معرفة إرادة الله
۲۲ أكتوبر ۲۰۲۱الشجاعة أن نكون مُصلَحين
۲۲ أكتوبر ۲۰۲۱النجاح المهني
نسعى جميعًا لتحقيق النجاح سواء في مجالات الأبوَّة والأمومة أو العلاقات أو الوظائف. ويكمن النجاح المهني في قلب الحلم الأمريكي، والذي يُعَلِّم أنَّه إذا عمل المرء باجتهاد بما فيه الكفاية ولفترة كافية، فمن المُرجَّح أن ينجح. لكن كيف نقيس النجاح من وجهة نظر مسيحيَّة مُميَّزة؟ هل هو مقدار المال الذي نجنيه؟ كم عدد الأشياء التي نمتلكها؟ هل هو في عدد الأشخاص الذين يعتقدون أننا ناجحون؟
في متى 25: 14-30 يخبرنا الرب يسوع بمَثَلٍ عن ثلاثة عبيد، أوَّل اثنين منهم كانوا أمناء، لكن آخرهما تم الإعلان أنَّه غير أمين. كان الأوَّلين أمناء لأنَّه عندما غادر سيِّدهم في رحلة طويلة، أخذ هاذان العبدان ما أوكله إليهما السيَّد واستثمراه بعناية. وعند عودة السيِّد، كان قد حقَّق الاستثمار ربحًا كبيرًا. فكان السيِّد مسرورًا، وعهد إليهما بالمزيد. لكن العبد الثالث لم يحب سيِّده ولم يكرمه. في سبيل خوفه على نفسه وعدم اهتمامه، أخفى أموال سيِّده ودفنها في الأرض، وعند عودة السيِّد، أعاد الأموال غير المُستثمرة إلى سيِّده. يكشف الحديث الذي ألقاه الخادم على سيِّده أن العبد لم يُحب سيِّده حقًا ولم يكرمه، وبالتالي أهدر العبد وقته وثقة سيِّده. فشرع السيِّد في توبيخ وطرد العبد غير الأمين.
يطرح هذا المَثَل سؤالًا مثير للانتباه: إلى أي مدى نحب سيِّدنا السماوي ونكرمه؟ وفقًا للمَثَل، نجد الإجابة في الطريقة التي نخدم بها سيِّدنا بالمواهب والكنوز التي أوكلها إلينا. يكمن نجاح العبدين الأوَّلين ليس في حقيقة أن عملهما أسفر عن نتيجة مُربحة ولكن في حقيقة أنَّهما كانا ببساطة أمناء فيما أعطاهما لهما السيِّد. لا يمدحهما الرب يسوع لأنَّ لديهما القدرة على النجاح في عالم المال ومجال الاستثمار ولكن لمُجرَّد كونهما أمناء. فبركاته لهما هي ما يجب أن نرغب جميعًا في سماعها في يوم مجيئه ثانية: "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ". ماذا يُمكن أن يكون أطيب من سماع الرب يسوع وهو يقول لنا ذلك؟
يجب أن يُنظر إلى النجاح المهني في ضوء ذلك. لقد خلقنا الله للعمل والراحة. فالعمل شيء طبيعي. وهو عطيَّة من الله، ويكمن في صميم معنى أن نكون مخلوقين على صورة الله. لقد عمل الله بنفسه ثم استراح. والإنسان، كابن أمين مخلوق على صورة الله، يجب أن يعمل ويستريح – الكل لمجد الله (1 كورنثوس 10: 31). السبب الذي يجعل النجاح أحيانًا هدفًا وهميًّا هو أن سقوط البشريَّة في الخطيَّة لم يؤثِّر على أرواحنا فحسب، بل أثَّر أيضًا على أجسادنا وعقولنا. لم نعد نحب الأشياء التي خُلقنَا لنحبها بنفس البراءة والنقاء اللذين اختبرهما آدم قبل السقوط. مثلما تأثَّرت علاقتنا مع الله بالخطيَّة، كذلك تأثَّرت علاقتنا بالخليقة كلها. تسبَّب السقوط في علاقة مُضطربة حيث ينمو الشوك والحسك الآن بين الأزهار الموجودة في خليقة الله. غالبًا ما يختلط العرق الذي يسيل على جباهنا بالقلق، حيث يُضاف لعملنا العديد من الإحباطات وخيبات الأمل. أحيانًا يبدو الاستياء من أعمالنا عظيمًا لدرجة أنَّه من الصعب ألَّا نرفع أيدينا مع كاتب سفر الجامعة ونعلن أن: "الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ" (جامعة 2: 17).
