النجاح المهني
۲۲ أكتوبر ۲۰۲۱كن صبورًا معنا ونحن نتعلَّم
۲۹ أكتوبر ۲۰۲۱الشجاعة أن نكون مُصلَحين
عندما نفهم ونستوعب اللاهوت المُصلَح، لا يتغيَّر فهمنا للخلاص فحسب، بل فهمنا لكل شيء. ولهذا السبب، عندما يتصارع الناس مع العقائد المُصلَحة الأساسيَّة ويتوصَّلون لفهمها، غالبًا ما يشعرون وكأنَّهم قد تغيَّروا وأصبحوا مؤمنين للمرَّة الثانية. في الواقع، كما اعترف الكثيرون لي، الحقيقة هي أن البعض قد تغيَّر وأصبح مؤمنًا للمرَّة الأولى. فمن خلال فحصهم للاهوت المُصلَح، تم مواجهتهم بالحقيقة الصارخة لفسادهم الشديد وموتهم بالخطيَّة، واختيار الله غير المشروط لشعبه وإدانته للآخرين، وإتمام المسيح الفعلي لفداء شعبه، ونعمة الروح القدس الفَعَّالة، والسبب في مثابرتهم بواسطة نعمة الله الحافظة لهم، وطريقة الله العهديَّة للعمل في كل التاريخ من أجل مجده. عندما يدرك الناس أنَّهم في الأساس لم يختاروا الله، لكنَّه اختارهم، فإنَّهم بطبيعة الحال يصلون إلى نقطة الاعتراف المتواضع بنعمة الله العجيبة تجاههم. عندها فقط، عندما ندرك كم نحن خطاة أشقياء وبؤساء، يُمكننا حقًا أن نغني ترنيمة "النعمة العجيبة". وهذا هو بالضبط ما يفعله اللاهوت المُصلَح: فهو يغيِّرنا من الداخل إلى الخارج ويقودنا إلى الترنُّم – إنَّه يقودنا إلى عبادة الله الثالوث، كلى السيادة والسلطان، السخي والمُحب في كل الحياة، وليس فقط في أيام الآحاد ولكن كل يوم وفي كل الحياة. إنَّ اللاهوت المُصلَح ليس مُجرَّد شارة نرتديها عندما يصبح كوننا مُصلحين أمرًا شائعًا ورائعًا، بل هو لاهوت نعيشه ونتنفَّسه ونعترف به وندافع عنه حتى عندما يتعرَّض للهجوم.
المُصلحون البروتستانت في القرن السادس عشر، جنبًا إلى جنب مع السابقين لهم في القرن الخامس عشر واللاحقين بعدهم في القرن السابع عشر، لم يُعلِّموا ويدافعوا عن عقيدتهم لأنَّها كانت رائعة أو شائعة، ولكن لأنَّها كانت كتابيَّة، وقد وضعوا حياتهم على المحك من أجل ذلك. لم يكونوا مُستعدِّين فقط للموت من أجل لاهوت الكتاب المُقدَّس، بل كانوا على استعداد للعيش من أجله، والتألُّم من أجله، واعتبارهم جُهَّال من أجله. تأكَّد من ذلك: لقد كان المُصلحون يتمتَّعون بالجرأة والشجاعة ليس بسبب ثقتهم بأنفسهم واعتمادهم على أنفسهم ولكن بسبب حقيقة أن الإنجيل قد جعلهم يتَّضعون. لقد كانوا شجعان لأنهم تمتَّعوا بسُكنى الروح القدس داخلهم، كما كانوا مُستعدِّين لإعلان نور الحق في عصر مُظلم من الأكاذيب. فالحق الذي وعظوا به لم يكن جديد، بل كان قديمًا. كان تعاليم الشهداء والآباء والرُسل –كان تعاليم الله المنصوص عليها في الكتاب المُقدَّس.
لم يصنع المُصلِحون لاهوتهم؛ بل بالأحرى، لاهوتهم هو ما صنعهم بالشكل الذي أصبحوا عليه. لقد جعلهم لاهوت الكتاب المُقدَّس مُصلِحين. لأنَّهم لم يشرعوا في أن يكونوا مُصلِحين تحديدًا – بل شرعوا في أن يكونوا أمناء لله وأمناء للكتاب المُقدَّس. لم يخترع المُصلِحون (السولاس solas) أو الشعارات الخمسة للإصلاح ولا عقائد النعمة (النقاط الخمس الكالفينيَّة)، ولم تكن بأي حال من الأحوال هي ملخَّصًا لتعاليم الإصلاح. بدلًا من ذلك، أصبحت مُقدِّمات عقائديَّة أساسيَّة ساعدت الكنيسة في العصور اللاحقة على الإقرار والدفاع عمَّا تؤمن به. وحتى اليوم، هناك الكثير ممَّن يعتقدون أنهم يعتنقون اللاهوت المُصلَح، لكن لاهوتهم المُصلَح لا يتجاوز هذه الشعارات الخمسة للإصلاح (السولاس solas) وعقائد النعمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير ممَّن يقولون إنَّهم متمسِّكون باللاهوت المُصلَح لكنَّهم يفعلون ذلك دون أن يعلم أي شخص بأنهم مُصلِحون. لا يعترف هؤلاء "الكالفينيُّون السرِّيُّون" بأي من الإقرارات المُصلَحة التاريخيَّة في القرنين السادس عشر أو السابع عشر ولا يستخدمون أي تعبيرات لاهوتيَّة مُصلَحة واضحة.
