أيٌ من الناموس مُلزِم؟ - خدمات ليجونير
أن تكون مُطوَّبًا ومُبَارَكًا
۲۲ يناير ۲۰۲۱
ما يُعلِّمه سفر القضاة للكنيسة
۳ فبراير ۲۰۲۱
أن تكون مُطوَّبًا ومُبَارَكًا
۲۲ يناير ۲۰۲۱
ما يُعلِّمه سفر القضاة للكنيسة
۳ فبراير ۲۰۲۱

أيٌ من الناموس مُلزِم؟

حتى يومنا هذا، تثير مسألة دور ناموس الله في الحياة المسيحيَّة الكثير من الجدل والنقاش. هذه إحدى النقاط التي يمكننا أن نتعلَّم فيها الكثير ممن سبقونا، وطرح جون كالفن الكلاسيكي حول الناموس في كتابه "أسس الدين المسيحي" مفيد بشكل خاص. يلخِّص لنا كالفن توجيهاته بما يسمِّيه الاستخدام الثلاثي للناموس فيما يتعلَّق بعلاقته بالعهد الجديد.

إن الاستخدام الأول للناموس هو أنه يعلن عن طبيعة الله، وهذا أمر مهم لأي مؤمن في كل زمان. ولكن عندما يعلن الناموس عن طبيعة الله، فإنه يوفر مرآة تعكس لنا عدم قداستنا في مقابل المعيار النهائي للبر. في هذا الصدد، يعمل الناموس كموجِّه يقودنا إلى المسيح. وأحد الأسباب التي جعلت المصلحين ولاهوتي وستمنستر يعتقدون أن الناموس يظل له قيمة بالنسبة للمؤمن هو أن الناموس يقودنا باستمرار إلى الإنجيل. كان هذا أيضًا أحد استخدامات الناموس التي أكَّد عليها مارتن لوثر بشدةٍ.

ثانيًا، يكبح الناموس الخطية. فمن ناحية، فهم المصلِحون ما يقوله بولس في رومية 7 بأن الناموس بشكل ما يدفع الناس إلى ارتكاب الخطية — فكلما رأى الناس غير المتجدِّدون الناموس أكثر، زاد ميلهم إلى كسره. ومع ذلك، على الرغم من هذا الاتجاه للناموس، لا تزال هناك فائدة عامة للعالم تتمثَّل في فرض الناموس وضع قيود علينا. فتحذيراته وتهديداته تمنع الناس من أن يكونوا سيِّئين قدر الإمكان، وبالتالي يتم الحفاظ على النظام المدني.

ثالثًا، والأهم من منظور كالفن، هو أن الناموس يعلن لنا ما يُسر الله ويرضيه. من الناحية الفنيَّة، لا يخضع المؤمنون للعهد العتيق ومتطلِّباته. ومع ذلك، في الوقت نفسه، نحن مدعوون إلى الاقتداء بالمسيح والعيش كأشخاص يسعون إلى إرضاء الله الحي (أفسس 5: 10؛ كولوسي 1: 19-20). لذلك، على الرغم من أنني من ناحية ما لست مُلزَمًا بموجب العهد بالناموس أو أنني تحت لعنة الناموس، وأعلنها مباشرةً وبوضوح، إلا إنني ألتفت إلى الله وأقول: "يا رب، أريد أن أعيش الحياة التي تُسرك وترضيك، ومثل كاتب المزامير في العهد القديم أستطيع أن أقول: «كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ!»" يمكنني أن أتأمل وألهج في الناموس نهارًا وليلًا لأنه يعلن لي ما يُسر ويرضي الله.