وهنا نحتاج أن نُذَكِّر أنفسنا بعدم النظر إلى الأشياء –حتى النجاح– كما ينظر إليها العالم. في حين أنَّه من الصحيح أن آثار السقوط تتخلَّل كل ما نقوم به، فإنَّ عمل المسيح يفدينا ويغيِّر وجهة نظرنا بشأن كل الأشياء، بما في ذلك أعمالنا. لأنَّ المسيح قد انتصر على الخطيَّة والموت، فقد جعلنا خليقة جديدة حيث توجد هويتنا فيه وكذلك نجاحنا. يخبرنا إقرار إيمان وستمنستر أنَّه بقدر ما تتم أعمالنا الصالحة بالإيمان والطاعة تجاه الله، فإنها ترضيه وتجلب له المجد والإكرام. ولكن ما يجعل أعمالنا الصالحة مقبولة في النهاية لدى الله هو قبولها "فيه" (الفصل 16، البند 6). يُسر الله أن ينظر إلى أعمالنا الصالحة، بما في ذلك العمل الذي نقوم به في وظائفنا، على أنها في المسيح، وبينما يفعل ذلك فإنه يُسر بنا. لا يعني هذا أن عملنا سيكون مثاليًّا في هذه الحياة على الإطلاق، ولكنَّه يعني أنَّه في نظر الله مرضي ومقبول. وهكذا، يمكن أن نجد النجاح الحقيقي عندما ندرك أنَّه فقط من خلال وجودنا في المسيح يصير أي شيء نعمله مرضيًا لله. لذلك، لأنَّنا في المسيح، فعملنا "تحت الشمس" قد افتُدي وهو مُسر في عيني الله.
بناءً على هذا الأساس لكوننا مفديين في المسيح من خلال الإنجيل، ندرك جمال وأهميَّة السعي للعمل بطرق تُرضي الله. لم يفدنا الله ببساطة من أمر ما، بل قد فدانا أيضًا من أجل أمر ما. وفقًا لأفسس 2: 10 فإننا: "مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا". هذا يشمل بالتأكيد وظائفنا. لقد أعاد الله خلقنا على صورة المسيح ومنحنا القدرة على العمل بطريقة ترضيه.
يُذكَر العدَّاء الإسكتلندي المشيخي الشهير إريك ليدل (Eric Liddell) الذي كان يحفظ يوم السبت بقوله: "لقد جعلني الله سريعًا. وعندما أركض أشعر بمسرَّته". في حين أن معظمنا لن يشارك في الألعاب الأولمبيَّة على الإطلاق، فإن ما قاله ليدل يُمكن أن يُقال من قبل كل شعب الله. لقد خلقنا الله في المسيح يسوع لأعمال صالحة –بما في ذلك وظائفنا– وعندما نقوم بهذه الأعمال بأفضل ما لدينا من قدرات، يجب أن نشعر بمسرَّة الله. لتوسيع نطاق التشبيه؛ فإنَّ الأهم ليس فوزنا في السباق (نحصل على الترقية، أو نجني أكبر قدر من المال، أو نحصل على أكبر منصب)، ولكنَّنا نسعى جاهدين بأفضل ما لدينا من قدرات منحها لنا الله لنسرَّه في كل شيء نعمله. يجب أن يكون أكثر ما يسرَّنا هو نفسه أكثر ما يسر الله. فالنجاح الحقيقي لا يُمكن قياسه بسهولة. إنَّه ليس نجاحًا كما يقيس العالم النجاح. بالأحرى، نحن نسعى جاهدين للقيام حتى بالأشياء الصغيرة التي نقوم بها عندما لا يُراقب أحد بطريقة تكرم الله وتوضِّح أن لدينا علاقة صحيحة مع الخليقة، والأهم من ذلك، مع إله الخليقة.