ومع ذلك، إذا تمسَّكنا حقًّا باللاهوت المُصلَح وفقًا لإقرارات الإيمان المُصلَحة التاريخيَّة، فلا يسعنا إلَّا أن يتم تصنيفنا على أننا مُصلِحون. في الحقيقة، من المستحيل أن تظل "كالفينيًّا سريًّا"، ومن المستحيل أن تظل مُصلَحًا دون أن يعرف أحد – سيظهر ذلك حتمًا. فلكي تكون مُصلَحًا تاريخيًّا، يجب على المرء التمسُّك بإقرار إيمان مُصلَح، وألَّا يلتزم به فحسب، بل يعترف به ويعلنه ويدافع عنه. فاللاهوت المُصلَح هو في الأساس لاهوت مبني على إقرار إيمان.
إن اللاهوت المُصلَح هو أيضًا لاهوت شامل. إنَّه لا يغيِّر فقط ما نعرفه، بل يغيِّر الكيفيَّة التي نعرف بها الأمور. إنَّه لا يغيِّر فقط فهمنا لله، بل يغيِّر فهمنا لأنفسنا. في الواقع، إنَّه لا يغيِّر فقط نظرتنا إلى الخلاص، بل يغيِّر طريقة عبادتنا، وكيف نكرز، وكيف نربِّي أطفالنا، وكيف نتعامل مع الكنيسة، وكيف نصلِّي، وكيف ندرس الكتاب المُقدَّس – إنَّه يغيِّر كيف نحيا، ونتحرَّك، ونُوجَد. إن اللاهوت المُصلَح ليس لاهوتًا يُمكننا إخفاؤه، وهو ليس لاهوتًا يُمكننا فقط التشدُّق به. لأنَّ ذلك كان عادة الهراطقة واللاهوتيِّين التقدُّميِّين عبر التاريخ. فهم يزعمون أنهم يلتزمون بإقرارات إيمانهم المُصلَحة، لكنَّهم لم يعترفوا بها في الواقع. إنهم يزعمون أنهم مُصلَحون فقط عندما يكونون في موقف دفاعي – عندما يتم التشكيك في لاهوتهم التقدُّمي (وإن كان شعبيًّا)، وإذا كانوا قساوسة، يفعلون ذلك فقط عندما تكون وظائفهم على المحك. في حين أن اللاهوتيِّين الليبراليِّين قد يكونون في الكنائس والطوائف التي تُعرَف على أنَّها "مُصلَحة"، ولكنَّهم يخجلون من مثل هذه الهُويَّة وأصبحوا يعتقدون أن كونهم معروفين بأنَّهم "مُصلَحون" هو حجر عثرة للبعض وإساءة للآخرين. علاوةً على ذلك، وفقًا للعلامات التاريخيَّة العاديَّة للكنيسة –أي الكرازة النقيَّة بكلمة الله، والصلاة وفقًا لكلمة الله، والاستخدام الصحيح للأسرار المُقدَّسة أي المعموديَّة والعشاء الرباني، والممارسة المستمرَّة للتأديب الكنسي– فإن غالبًا لا تكون هذه الكنائس "المُصلَحة" حتى كنائس حقيقيَّة. واليوم، هناك العديد من الناس العاديِّين والقساوسة الذين ينتمون تقليديًّا إلى الكنائس والطوائف المُصلَحة والبروتستانتيَّة الذين تركوا، إلى جانب كنائسهم وطوائفهم، مراسيهم المُصلَحة ورفضوا إقرارات إيمانهم منذ سنوات مضت.
على عكس هذا التوجُّه، فإن أكثر ما نحتاج إليه هو رجال على المنبر لديهم الشجاعة أن يكونوا مُصلَحين – رجال لا يخجلوا من الإيمان المُسلَّم مرَّةً للقديسين ولكنَّهم مُستعدِّون أن يناضلوا من أجله، ليس بالتشدُّق بالكلام ولكن بكل حياتهم وبكل قوَّتهم. نحن بحاجة إلى رجال على المنبر يتحلُّون بالجرأة والثبات في إعلانهم للحق، والذين هم في نفس الوقت لديهم رحمة ورأفة. نحن بحاجة إلى رجال يكرزون بالحق الواضح للاهوت المُصلَح دون تجميل أو إضافات، في وقت مناسب وغير مناسب، ليس بإصبع الاتهام في وجه الناس، ولكن بذراع المساندة حول كتف الآخرين. نحن بحاجة إلى رجال يحبُّون إقرارات الإيمان المُصلَحة، تحديدًا لأنهم يحبُّون الرب إلهنا وكلمته الثابتة والمُوحى بها والموثوق فيها. فقط عندما يكون لدينا رجال على المنبر لديهم الشجاعة ليكونوا مُصلَحين، سيكون لدينا أشخاص من الشعب الجالس أمامهم يفهمون اللاهوت المُصلَح وتطبيقاته في كل الحياة، لكي نحب الرب أكثر من كل قلوبنا، ومن كل نفوسنا، ومن كل قدراتنا، ومن كل قوَّتنا ونحب قريبنا كنفسنا. هذا هو اللاهوت الذي أصلح الكنيسة في القرن السادس عشر، وهذا هو اللاهوت الوحيد الذي سيجلب الإصلاح والنهضة في القرن الحادي والعشرين. لأنَّه في عصرنا المُتَّسم بالليبراليَّة اللاهوتيَّة التقدُّميَّة المُتطرِّفة، فإن أكثر شيء جوهري يُمكننا أن نكونه هو التمسُّك بالإيمان القويم وفقًا لإقرارات الإيمان المُصلَحة، ولكن ليس بغطرسة، بل بشجاعة ورأفة بالكنيسة وبالبعيدين، كل ذلك من أجل مجد الله، ومجده وحده.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.