أن تكون مُطوَّبًا ومُبَارَكًا
۳۰ أبريل ۲۰۲۱طوبى للحزانى
۱۱ مايو ۲۰۲۱الكتاب المقدس وحده
في عام 1546 عقب وفاة مارتن لوثر، عقدت الكنيسة الكاثوليكيَّة مجمع ترينت، وأصدر هذا المجمع قرارين بشأن الكتاب المُقدَّس. القرار الأول لعن كل مَن لم يقبل الأسفار المُقدَّسة. كما لعن كل من "أنكر عمدًا" تقاليد الكنيسة. أما القرار الثاني فحرَّم التفسير الملتوي "للكتاب المُقدَّس" من النواحي العقائديَّة والأخلاقيَّة. كذلك أدان المجمع تفسيرات "الكتاب المُقدَّس المناهضة... للكنيسة الأم المقدسة" أو "المناهضة لرأي الآباء بالإجماع"، مُبرِّرين أن من مسؤوليَّة الكنيسة "الحكم على المعنى والتفسير الصائبين للأسفار المُقدَّسة".
يعج القراران بفقرات وعبارات خطرة ومُعقَّدة. يعود سبب ذلك إلى أن أساقفة المجمع لم يتوافقوا حيال العلاقة بين الكتاب المُقدَّس وتقاليد الكنيسة المُستخدمة في تفسير الكتاب المُقدَّس، وتجادلوا بشأن كيفيَّة الوصول إلى نوع من التوافق. ومن بين مَن كان لهم حق التصويت، أقر ثلاثة وثلاثون عضوًا بأن الكتاب المُقدَّس والتقليد "متساويان" في السلطة، وأقر أحد عشر آخرون بأنهما "متشابهان" في السلطة لكن غير "متساويين" فيها، وأقر ثلاثة أعضاء بأن يطلب المجمع مُجرَّد احترام التقاليد. فأُلغيت عبارة تساوي سُلطتي الكتاب المُقدَّس والتقليد.
وفي محاولة أخرى للوصول إلى التوافق، وضع المجمع تمييزًا آخر إذ أراد ثمانية وثلاثون عضوًا أن يدين المجمع كل مَن لا يقبل الكتاب المُقدَّس أو التقليد. في حين أراد ثلاثة وثلاثون عضوًا في إرساء عقوبة أخف. إذ رغبوا في إدانة كل مَن لا يقبل الكتاب المُقدَّس، إنَّما حيال التقليد، لم يدن الأساقفة سوى من أنكروا تقاليد الكنيسة عمدًا وعلانية. وهنا فاز رأي الأقليَّة في التصويت، إذ لم ترغب الأغلبيَّة في تجاهل مخاوف أقرانهم من الأساقفة.
أروي هذه القصة لاندهاشي من سماع أن أيًّا من أعضاء مجمع ترينت قد أشار إلى نقاطٍ يوافق عليها أي مُصلِح (وأعتقد أي مؤمن بروتستانتي ينبغي أن يوافق عليها). في النهاية، يوافق كل مُصلِح على الرفض التام للتلاعب بالكتاب المُقدَّس لقول ما نرغب فيه. فالكتاب المُقدَّس هو كلمة الله التي نتشكَّل بها، لا أن نشكِّلها نحن. ويمكن أن يتفق المُصلِحون أيضًا مع الأقليَّة من مجمع ترينت التي صوَّتت بأن تقاليد الكنيسة، وبخاصة كتابات الكنيسة وممارساتها الأولى، يتوجَّب لها الاحترام. نعم، ضم تاريخ الكنيسة مُعلِّمين كذبة. لكنَّه يضم كذلك تاريخ لتعاليم نافعة من الكنيسة تؤكِّد وتدعم تعاليم الكتاب المُقدَّس. ترك لنا مَن سبقونا الكثير لنتعلَّم منه.
