طوبى للمطرودين من أجل البر
۷ يوليو ۲۰۲۱النجاح الدنيوي
۹ يوليو ۲۰۲۱الصراع لمعرفة مشيئة الله
"ماذا يريد الله منِّي أن أفعل؟" هل سألت نفسك يومًا هذا السؤال؟ فأنا أعلم أني طرحته على نفسي. لقد تساءلت: هل يريد الله أن أقطن هنا؟ هل يريد الله أن أتزوَّج بهذه الإنسانة؟ هل يريد الله أن أقبل بهذه الوظيفة؟ ماذا يريد الله منِّي أن أفعل؟ قد تكون الإجابة عن هذه الأسئلة أمرًا مؤلمًا، لأنها أسئلة بالغة الأهميَّة. فنحن نرغب في أكبر قدر من اليقين عند الإجابة عن الأسئلة المُهمَّة. لماذا؟ لأننا حين نفتقر إلى اليقين، غالبًا ما ينتابنا الخوف. إن جهلنا بما ينبغي لنا فعله لاحقًا يُشعرنا كما لو أننا سنرتكب خطأً. إنه يوتِّرنا. في الواقع، على الرغم من أننا قد لا نقر بهذا، كثيرًا ما ينتابنا الخوف حتى من أننا قد نفتقر إلى مشيئة الله.
إن الصراع لمعرفة مشيئة الله صراع مع اليقين. فنحن نسعى إلى أكبر قدر من اليقين فيما يتعلَّق باتخاذ القرارات. إذ إن اليقين يساعدنا على الشعور بمزيد من السيطرة، وحين نشعر بالسيطرة، نشعر بالأمان.
دوافع خاطئة:
إن السعي إلى يقين أقوى فيما يتعلَّق باتخاذ القرارات، ليس بالأمر الخطأ. فمن الجيِّد لنا أن نفكِّر في عواقب قراراتنا، وأن نطلب مشورة حكيمة، وأن نفكِّر بصلاة في ما يجب أن نفعله. ومع ذلك، كثيرًا ما يتسبَّب انعدام اليقين في أن تكون لقلوبنا دوافع خاطئة في طلب مشيئة الله. أي أننا، نحن المؤمنين، مدعوُّون إلى الثقة بأن الله مُسيطر، لكن رغبتنا في معرفة مشيئة الله قد تنبع في الواقع من رغبة أعمق في أن نتملك لأنفسنا المزيد من السيطرة. نحن نريد أن يُلقِنَّا الله ما نفعله بالضبط كي لا نُطالَب بأي إيمان. هذا من شأنه أن يُسهل الأمر على قلوبنا، أليس كذلك؟ لذلك من الغريب كيف يمكن أحيانًا تحويل الرغبة التي من المفترض أنها صالحة (الرغبة في معرفة مشيئة الله) إلى رغبة شريرة (الرغبة في مزيد من السيطرة لأنفسنا). إنه أمر يذكِّرني بالفرِّيسيِّين. فقد ظنُّوا أنهم ينفِّذون بدقة مشيئة الله بتقديمهم للعشور من النَّعْنَع وَالسَّذَاب بمقاديرها المُحدَّدة (لوقا 11: 42). فقال الرب يسوع إنهم يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ (متى 23: 24). بمعنى أنهم سعوا إلى تنفيذ أدق التفاصيل وأصغرها، لكنَّهم نسوا الإيمان بالله. لذا دعاهم الرب يسوع "قُبُورًا مُبَيَّضَةً" (آية 27). إذ بدى جمالهم من الخارج، لكن من الداخل كانوا أمواتًا. لم تثق قلوبهم بالله، مع أنهم، زعمًا، كانوا يسعون لتنفيذ مشيئة الله.
