مساعدة الآخرين كي يعرفوا الله
٦ سبتمبر ۲۰۲۱ما هو لاهوتنا؟
۷ سبتمبر ۲۰۲۱اللاهوت، ثمَّ اللاهوت، ثمَّ اللاهوت: لماذا ليجونير؟
ظلَّت هيئة خدمات ليجونير تنمو وتتقدَّم منذ انتقال الدكتور أر. سي. سبرول، مُؤسِّسها العزيز، في عام 2017. فقد انضم إلينا الكثير من أعضاء الفريق الجدد، الذين أضافوا إلينا من خبراتهم ومهاراتهم. ومن المُشجِّع أن نشهد، بفضل جهودهم اللافتة للنظر، هذه الزيادة في الانتشار. لكن أيَّ مشروع طويل الأمد يجب أن يحافظ على تركيزه على مُهمَّته الأصليَّة، وأن يحترس من الانحراف عنها. ومن ثَمَّ، ففي الكثير من اجتماعاتنا معًا كفريق، أردِّد عادةً ذلك الأمر الواحد الذي نفعله في ليجونير: اللاهوت، ثمَّ اللاهوت، ثمَّ اللاهوت. لستُ فقط أكرِّر الكلام باطلًا، لكن غرضي هو أن نتذكَّر مدى أهميَّة علم اللاهوت، ليس فقط لإرساليَّتنا كخدمة، بل أيضًا لحياتنا كأفراد. دعوني أوضِّح ذلك بمثال.
ربمَّا رزتَ المتحف البريطاني في لندن من قبل. فهو واحد من الأماكن المُفضَّلة لديَّ. فإنَّه لأمر مهيب ومُبهر أن تشاهد آثارًا قديمة يعود تاريخها إلى العديد من الألفيَّات من تاريخ العالم. وكل قطعة تروي قصة. لكن في إحدى زياراتي إلى هناك مُؤخَّرًا، تعلَّمت أيضًا أن كل قطعة أثريَّة لا تروي بمفردها القصة كاملةً.
يحتوي ركن من هذا المتحف على قطعٍ أثريَّة من بلاد ما بين النهرين، تتضمَّن آثارًا من أشور، تشمل بعض القطع التي يعود تاريخها إلى عهد سنحاريب، ذلك الملك الشرس الذي نقرأ عنه في العهد القديم. ففي عهده، كان سنحاريب مصدر رعبٍ للشرق الأوسط، إذ فرض حصارًا على المدن، وأخضع الدول لسلطانه. وهناك نقش في المتحف البريطاني يتعلَّق بحصار لخيش، التي كانت مدينة صغيرة وحصينة، تقع على الطريق إلى أورشليم. وكان الملوك الوثنيُّون يَأمُرون عادةً بنحت هذه النقوش للافتخار بانتصاراتهم. وفي هذا النقش، يظهر حدث قتل سنحاريب الشنيع لبني إسرائيل في لخيش.
لكن ما الشيء الذي غاب عن المتحف البريطاني؟ نَعلَم أن سنحاريب كان في طريقه للقضاء على أورشليم، واستكمال غزوه لمملكة يهوذا (2ملوك 18: 13-19: 37). وعندما أتت جيوشه لفرض حصار على العاصمة، نصح إشعياء النبي حزقيَّا الملك بالاتكال على الرب كي ينجِّيهم. ولا توجد في المتحف أيَّة قطعة أثريَّة تروي قصة انتصار سنحاريب على أورشليم لأن هذا لم يحدث قط. فالكتاب المُقدَّس يقول إنَّ ملاكًا من عند الرب أهلك جيش هذا الملك في أثناء الليل، فأوقف الملك حملته، وعاد إلى نينوى.
يحارب الرب عن شعبه. فلم تكن قوة الأشوريِّين تضاهي قوَّته. وعبر أجيال إسرائيل، تناقل الحق القائل بأنَّه لا يوجد سوى إله واحد، وهو ليس إلهًا صامتًا (خروج 20: 1-20؛ تثنية 6: 4؛ إشعياء 44: 6-8).
كلمة "لاهوت" تعني ببساطة دراسة الله، أو الدراسة عن الله. وليس علم اللاهوت مجالًا أكاديميًّا جافًا وجامدًا، لكنَّه مسألة حياة أو موت. كان لدى بني إسرائيل لاهوت صحيح فعاشوا. وكان لدى الأشوريِّين لاهوت فاسد فهلكوا. فعلم اللاهوت يضع حياة كلِّ نفس على المحك. قال يسوع المسيح إنَّ معرفة الله والشخص الذي أرسله هو دخولٌ إلى الحياة الأبديَّة (يوحنا 17: 3).
