إقرارات الإيمان وإرسالية الكنيسة
۲۳ يناير ۲۰۲۳الانفصال
۲٦ يناير ۲۰۲۳الآن ولكن ليس بعد
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 5 من سلسلة "بين عالمين"، بمجلة تيبولتوك.
هذا العالم ليس هو موطننا، لكنه سيصير كذلك. فإننا نعيش أيامنا في هذا العالم الحزين، منتظرين في توقٍ ولهفة السماوات الجديدة والأرض الجديدة، ومتمسِّكين كلَّ يوم بالوعد القائل:
هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ. (رؤيا 21: 3-4)
إننا مجرَّد بشرٍ مرتحلين صوب أرض الوطن، نشعر بالحنين إلى مكانٍ لم نذهب إليه من قبل. فنحن غرباء، ونزلاء، مغتربون في أرض غريبة، لكنَّ جنسيتنا مضمونةٌ في السماويات، في ذاك الذي سبقنا إلى هناك، الجالس عن يمين الآب، والذي سوف يأتي ثانيةً ليدين، ويغلب، وينهي كلَّ شيء.
في هذا العالم، سيكون لنا ضيق، لكن يسوع قال: "ثقوا"، ليس لأننا سوف نغلب العالم في النهاية، أو لأننا سنغيِّر العالم تمامًا، أو لأننا سنعتاد هذا العالم، أو نحبه، بل لأن يسوع قال: "أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يوحنا 16: 33). وعليه، فإننا ننتظر بين ما هو "الآن" وما "ليس بعد"، أي بين ما أَعلَن ربُّنا أنه صار حقيقةً بالفعل، وبين ما لم يُظهَر بعد. لكن انتظارنا هذا ليس باطًلا، ولا هو انتظارٌ سلبيٌّ أو انعزاليٌّ؛ لكننا بالأحرى ننتظر عريسنا حتى يجمع عروسه من كلِّ قلبية، ولسان، وأمة، لمجده. وإننا ننتظر في توقُّع مفعَم بالرجاء، وفي مشاركة إيجابية ونشطة في إرسالية الله، وفى شركة وتواصل مع كنيسة يسوع المسيح. فالمسيح هو نور العالم، ونحن، المتحدون به بالإيمان وحده، نوجَد فيه. وعلى هذا الأساس، ما أن يدعونا المسيح من الظلمة إلى نوره العجيب، يعود فيرسلنا مرة أخرى إلى الظلمة كي نضيء، سواء بالقول أو بالفعل، أمام العالم الذي يراقبنا. وعندما يرى العالم أعمالنا الحسنة، ويسمع كرازتنا بالإنجيل المجيد، ستمجِّد عروسُ المسيح، المختارة من كل أنحاء العالم، أبانا الذي في السماوات.
ومع أن الانسحاب التام من العالم يبدو في كثير من الأحيان أمرًا جذابًا، لا يُتيح لنا الربُّ هذا الخيار (1كورنثوس 5: 9-10)؛ بل في المقابل، بينما نحيا في هذا العالم المليء بالخطية، وفى أجساد الخطية هذه، نحيا كسفراءٍ عن المسيح في أثناء رحلتنا إلى أرض الموعد. وعندما نصل نحن المرتحلون إلى وطننا، سيمسح يسوع كلَّ دمعة من عيوننا، ليس فقط دموع الحزن، بل دموع الفرح أيضًا، لأنه دون ذلك، لن نتمكَّن البتة من أن نراه وجهًا لوجه، ونحن نعبده إلى الأبد في محضره وأمام وجهه.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.