يُذَكِّرنا الكتاب المُقدَّس مرارًا وتكرارًا أنَّ الله وحده يمكنه أن يجعل عملنا يزدهر. إنَّ النجاح لا يأتي فقط بقوَّة أيدينا أو بقدرة إرادتنا. وسواء كانت وظائفنا داخل الكنيسة أو خارجها، فإنَّ الله وحده هو الذي ينمي. في أعمال عنايته الحكيمة تمامًا، توجد أوقات نعمل فيها بجد من أجل إكرامه، ومع ذلك لا نرى ثمار أعمالنا كما نرغب. وهناك أوقات أخرى لا نعمل فيها جيِّدًا أو بأمانة كما ينبغي، ومع ذلك يجعل الله عملنا يزدهر على الرغم من تقصيرنا. من أجل ذلك لا نستطيع قياس النجاح ببساطة عن طريق قياس النتائج المرئيَّة. بل علينا أن نجتهد لنرى الأشياء بالطريقة التي يراها الله ونقيس الأشياء بالطريقة التي يقيسها الله بها، ليس بالحكمة الأرضيَّة ولكن بحكمة الروح القدس.
في هذا الصدد، فإن كل عملنا، بغض النظر عن ماهيَّته، هو جانب من جوانب عمل الملكوت. كل عملنا قادر على جلب الإكرام والمجد لله وأن يكون جانبًا من شهادتنا المسيحيَّة أمام عالم يُراقب. لهذا السبب، يجب على المؤمنين أن يعملوا بجد وأن يرتاحوا جيِّدًا. فكلاهما مهم. على الرغم من أن الله خلقنا لنعمل، إلَّا أنه لم يخلقنا للعمل فقط. كان على آدم أن يكون لديه أسبوع عمل ثابت واضح يتكوَّن من ستة أيام من العمل ويوم راحة واحد. يبدو أنَّنا في ثقافتنا قد انجرفنا إلى أقصى الحدود: إمَّا أنَّنا نتراجع إلى ممارسات الكسل ونكون غير مجتهدين في عملنا، أو نصبح مدمني العمل بلا توقُّف وراحة بالطريقة التي قصدها الله. لا يعتبر أي من هذين النهجين كتابيًّا أو صحيًّا. فالامتناع عن العمل بجد وإخلاص هو إنكار فعلي لكل من جمال الخليقة وكذلك الجمال الأعظم للفداء في المسيح. ففي حكمته الكاملة، ثبَّتَ الله أسبوع عملنا براحة السبت. وكل شيء فينا يحتاج إلى راحة، أجسادنا وكذلك أرواحنا أيضًا.
كجزءٍ من جهودنا لتمجيد الله والتمتُّع به في كل ما نقوم به، نحتاج إلى الراحة من أعمالنا في هذا العالم بشكل منتظم والتركيز على راحة السماء المُباركة نفسها. فالراحة والعبادة في يوم الرب تعطينا طعمًا رائعًا ومُتجدِّدًا للسماء. إن العمل دون راحة هو التصرُّف كما لو كنَّا عبيدًا مُدانين بدون رجاء في الفداء من لعنة الخطيَّة التي أثقلت كاهل أعمالنا، ومع ذلك فإن الامتناع عن العمل بأمانة هو إنكار عملي أنَّنا خُلقنا وأعيد خلقنا على صورة الله. إن وظائفنا إذن ليست مُجرَّد وسيلة لإعالة أنفسنا وعائلاتنا، بل إنها فرص لاستخدام "مواهبنا" بأمانة وجديَّة بقدر ما الإمكان – وكل ذلك لمجد الله.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.