في البداية، عرف آدم وحواء الله معرفة حقيقيَّة، لكنَّهم بعد ذلك حجزوا ذلك الحق بالإثم، ومن ثَمَّ أخرب عدم إيمانهما الكون، وقضى علينا تمامًا. ومنذ تلك اللحظة المأساويَّة، أي لحظة طردهما من جنَّة عدن، صرنا بالطبيعة في معركة غير مُقدَّسة ضد الخالق القدُّوس. ووجود حروب بين الدول، وغياب السلام مع بعضنا البعض ليس سوى مظهرًا من مظاهر تمرُّدنا الأوَّل. فيا للفوضى التي أحدثتها الخطيَّة! وما من وسيلة نُخلِّص بها أنفسنا. فإذا أردنا أن نخلص، لا بد أن يأتي هذا الخلاص من خارجنا. ومن دون لاهوت صحيح، يصير واقعنا كالأحجية ذات القطع المتناثرة في الأنحاء، التي لا تُكوِّن صورة واضحة. فعلم اللاهوت، عندما يُفهَم فهمًا صحيحًا، يُقدِّم لنا صورة عن الواقع تساعدنا في فهم الأحجية. فهو يرشدنا إلى كيفيَّة جمع قطع هذه الأحجية معًا مرَّة أخرى، على غرار الصورة المرسومة على العلبة، حتى يتسنَّى لنا أن نفهم العالم وأنفسنا فهمًا صحيحًا. وهكذا، فإن علم اللاهوت مُتداخل في كلِّ مجال من مجالات المعرفة والحياة البشريَّة.
ركَّز الدكتور أر. سي. سبرول على علم اللاهوت بصفته مجالًا يشمل كلَّ ما أعلنه الله سواء بوجه عام أو بوجه خاص. فالبشر مغتربون عن الله ونظير أبوينا الأوَّلين، نُولَد نحن أيضًا حاجزين للحق. أجل، يعرف الجميع أن الله موجود، لكن ليس الجميع يعرفون مَن هو الله. وتلك هي مشكلتنا الأساسيَّة: أنَّنا لا نعرف مَن هو الله. ولأنَّنا لا نعرف مَن هو الله، لا نعرف أنفسنا.
بدأت هيئة خدمات ليجونير في صيف عام 1971، في الوقت نفسه الذي كانت الولايات المُتَّحدة تخرج فيه من ستينيَّات القرن العشرين، ذلك العقد المليء بالاضطرابات. فقد واجه المؤمنون انتشار النسبيَّة، والاضطرابات الاجتماعيَّة. وكانت العلمانيَّة مُتفشِّية في المجتمع، واللاهوت الليبرالي مُنتشرًا في العديد من الكنائس والطوائف. وهناك، في سفح سلسة جبال الليجني (Allegheny) في بنسلفانيا، بالقرب من مدينة صغيرة تُدعَى ليجونير، بدأت خدمة صغيرة تُؤهِّل المؤمنين حتى يعرفوا الله على نحو أفضل وأعمق، ويُعرِّفوا الآخرين به. كان هذا الجهد الذي بُذِل للتلمذة والتدريب مدفوعًا برغبةٍ في الدفاع عن المسيحيَّة الكلاسيكيَّة، والمساعدة، كما نأمل، في إمداد المجتمع بالكثير من المؤمنين الفصحاء والقابلين للتعلُّم، الذين يسعون إلى أن يكونوا أمناء في توسيع نطاق الإرساليَّة العظمى. وعن عمدٍ، تجنَّب هذا العمل وسائل الإعلام والكنائس الكبرى.
وأمام العداء المجتمعي الصريح والمتزايد الذي تواجهه الكنيسة اليوم، يختفي المسيحيُّون الاسميُّون من المشهد، وتتبخَّر الكنائس الكبرى التي تُمارس التوفيق بين المعتقدات. فإن مستقبل الكنيسة ينتمي إلى المؤمنين الذين لهم قناعات راسخة. وكل المشكلات التي نواجهها هي في النهاية مشكلات لاهوتيَّة. ولإصلاح أي خراب، يجب أن يكون الحلُّ لاهوتيًّا.