إن رواية الفرِّيسيِّين كُتبت لتحذيرنا نحن المؤمنين. لا بد أن نكون حذرين من ألا تكون الرغبات الصالحة ظاهريًّا نابعة من دوافع شريرة. هذا شيء تنفيذه صعب، كما يتطلَّب الكثير من فحص القلب. هل كان الفرِّيسيُّون مخطئين في رغبتهم في اليقين بشأن بعض الأمور؟ لا، لم يخطئوا. فنحن على يقين، بالطبع، مما يريدنا الله أن نفعله حيال بعض الأمور. على سبيل المثال، نحن نعلم أنه قال: "فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ" (كولوسي 3: 12). ونعلم أنه قال أيضًا: "هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ" (يوحنا 15: 12)، وقال كذلك: "اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ" (فيلبي 4: 4). هذه أمثلة على مشيئة الله. كما أنه قد قال أشياء أخرى أكثر تحديدًا. على سبيل المثال، لقد دعانا حين نتزوَّج أن نتزوَّج بمؤمن لا بغير مؤمن (1 كورنثوس 7: 39؛ 2 كورنثوس 6: 14). كما أنه قد دعانا إلى العمل (كولوسي 3: 23؛ 1 تيموثاوس 5: 8).
تُخبرنا هذه النصوص وغيرها عن مشيئة الله. لكنَّنا في الواقع نبحث عن شيء أكثر تحديدًا، أليس كذلك؟ في الغالب لا نكترث كثيرًا بمشيئته الأخلاقيَّة، أي وصاياه (التي ما يُطلق عليها اللاهوتيُّون "مشيئة الله التوجيهيَّة"). لكنَّنا نتساءل، تحديدًا، عمَّا نفعله بعد ذلك من بين مجموعة من الخيارات الأخلاقيَّة الصالحة. فمشيئة الله الأخلاقيَّة تمنحنا مزيدًا من اليقين حيال بعض الخيارات، لكنَّها لا تُقرِّبنا من اختيار بعينه. حين نتحدَّث عن اختيارات مُحدَّدة لم يكشفها الله لنا، فنحن نتحدَّث عن مشيئته السريَّة – تلك المشيئة التي اختار الله ألَّا يعلنها لنا. فمشيئة الله السريَّة أو المخفيَّة، سِرٌ! وهي تنطوي على كل ما لم يخبرنا به فيما يتعلَّق بقرارات مُعيَّنة (ماذا سيختار الله لو كان مكاني؟)، وحيال المستقبل (هل سأتزوَّج بهذا الشخص؟)، بل بالأكثر كل ما احتفظ به الله لنفسه (لماذا ولدت الآن وليس من قرن مضى؟).
أساليب خاطئة:
ونحن نبحث عمَّا لم يكشفه الله –مشيئته السريَّة– في الغالب ما نستخدم عدَّة أساليب. أحيانًا نأخذ الوصايا الكتابيَّة، التي هي صالحة، ونعوجها لنستغلَّها من أجل أهوائنا. على سبيل المثال، طلب المشورة حيال قرارات ما أمر صالح (أمثال 11: 14؛ 15: 22). فكثيرًا ما يُظهر القسوس وأفراد العائلة والصدقاء ويؤكِّدون محبة الله وإرشاده لنا في مواقف بعينها. فبإمكانهم مساعدتنا بل يفعلون حقًا حين نتخذ قرارات ما. لكن أحيانًا عوضًا عن مُجرَّد طلب الحكمة من المشيرين، نستخدم المشيرين كوسيلة "لمعرفة" مشيئة الله السريَّة. فنحن نأخذ رأي الراعي في أمر ما كما لو أن الله يخبرنا مباشرةً بمشيئته، أو نثق في أن صديقنا قد سمع "كلمة من الرب" أو "صوت الله". الصلاة أيضًا أمر جيِّد، ونحن دُعينا لطلب الحكمة (1 تسالونيكي 5: 17؛ يعقوب 1: 5). فلنصلِّ، وينبغي أن نصلي، من أجل الإرشاد. لكن أحيانًا يتطرَّف المسيحيُّون إلى أبعد من ذلك. إذ يطلبون من الله أن يعطيهم علامة إلهيَّة، مثل إرسال مكالمة هاتفيَّة لهم في لحظة مُعيَّنة أو تحديد لوحة إعلان برسالة مُعيَّنة لهم يرونها في أثناء استقلالهم وسيلة مواصلات في الصباح.
