حياة الملكوت
٤ سبتمبر ۲۰۲۰حماة العهد
۱٤ سبتمبر ۲۰۲۰حياة بلا خطية
"وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي 2: 8). لطالما تمنَّيت أن أرى في السماء التاريخ الكلي لحياة المسيح على الأرض، منذ ولادته وحتى صعوده —ناظرًا إلى كل عمل من أعمال الطاعة التي قام بها. السبب وراء هذا بسيط. لقد عاش يسوع حياة نيابيَّة. عاش يسوع حياة بلا خطيَّة، وبالتالي فقد كانت حياة نيابيَّة بلا خطيَّة. إن طاعة ربنا تحل محل خطيَّة شعبه. حفظه للناموس يُحسَب على أنه حفظ الناموس لمَن يؤمنون به.
إن حياة المسيح التي بلا خطية تقع في مقابل خلفيَّة شهادة الكتاب المُقدَّس عن خطيَّة الإنسان. أعلن أيوب أن الإنسان "مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ"، وهو "الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ" (أيوب 15: 16). اعترف سليمان قائلًا: "لَيْسَ إِنْسَانٌ لاَ يُخْطِئُ" (1 ملوك 8: 46). كذلك حذَّر يوحنا الرسول: "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا" كما "نَجْعَلْهُ كَاذِبًا" (1 يوحنا 1: 8، 10). لخَّص الرسول بولس الموضوع كله عندما بقوله: "لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 10). ولكن عندما اتَّخذ ابن الله لنفسه طبيعة بشريَّة، دخل إنسان بلا خطيَّة إلى حيز الزمان والمكان.
في حياةٍ امتدت لثلاث عقود، لم يُفكِّر ربنا أبدًا بفكرةٍ، أو يتفوَّه أبدًا بكلمةٍ، أو يقم بأي عمل تُدنِّسه دوافع نجسة. كان يُمجِّد أباه السماوي دائمًا، وكان يُكرم أباه وأمه الأرضيِّين دائمًا، ولم يشتهي أبدًا، ولم ينطق أبدًا بكلمة في غضب خاطئ، ولم يتكلَّم قط بنميمة عن قريبه أو شوَّه سمعته. لم يسرق أبدًا، ولم يكذب أبدًا، ولم يشته أبدًا. باختصار، لقد خضع لكل وصيَّة من ناموس الله دون تردُّد. لقد أحب الرب من كل قلبه، ومن كل نفسه، ومن كل عقله وقوته، وأحب قريبه كنفسه. يشهد الكتاب المُقدَّس بأوجهٍ مُتعدِّدة عن هذه الحقيقة، وهي من أكثر الحقائق نفعًا التي يجب أن نتأمَّل فيها.
يعلن الكتاب المقدس صراحةً أن يسوع كان بلا خطيَّة. يخبرنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين أنه: "قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ" (العبرانيين 7: 26). ويؤكِّد الرسول بولس بقوةٍ أنه: "لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً" (1 كورنثوس 5: 21). عند إعلان ميلاده، دعاه ملاك: "الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ". وقالت زوجة بيلاطس لزوجها: "إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ". وبيلاطس نفسه قال: "إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَانِ". اعترف اللص وهو يموت على الصليب ببراءة يسوع عندما قال: "هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ". قال قائد المئة عند الصليب: "بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!" (لوقا 23: 47). حتى الشياطين أدركوا أن يسوع هو: "قُدُّوسُ اللهِ!" (4: 34).
وإن لم تكن الشهادة الخارجيَّة كافية، فقد شهد المسيح أنه بلا خطيَّة عندما قال: "مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ" (يوحنا 7: 18). أضف إلى هذا حقيقة أنه قبل ألف عام تقريبًا من ذلك الوقت قال (من خلال كاتب المزمور): "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي". لقد كانت حياة يسوع هي حياة الامتثال الكامل لإرادة الله.
فيما يختص بالوصايا التي أعطاها الله لشعبه داخل العهد، نجد أن المسيح بدأ في إتمامها عندما اختُتن في اليوم الثامن. لقد كان هو الوحيد الذي لم يكن بحاجة إلى ما يدل عليه الختان. في بداية خدمته العلنيَّة، خضع لمعموديَّة "التوبة"، رغم أنه لم يكن بحاجة إلى التوبة. عندما حاول يوحنا أن يمنعه من المعموديَّة، قال: "اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ" (متى 3: 15). كان يسوع مُطيعًا كمُمثِّلٍ ونائبٍ عن شعبه.
ومع ذلك، يمكن أحيانًا اختزال طاعة المسيح عن طريق الخطأ إلى طاعته للناموس الأدبي فحسب. في حين أنه أطاع كل هذه الوصايا المُلزمة لجميع البشر في كل الأوقات، إلا أنه أتمَّ أيضًا الشرائع الطقسيَّة المُعطاة لليهود. ومع ذلك، هناك بعد آخر لطاعة المسيح. لاحظ جوناثان إدواردز أن يسوع أطاع وصايا الوساطة التي أعطاها له الآب على وجه التحديد —وهي وصايا كانت أصعب من أي وصايا أُعطيت لنا. إلى جانب تلك الشرائع الأدبيَّة والطقسيَّة، فقد أُمر يسوع بأن يضع نفسه ليأخذها أيضًا، وقال: "هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي" (يوحنا 10: 18).
يعتمد فدائنا على حياة المسيح التي بلا خطيَّة وموته البدلي. عندما نرى فساد أذهاننا، وقلوبنا، وإرادتنا، يجب أن ننظر إلى ذاك الذي لم يعرف خطيَّة ولكنه جُعل خطيَّة لأجلنا. عندما نتوق إلى معرفة المسيح بشكلٍ أعمق وأكثر حميميَّة، فمن الجيد لنا أن نتأمَّل في تعاليم الكتاب المقدس المُختصَّة بكماله النيابي. هل ترزح تحت وطأة خطيتك في محضر الله؟ يجب أن نتذكَّر ذاك الذي كان مُطيعًا حتى الموت، موت الصليب.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.