عاملون، لا سامعون فقط
۲٤ مايو ۲۰۲۱طوبى لأنقياء القلب
۲۷ مايو ۲۰۲۱فرح المسيح
تستعد قلوبنا للاحتفال بميلاد المسيح بالترنيمة القائلة: "أتى إلى الأرض ليتذوَّق حزننا، ليس لأمجاده نهاية". وندخل أسبوع الآلام مُغنِّين بصوت خافت قائلين: "رجل أوجاع! يا له من اسم يُسمَّى به ابن الله الذي أتى". كتب إشعياء قصائدًا عن العبد المُتألِّم (42: 1-4؛ 49: 1-6؛ 50: 4-9؛ 52: 13-53: 12). لقد كان رجل الأوجاع الذي ذاق الحزن، أي حزننا. وبينما كان يبكي عند قبر لعازر (يوحنا 11: 33- 43)، نراه مُتأثِّرًا بالشعور بضعفنا (عبرانيين 4: 15).
هل هذه هي الصورة الكاملة؟ ألا يوجد تيار عميق نابض خلف رغبة المسيح في الدخول إلى ألمنا - قوَّة تولَّدت من شيءٍ سامٍ وسرمديٍّ؟ بينما حجب يسوع مجده عندما أتى إلى الأرض (فيلبي 2: 5-11)، إلا أنه أحضر فرحه الأبدي.
الفرح كلمة يستخدمها المسيحيُّون بشكلٍ منتظم، لكن ليس من السهل تعريفها. يبقى الفرح عندما تهرب السعادة. فالفرح يجعل السعادة أكثر من مُجرَّد شعور عابر. الفرح قريب من كلمة ثمين. فمعناه هو ما يظهر عليه. من الصعب تعريفه بدون استخدام الكلمة نفسها. في العهدين القديم والجديد، تنقل الكلمة فكرة "اللذة السارة"، أي "قلب راقص"، كما عبَّر عنه أحد علماء اللاهوت.
هل سيرقص قلب يسوع بفرحٍ؟ إن كان الإنجيل هو الأخبار السارة، فلا عجب أن تُظهر الأناجيل ربنا وهو يُجسِّد الإنجيل (الأخبار السارة) بفرحٍ ويعلنه. كانت خدمته غارقة في الفرح. اتهمه المقاومون الغاضبون بأنه يستمتع بوقته بشكلٍ مفرط (لوقا 7: 34). بالنسبة لكثير من الناس، توجد أشياء قليلة أكثر فرحًا من ذكريات يوم الزفاف. شبَّه يسوع نفسه بالعريس الذي أعلن عن وليمة العرس للمدعوين (مرقس 2: 18-20).
لقد كان فرح يسوع مُرتبطًا بعمل مشيئة أبيه. لقد تهلَّل بالروح وشكر أبيه لأن رسالة الإنجيل كانت تنتشر بحسب قصد الاختيار السيادي (لوقا 10: 21-22). إن فرح إنجيل مُخلِّصنا منسوج بشكلٍ جميل في الأمثال المذكورة في لوقا 15. حمل أنقذه الراعي وحمله على كتفه (الآيات 5-7)، ودرهم ضاع من امرأة وقد وُجد (الآيات 8-10) – هذه صور لفرح لا يُحد. لا شيء يُصوِّر التنازل بفرح في قلب ربنا أكثر من أب يركض ويقع بحب على عنق ابنه الضال (الآيات 11- 32). يجب أنه توجد احتفالات ورقص عندما تنطلق رسالة الإنجيل.
يتوق يسوع أن يكون فرحه لنا (يوحنا 15: 11؛ 16: 24؛ 17: 13). فهو يريد أن يغطي فرحه الخليقة، لأن كل شيء صار جديدًا (رومية 8: 18-23؛ رؤيا 21: 5). يجب أن نفهم تأكيد أبراهام كايبر أن يسوع يصرخ "هذا لي!" عن الكون على أنه ملكيَّة يسوع الشرعيَّة لكل الخليقة والتزامه بإصلاحها. قال أوغسطينوس عن الرب إنه "الفرح الحقيقي المطلق... الأحلى من كل الملذات" في كتابه "اعترافات القديس أوغسطينوس". في محاولةٍ لإنقاذ المسيحيَّة من أراضي الظلال الرواقيَّة، تحدَّث سي. إس. لويس عن "عطلة عند البحر" – وهو "فرح غير محدود" يفوق أصنامنا بشكلٍ كبير. في كتاب "العواطف الدينيَّة" (Religious Affections)، يصف جوناثان إدواردز هذ الفرح الحلو بأنه "الكريمة التي تعلو فوق كل ملذَّاتنا."
نحن بحاجة إلى تشكيل مذاقًا للفرح – أي فرح الله. إنه الفرح المُرتبط بإلهنا المُثلَّث الأقانيم بمعرفة أبينا، وفرح الثبات في المسيح، مع سكنى الروح القدس. ينبع فرحنا من التأمُّل في شخص المسيح وعمله. نغني أيضًا قائلين: "الفرح للعالم، فقد أتى الرب!" في عيد الميلاد، و"ارفعوا أفراحكم وانتصاراتكم عاليًا!" كضمان في عيد القيامة بأننا سنراه مرَّة أخرى ولن يُنزع فرحنا منَّا أبدًا (يوحنا 16: 22). إن محبتنا للمسيح الذي لا نراه تملأنا بفرح لا يُنطق به ومجيد (1 بطرس 1: 8). والطاعة التي يُمكِّننا منها الروح القدس أمر هام من أجل الفرح. هذا الفرح إذن يُغذِّي الطاعة المُستمرَّة. قال دونالد ماكلويد (Donald MacLeod) إن يسوع اختبر "فرحًا عميقًا ومستمرًا... وهو عنصر لا غنى عنه في سيكولوجيَّة طاعته... (فقد خدم) لا كعبد بل كابن". يصح قول هذا عنَّا، إذ أن بنوَّتنا تُمكِّننا من أن نصرخ بفرحٍ: "يَا أَبَا الآبُ" (رومية 8: 15).
كل هذا مُتأصِّل في صليب ربنا، الذي احتمله من أجل السرور الموضوع أمامه (عبرانيين 12: 1-2). في مقالة بي. بي. وارفيلد بعنوان "الحياة العاطفيَّة لربنا"، جاء يسوع "منتصرًا بفرح النصرة الوشيكة في قلبه". كلمة "سرور" في عبرانيين 12: 1-2 هي "كلمة قويَّة تشير إلى فكرة الفرح الغزير – أي الفرح الذي يملأ القلب".
ولكن ما الذي يمكن أن يكون مُفرحًا في ضوء الأهوال المُهينة لصليب يلوح في الأفق؟ إن أمكن فقط للصفحة التي تقرأها أن تتحوَّل إلى مرآة ويظهر أمامك انعكاسك، سترى السرور الموضوع أمامه. لأنه أنت وأنا الحمل الذي تم إنقاذه المحمول على كتفيه، ونحن الدرهم المفقود الذي وُجد، ونحن الابن الضال الذي احتضنه. أنت جعلت قلب الله يبتهج آنذاك. وأنت تجعل قلبه يبتهج الآن. وستجعل قلبه يبتهج إلى الأبد، كما سيجعل قلبك يبتهج إلى الأبد.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.