في الغالب ما تتم هذه الأنواع من الممارسات برغبة صادقة في معرفة مشيئة الله وتنفيذها، وقد اتخذ كثيرون قرارات نافعة وصحيحة باستخدام ممارسات غريبة. على سبيل المثال، قد يساور قرارنا النجاح إذا تأكدت لنا مشيئة الله السريَّة عبر لوحة إعلانات تحمل رسالة غير مُعتادة. ولكن مع ذلك، فإن طلب تأكيد مشيئة الله السريَّة بهذه الطرق الغريبة ليس كتابيًّا. فالكتاب المُقدَّس لا يقول إنه يمكننا أن نعرف مشيئة الله السريَّة من خلال المشيرين، أو الإحساس بالسلام، أو بالمصادفات غير المُعتادة، أو أي أشياء أخرى. إن مشيئة الله السريَّة مخفيَّة بطبيعتها.
فهل هذا يجعل من الله بعيد عنَّا؟ لا، لأن عدم اليقين لا يعني أن الله بعيد. تأمَّل مقدار عدم اليقين والخوف الذي انتاب بني إسرائيل حين وصلوا إلى البحر الأحمر ورأوا جيش فرعون يلاحقهم (خروج 14: 10-14). كان شعب إسرائيل في عدم يقين، ولكن مع ذلك كان الله معهم. لقد حماهم وأنقذهم من المصريِّين، وضمن الأمان لشعبه بعبور البحر الأحمر. ونحن بالمثل قد نشعر بعدم اليقين حيال قرار مُعيَّن أو موقف خاص، ولكن باستطاعتنا الاتكال على معرفة أن الله معنا. باستطاعتنا الوثوق به حين لا يظهر لنا بالضبط ما ينبغي أن نفعله. فهو يهدي خطواتنا حتى ونحن نخطو خطواتنا.
ضرورة الإيمان:
لقد تقابلت مع العديد من الرجال والنساء الأكبر سنًا في الإيمان الذين يتذكَّرون ماضي حياتهم ويدركون بعمق، ولكن على نحو يصعب وصفه إلى حد ما، كيف رافقهم الله طوال رحلتهم. دائمًا ما يندهش هؤلاء القدِّيسون الأكبر سنًا من الطريقة التي أوصلهم بها الله إلى حيث هم الآن. كثيرًا ما يخبرونني بأنَّه لا يد لهم في ذلك، على الرغم من أنني إذا سألتهم، فسيخبرونني أنهم يتخذون قرارات طوال الوقت. أتساءل أحيانًا ما إذا كان هذا ما انتاب إبراهيم عندما تأمَّل في ماضي حياته. ما أراه معزيًا للغاية حيال هذه القصص هو التذكير بأن الله معنا أينما ذهبنا، وأنَّه يهدي خطواتنا – وإن كان ذلك بطريقة سريَّة (أمثال 16: 9).
يذكِّرني التأمُّل في هذه القصص بكيفيَّة عمل الله في حياتنا. فالله يدعونا لنثق به. لقد دُعيَ إبراهيم ليؤمن، وكذلك نحن. والإيمان هو الثقة بالله – أي التحلِّي باليقين في الله. هذا ما افتقر إليه الفرِّيسيُّون. في الواقع، لم يكن فرِّيسي بل صياد عادي مَن مشى على الماء برفقة الرب يسوع. بالإيمان خطا بطرس على بحر الجليل الذي بدا كأرضٍ صلبة. لقد كان يقينه، على الرغم من عدم كماله، في الله. وعندما شك وخاف، أعاد النظر نحو الرب وصرخ: "نَجِّنِي" (متى 14: 30). فمد الرب يسوع يده إليه وأمسكه، وسأله: "لِمَاذَا شَكَكْتَ؟"
إن القضاء على الصراع مع عدم يقيننا هو القضاء على ضرورة الإيمان. فنحن لا نعلم كل ما يعلمه الله. لكنَّنا مدعوِّين إلى الثقة بالله ونحن نخطو خطوات بعدم يقين، مثل بطرس. وعندما نفعل ذلك، سيكون الله معنا. في بعض الأحيان نتخذ قرارات تبدو أنها ستحقِّق نجاحًا كبيرًا. وفي أوقاتٍ أخرى، سنتخذ قرارات تبدو وكأنها خطأ. سيساورك الشك. لكن لله طرقه عجيبة لتحويل ضعفنا إلى قوَّة وتحويل الشر إلى خير (تكوين 50: 20؛ 2 كورنثوس 12: 9). وحين نصرخ مثل بطرس: "نَجِّنِي"، سنجده حاضرًا يرغب في نجاتنا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.