إنجيل الأناجيل
۲٤ نوفمبر ۲۰۲۲دينونة ورحمة
۱ ديسمبر ۲۰۲۲الاستسلام التام
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 7 من سلسلة "الأناجيل"، بمجلة تيبولتوك.
جاري توماس (Gary Thomas)، في كتابه بعنوان Seeking the Face of God ("طلب وجه الله")، أدلى بالتصريح التالي: "إن الصحة الجيدة للحياة المسيحية لا تتحدَّد بمدى سعادتنا، أو رخائنا، أو صحتنا، أو حتى كثرة عدد الأشخاص الذين اقتدناهم إلى الرب في السنة الماضية، لكنها تتحدَّد في الأساس بمدى صدقنا وإخلاصنا ونحن نرفع راية الاستسلام". وما يقصده بذلك هو أن إحدى الوسائل الرئيسية لقياس حالتنا الصحية الروحية هي أن نقيس مدى استسلامنا لله. أعتقد أن الكثير من صراعاتنا من أجل عيش حياة مسيحية مثمرة وصحية نابعة من عدم استعدادنا للاستسلام بالكامل لله. فإن كنائسنا مليئة بأناسٍ لا يحرزون تقدُّمًا في استسلامهم للمسيح؛ وبالتالي، فإن الكثير من كنائسنا ليست في صحة روحية جيدة. والكنائس التي تعاني من مشكلات صحية تركز على الذات، وتكترث بحجم المباني والميزانيات أكثر من اكتراثها بمجد المسيح الذي يظهر في خلاص وتقديس مختاريه من كلِّ الفئات والجماعات.
أنا أمريكي، وفي واقع الأمر، أنا أمريكي من أصل أفريقي. وإني أعاني من صعوبة في التكيُّف مع مفهوم الاستسلام. فالأمريكيون لا يستسلمون، لأن الاستسلام معناه ضعف، وانهزام، أليس كذلك؟ وبالتالي، فإن الاستسلام لله يشكِّل تحديًا حتى أمام أولئك الذين عرفوا ربَّ المجد، يسوع المسيح.
أولًا، دعونا نفحص نوع الاستسلام الذي أرى أن الرب يدعو إليه، ثم نحاول معرفة السبيل إليه. المقطع الكتابي الذي ساعدني على التأمل في هذا الموضوع هو رومية 12: 1-2. يدعونا الله إلى أن نقدِّم أجسادنا ذبيحة حية. وبمناشدة الرسول إيانا بأن "نقدِّم" أجسادنا لله، يقول بهذا إن كل مؤمن هو كاهن أيضًا. هذا ليس بالأمر الجديد، لأننا نقرأ في خروج 19: 6 عن وصف شعب العهد العتيق بأنهم "مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ". وقد استقى كُتّاب العهد الجديد أيضًا هذا المفهوم، مثلما نقرأ في 1 بطرس 2: 9، حيث توصف الكنيسة بأنها "كَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ". وبصفتنا كهنةً يقفون أمام الله، علينا أن نُحضر شيئًا له، لا بغرض التكفير، بل تجاوبًا مع الكفارة. وما الذي ينبغي أن نقدمه؟ الشيء الوحيد الذي نملكه هو ذواتنا. فإن الاستسلام الذي يريده الله هو أن نسلم أجسادنا له. ينبغي أن تكون حياتنا وكل ما لنا تحت تصرف الله. تحدَّث بولس أيضًا عن تقديمنا أعضاء جسدنا "آلاَتِ بِرّ" لله في رومية 6: 12-19. فلم يَعُد علينا أن نقدِّم أرجلنا، وأذرعنا، وآذاننا، وأذهاننا لارتكاب التمرُّد على الله. فإذ قد تبرَّرنا بالمسيح، ينبغي أن نسلم أعضاء جسدنا نفسها لله كي يفعل بها ما يحسن في عينيه. تحدَّث بولس في رومية 12 عن هذا الفعل بأسلوب شامل، مبينًا أنه استسلام كامل، بحيث لا يحتفظ المرء لنفسه بشيء. فيجب ألا يكون أي جانب من جوانب حياتنا خارج إطار التكريس لله بيسوع المسيح.
