسيح وفقًا لخصائص هذا المجتمع المميَّزة، وليس ببساطة عن طريق إرجاع الزمن إلى مجتمع مسيحي سابق.
ومع ذلك، يمكن لتاريخ الكنيسة، بل وينبغي، أن يسهم في إمدادنا بنماذج فردية ومجتمعية. وينبغي أن نتعلَّم من هذه النماذج لكن بدرجةٍ من الاختلاف. فعلينا أن نتمثَّل بكالفن مثلما تمثَّل هو بالمسيح، على أن نعي الاختلافات بيننا وبين كالفن، وبين خلفية كالفن الثقافية وخلفيتنا نحن. على سبيل المثال، المشكلة الرئيسية الكامنة في نقل عصر الإصلاح ببساطة إلى القرن العشرين هي أن الظروف السياسية لذلك العصر كانت مختلفة تمامًا عن ظروفنا السياسية. فقد عاش مصلحو القرن السادس في الحقبة التي فيها صارت المسيحية هي الديانة الرسمية للدولة، وبالتالي، استطاعوا تنفيذ التحوُّل الجوهري إلى البروتستانتية باستخدام سلطة الحكومة المدنية. فعلى سبيل المثال، استيقظ الإنجليز ذات يوم من أيام عام 1552 ليجدوا أن دولتهم أصبحت بروتستانتية، أو مصلَحة، بشكل رسمي. وقد تحقَّق ذلك عن طريق إصدار برلمان الملك إدوارد السادس بعض القوانين. وحدث الأمر نفسه أيضًا في مدن الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة، حيث صدر قرار التحوُّل إلى البروتستانتية على المستوى السياسي بواسطة مجالس المدن، وفي كثير من الأحيان، كان ذلك قبل وقوع الإصلاح الفعلي على أرض الواقع بفترة زمنية كبيرة.
لكنَّ هذا أمرٌ مستبعَد تمامًا في مجتمعنا الحالي. فإذا حدث وشهدنا إصلاحًا بالفعل، سيتحقَّق ذلك بواسطة الكرازة بالإنجيل على أرض الواقع. ومن منظورنا البشري، نحن بعيدون مسافة قرون عن أن يكون لدينا برلمان أو مجلس شيوخ مسيحي بحقٍّ. ثمة جوانب من برامج المصلِحين يمكن تطبيقها اليوم (الكرازة بالكلمة كما فعلوا، وتدريب القساوسة كما فعلت كنيسة إنجلترا)، لكن بعض التفاصيل الأخرى غير قابلة للتطبيق. وحتى الكرازة بالكلمة كانت تُجرَى آنذاك برعاية الحكومة البروتستانتية، من خلال كتب تتضمَّن عظات معَدَّة ليكرز منها رجال الدين. ولذا، فإن الكثير مما نتعلَّمه من تاريخ الكنيسة عن الانخراط في المجتمع يَلزَم أن يكون على المستوى العام المتمثِّل في كيفية السلوك بالأمانة المسيحية، وليس على مستوى التفاصيل الخاصة المتعلقة بالاستراتيجيات والبرامج. وفي حقيقة الأمر، إن المجتمع الذي نعيش فيه أشبه بمجتمع الكنيسة الأولى، حيث كان المسيحيون يعيشون في مجتمع وثني، وليس بعصر الإصلاح عندما كانت أوروبا "ممسحنة" من نواحٍ كثيرة.
وإن التعلُّم من التاريخ مع الوعي بالاختلافات الموجودة بيننا وبين العصور القديمة هو أصعب من مجرد نسخ الأمثلة والمنهجيات عبر القرون إلى يومنا هذا. وبالتالي، يتطلَّب ذلك معرفة جيدة بكلِّ من زمان القدماء وزماننا. وأولئك الذين لا يتمتعون بالمهارة التاريخية اللازمة لفعل ذلك لا يزال بإمكانهم أن يسمحوا للذين سبقوهم بأن يكونوا نماذج ملهِمة لهم في الأمانة. فالمؤمن الذي لا يتمتع سوى بمعرفة ضئيلة بالتاريخ يستطيع أن يستمد تشجيعًا وتحفيزًا عامًا ورائعًا من قراءته لتاريخ الكنيسة.
عندما نقرأ تاريخ عائلاتنا، يتضح لنا أمرٌ ما، وهو أن أسلافنا من المسيحيين أنفسهم انخرطوا في مجتمعهم على كافة المستويات. كانت حركة الإصلاح حركة كتابية لها نتائج وآثار سياسية، وقانونية، واقتصادية، وتعليمية، وفنية. وكانت تلك النتائج تتحقق في المعتاد دون أن يفرك المسيحيون أيديهم في قلقٍ، ودون أن يتجادلوا حول مدى انخراطهم في المجتمع (وهذا اختلاف آخر عن عصرنا)، لكنها كانت تحدث ببساطة لأن المسيحيين أطاعوا الإرسالية العظمى: فقد كرزوا بالإنجيل، ثم سعوا إلى السلوك في طاعة. وعندما فعلوا ذلك، خدموا مجتمعاتهم سواء كموظفين حكوميين، أو محامين، أو معلِّمين، أو فنانين، أو مزارعين، مجتهدين في العمل كما لو كانوا يخدمون المسيح (كولوسي 3: 23)، ومن ثَمَّ، من خلال طاعتهم الأمينة، ودون أن يتخلُّوا عن الكرازة بالإنجيل، نجحوا لا محالة في تكوين مجتمعات مسيحية. ولو لم يفعلوا ذلك، ما كنا على الأرجح لنسمع عنهم شيئًا، وذلك لأن التأثير واسع النطاق لإيمان غير منخرط ومنعزل سيكون ضئيلًا. صحيح أن عصرنا الحالي هو وقتٌ لتأصيل جذورنا عميقًا في الأرض، لكن ينبغي ألا نخلط بين هذا وبين الانغلاق على أنفسنا والانفصال عن العالم المحيط بنا. وبينما نسعى إلى السلوك بأمانة في المجتمع، سيمدُّنا تاريخ الكنيسة بكلِّ تأكيد بدروس محدَّدة عادة ما يكون تطبيقها وتنفيذها أصعب، وبقصص مشجعة عن السلوك بأمانة، وكذلك بتحذيرات مفيدة من فعل النقيض.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.