نحن ممتنُّون أنَّه عبر السنوات، ضمَّ الله إلينا العديد ممَّن تعلموا ودرسوا وتبنُّوا رؤية الدكتور سبرول، وممَّن كرَّسوا حياتهم لنشر إنجيل الرب يسوع المسيح، ولرؤية علم اللاهوت المُتأصِّل في الكتاب المُقدَّس ينمو في الكنائس في كل مكان. أجل، إن العمل ضخم وشاق، لكن الوعد يقيني وراسخ: "لِأَنَّ الْأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَجْدِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ" (حبقوق 2: 14). ونحن مُجنَّدون للقيام بهذا العمل. فإن إحدى عجائب الإنجيل أن يُستَخدم رجال ونساء خطاة لنشر إرساليَّة الله في هذا العالم الساقط، عاملين في، ومن خلال، صراعاتنا مع العالم، ومع جسدنا، ومع إبليس.
في الكتاب الكلاسيكي الذي ألَّفه الدكتور سبرول بعنوان "قداسة الله"، قام بالتعليق على رومية 12: 2 قائلًا:
إن الوسيلة الرئيسيَّة التي أكَّد بولس أنَّها وسيلة التمتُّع بحياة مُتغيِّرة هي "تجديد الذهن". يعني هذا لا أكثر ولا أقل من التعليم. وهو التعليم الجاد، والمُتعمِّق، والمنضبط في أمور الله. يستدعي ذلك تمرُّسًا في كلمة الله. يَلزَمنا أن نكون أناسًا تغيَّرت حياتهم لأن أذهانهم تغيَّرت.
وبنعمة الله، غيَّر تركيز الدكتور سبرول الشديد على تعليم اللاهوت من حياة الكثيرين. فقد كان يرى أن كل شخص هو لاهوتي. وكونك لاهوتيًّا جيِّدًا أو رديئًا هو أمر يمثِّل أهميَّة سواء في هذه الحياة أو في الأبديَّة. ومُجرَّد حقن الذهن البشري بالمعلومات ليس كافيًا. فبنور الكتاب المُقدَّس وعمل الروح القدس، نبدأ في فهم طبيعة الله المُقدَّسة، وفي إدراك فسادنا وشرِّنا. على الكنيسة أن تُظهِر من جديد تكريسًا لا يتزعزع للمُناداة بقداسة الله في كلِّ ملئها، وتعليمها، والدفاع عنها. ليست هذه مُهمَّة هيئة خدمات ليجونير وحدها، لكنَّها دعوة كلِّ مؤمن. قم بالتخفيف من طبيعة الله، وستُضعِف بهذا من قدرتك على الوصول بالإنجيل لغير المؤمن. والاستراتيجيَّات الإرساليَّة حسنة النيَّة التي تركِّز على النمو العددي فقط لأجل النمو يمكن أن تثمر فوائد وقتيَّة، لكن مثل هذه الاستراتيجيَّات لن تصنع البتَّة تلاميذًا أصحَّاء، ولن تزرع كنائس تتمتَّع بالصحَّة. والانشغال بالخدمة المتَّسم بقصر النظر لن يدوم. والمُساومة اللاهوتيَّة لأجل زيادة الأعداد مُميتة.
ومع أن شعب الله كثيرًا ما وجدوا أنفسهم عاجزين أمام ظروف خارجة عن نطاق سيطرتهم، إلا أنَّ تقدُّم إرساليَّة الله في هذا العالم أمرٌ يقينيٌّ. فنظير خادم أليشع، في تلك اللحظة المُروِّعة التي تعرَّض فيها بنو إسرائيل للتهديد، نُجرَّب بالارتعاب من غيوم وعواصف المقاومة المُحتَشدة ضدَّنا. لكن علينا أن نتذكَّر أنَّ: "الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ" (2 ملوك 6: 16).
وبينما تصل ليجونير إلى عامها الخمسين في الخدمة، نقدِّم خالص شكرنا لأجل مباركة الله لنا في الماضي. لكن، يبدو واضحًا أن لدينا الفرصة كي نخدم شعب الله على نحو لم يحدث من قبل. فهناك الكثير من العمل الذي يمكن القيام به بين الأمم. ألا تُصلِّي معنا كي يُنبِّه الله المزيد من الأشخاص إلى حقيقة شخصه؟ ليتنا نرى عودةً للَّاهوت الحقيقي، واسترداد الرجال والنساء، والفتيان الفتيات، لشركتهم مع الله الآب، بواسطة الله الابن، وبواسطة نعمة الله الروح القدس القديرة، وعيشهم حياة مُثمرة الآن وإلى الأبد.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.