واسمحوا لي أن أقدِّم لكم مثالًا شخصيًّا. منذ عدة سنوات، كنت أتحدَّث في مدينة راي بولاية نيويورك في مؤتمر حول قداسة الله. بعد إحدى الجلسات، دعاني رعاة المؤتمر إلى منزل أحدهم بعد ذلك للصلاة وتناول المرطِّبات. عندما وصلت إلى المنزل، كان هناك حوالي 25 شخصًا في الصالون يصلِّون لأقاربهم الموتى. القول بأنني صُدمت سيكون أقل مما هو حقيقي. فقلت: "انتظر لحظة. ما هذا؟ لا يجوز لنا القيام بذلك. ألا تعلم أن الله حرَّم ذلك، وأنه مكرهة في عينيه، فذلك ينجِّس الأرض كلها ويجلب دينونته؟" فماذا كان ردهم الفوري؟ "هذا كان في العهد القديم". فقلت: "نعم، ولكن ما الذي تغيَّر لجعل ممارسة اعتبرها الله جريمة كبرى خلال أحد أزمنة تاريخ الفداء الآن شيء يسعد به؟" ولم يكن لديهم الكثير ليقولوه لأنه من الواضح من العهد الجديد أن الله ضد عبادة الأوثان الآن كما كان في السابق.

بالطبع عندما نقرأ الكتاب المُقدَّس، نرى أن هناك بعض أجزاء من الناموس لم تعد تنطبق على مؤمني العهد الجديد، على الأقل ليس بالطريقة نفسها التي كانت تنطبق بها على مؤمني العهد القديم. نحن نميِّز بين الشرائع الأخلاقيَّة، والشرائع المدنيَّة، والشرائع الطقسيَّة مثل شرائع النظام الغذائي والختان الجسدي. هذا مفيد لأن ممارستنا كمؤمنين لبعض شرائع العهد القديم سيكون بشكل ما في الواقع تجديفًا. يؤكِّد بولس في رسالة غلاطية، على سبيل المثال، أننا إذا طلبنا تطبيق الختان، نكون بذلك أخطأنا. ومع أن التمييز بين الشرائع الأخلاقيَّة والمدنيَّة والطقسيَّة مفيد، لكن بالنسبة لليهود في العهد القديم، كان التمييز بينهم أمر غير طبيعي إلى حد ما. وذلك لأن تطبيق الشرائع الطقسيَّة كان مسألة ذات عواقب أخلاقيَّة قصوى. لقد كانت مسألة أخلاقيَّة بالنسبة لدانيال وأصدقاؤه ألا يأكلوا كما كان يأكل البابليُّون (دانيال 1). لكن التمييز بين الشرائع الأخلاقيَّة والمدنيَّة والطقسيَّة يعني أن هناك مجموعة أساسيَّة من الشرائع الصالحة التي يعطيها الله لشعبه في العهد والتي لها قيمة وأهميَّة ثابتة قبل مجيء المسيح وبعده.

خلال فترة الفلسفة المدرسيَّة المُصلَحة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، قال اللاهوتيُّون المُصلِحون إن الله يشرِّع لإسرائيل ولكنيسة العهد الجديد على أساسين منفصلين: على أساس الناموس الطبيعي الإلهي وعلى أساس الغرض الإلهي. في هذه الحالة، لم يقصد اللاهوتيُّون بالناموس الطبيعي (lex naturalis)، الناموس المُعلَن في الطبيعة وفي الضمير. بل كانوا يقصدون بالناموس الطبيعي تلك الشرائع المتجذِّرة والمتأصِّلة في طبيعة الله. إن قيام الله بإلغاء هذه الشرائع سيعني الإساءة إلى شخصه. على سبيل المثال، إذا قال الله في العهد العتيق: "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي". لكنه الآن يقول: "لا بأس أن يكون لك آلهة أخرى وأن تشترك في عبادة الأوثان"، فإن فالله بذلك سيوجِّه ضربةً قاضية لطبيعته المُقدَّسة. الشرائع التي تُسَن على أساس هذا الناموس الطبيعي تكون نافذة في جميع الأوقات.

من ناحية أخرى، هناك تشريعات تم وضعها على أساس الغرض الإلهي في الفداء، مثل شرائع النظام الغذائي، والتي عندما يتحقَّق الغرض منها، يمكن لله أن يبطلها دون الإضرار بطبيعته. أعتقد أن ذلك تمييز مفيد. إنه لا يجيب على كل سؤال، لكنَّه يساعدنا على تمييز الشرائع التي تستمر حتى نتمكَّن من معرفة ما يُسر ويرضي الله.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.