دعا بولس أيضًا إلى أن تكون ذبيحتنا حيَّة ومقدَّسة. لاحظ جيدًا أن الله لا يريد ذبيحة ميتة، بل ذبيحة حية. فهو يروم أن يعيش شعبه في تسليمٍ له بفرح، وأن يجدوا لذتهم فيه، وليس في المساعي الدنيوية. وبحكم الطبيعة، بما أن الرب إلهنا هو قدوس، فإن أية تقدمة له يجب أيضًا أن تكون مقدسة، أي طاهرة، مقدَّمة لخدمته وحده. ثم قال بولس إنه عندما نقدم نحن شعب الله ذواتنا باتضاع في قداسة، ستختبر كنائسنا "العبادة العقلية (الروحية)" بصورة متزايدة. لَكَم نتنازع على محتوى العبادة! فالبعض لا تروقه الترانيم القديمة، والبعض الآخر لا تروقه الترانيم المعاصرة. البعض أيضًا لا تروقه آلات العزف. ويرى الجميع أن ما يفضلونه هم كتابيٌّ أكثر مما يفضله الآخرون. لكن، لا أحد منا سيعبد الله عبادة حقيقية ما لم نكن نحرز تقدُّمًا في استسلامنا للمسيح بفرح. فإن تقديمنا ذبائح ميتة لله، أو تقديم أي شيء آخر غير أجسادنا المقدسة، إنما هو تشويه لعبادة الله الحي. فإننا بهذا نقول لله إننا له، في حين أن حياتنا ملطَّخة بالبر الذاتي، والطمع، والمرارة، والعنصرية، والشهوة، والحسد. كيف يمكن، إذن، أن نختبر قوة الله في حياتنا وفي كرازتنا؟ تكمن الإجابة في أن نسلم ذواتنا كاملة لله بشكل يومي، مرنمين: "أسلم الكل"، ومتكلين على الله كي يغيِّرنا بقوته.
وإن السبيل إلى هذا النوع من الاستسلام هو أيضًا جزء من مشكلتنا. فإن أذهاننا ممتلئة بأمور هذا العالم، ونحن جوعى إلى المزيد، ولا يرضينا القليل، ولهذا نسقط في الديون. كذلك، تفشل علاقاتنا الزوجية في سعينا وراء الحلم الأمريكي. لا عجب إذن أن أولادنا الذين تعلَّموا الإيمان يذهبون إلى الجامعة ليسلكوا كالوثنيين. فهم لم يختبروا أو يشهدوا في مجتمعهم العابد الكثير من نماذج الاستسلام الكامل للمسيح ولقوة الله العاملة.
ولماذا ينبغي أن نسلم أنفسنا بالكامل لله؟ إن أبانا السماوي سكب غنى رحمته الواسعة علينا في المسيح. والرحمة هي رأفة الله على أناس مثيرين للشفقة. وهي مماثلة للنعمة من حيث عدم استحقاقنا لها. هل ندرك حقًا الحال الذي قد نكون عليه بدون المسيح؟ على شعب الله أن يطلبوا منه أن يكشف لهم فسادهم الكلي، حتى يتسنَّى لهم أن ينوحوا على خطاياهم وخطايا مجتمعهم. هذا هو السبيل إلى البركة والتطويب (متى 5: 4). فإن مراحم الله في التبرير، والتقديس، والاختيار، والتمجيد بالمسيح تصير أكثر وضوحًا أمام أعيننا عندما ندرك المسافة الشاسعة بين قداسة الله وفقرنا الروحي. وإن الأشخاص والكنائس الذين تحط مراحم الله العظيمة من كبريائهم سيحرزون على الأرجح تقدمًا في تسليم حياتهم للمسيح يومًا فيوم. وبهذا، يصير الله هو مركز عبادتنا، وتتجدد أذهاننا بقوة غنى محبته. وبنعمة الله العجيبة، ستتمكَّن مثل هذه الكنائس من صنع تلاميذ من الأمم المحيطين بهم في مجتمعاتهم.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.