في الحقيقة، أدرك المُصلِحون أن تصوُّر الكنيسة الكاثوليكيَّة عن "الموافقة بالإجماع" بين المعلِّمين المسيحيِّين في القرون الأولى للكنيسة ليس له أساس في الواقع. في الحقيقة، أبرز اعتراف إيمان أوغسبورغ 1530، وهو أول بيان لاهوتي لوثري والأهم، التعارض داخل التقليد الكاثوليكي ذاته، منها التناقض بين تعاليم الكنيسة وتعاليم آباء الكنيسة البارزين. مع ذلك، كانت أهميَّة تعاليم آباء الكنيسة واضحة للجميع. وكون الكتاب المُقدَّس السُلطة النهائيَّة، لأنه كلمة الله، فهو يتفرَّد وحده. لكن، الحكماء هم مَن لا يقرؤون الأسفار المُقدَّسة بمفردهم، بل مع آخرين بمَن فيهم ممَّن سبقونا.
أروي هذه القصة أيضًا لأن المجمع توصَّل إلى استنتاجات أخرى لم يقبلها أي من المُصلِحين (ولا ينبغي لأي مؤمن بروتستانتي قبولها). في المقام الأول، لم يقبل المُصلِحون مفهوم أن مسؤوليَّة الكنيسة "الحكم... على المعنى والتفسير الصائبين" للكتاب المُقدَّس. فوضع هذه السُلطة بين يدي الكنيسة يعني أننا نُعلِّي الكنيسة فوق الكتاب المُقدَّس، وليس الكتاب المُقدَّس أعلى الكنيسة. والإصرار على أن هذا النوع من التفسير ضروري هو إعلان صارخ بأن الكتاب المُقدَّس ليس واضحًا من نفسه.
يشهد تاريخ الكنيسة البروتستانتيَّة بأسره –الذي يُرى في مئات اعترافات الإيمان والدلائل التعليميَّة التي أنتجها اللوثريُّون والمُصلِحون على حد سواء– لسلطان الكتاب المُقدَّس ومنفعته، ويدعو الكنائس لتنتهج الإصلاح وفقًا للكتاب المُقدَّس. كما تستشهد هذه الاعترافات الإيمانيَّة أحيانًا بكُتَّابٍ مُهمِّين في تاريخ الكنيسة. اشتهر البروتستانت بفعل ذلك كثيرًا. لكنهم أدركوا أن الكتاب المُقدَّس وحده مَن يحمل علامات الضرورة، والكفاية، والسلطة المُطلقة، والوضوح في كل ما يتعلَّق بالخلاص. وفي النهاية، ينبغي قياس مدى توافق أي نص آخر ومنفعته ومصداقيته وحجَّته بالكتاب المُقدَّس وحده.
في عام 1646، أعلن اجتماع وستمنستر، الذي أصدر إقرار إيمان وستمنستر بعد تاريخ طويل لإرساء الإصلاح في إنجلترا، ما يلي:
إن الحاكم الأعلى الذي بواسطته يُفصل في كل الخلافات الدينيَّة، وبه يجب أن تُفحَص كل قرارات المجامع، وآراء الكُتَّاب القدامى، وتعاليم الناس، والادِّعاءات باستنارات خاصة، والذي نتَّكل على قراراته، لا يمكن أن يكون آخر سوى الروح القدس مُتحدِّثًا في الكتاب المُقدَّس (إقرار إيمان وستمنستر، الفصل 1، والبند 10).
كان هذا مُجرَّد تسجيل لموقف كُتَّاب الكتاب المُقدَّس أنفسهم، الذين برهنوا على العديد من حججهم بعبارة "هكذا يقول الرب"، ويتبعها اقتباس من الكتاب المُقدَّس. فهل ينبغي لنا احترام إقرارات المجالس والكُتَّاب القدامى، ونهتم بلياقة بتعاليم الآخرين؟ نعم. فكما أشار الحكماء في الماضي، كان من الممكن تجنُّب العديد من المشاكل في الكنيسة إذا ما استمع المسيحيُّون إلى ما تعليم الآخرين، بجانب ما نؤمن أن الروح القدس يُعلِّمه لنا. ومع ذلك، لا يستطيع أي من مصادر البصيرة والحكمة هذه –فضلًا على المراسيم الباباويَّة– الارتقاء إلى مستوى سلطان كلمة الله. إلى هنا لا بد أن نتوقَّف.
فهل من "خلافات دينيَّة" بحاجة إلى تسوية؟ فلا يوجد سوى معيار واحد من الضروري أن نستخدمه؛ محكمة واحدة ينبغي لكل مسيحي ولكل كنيسة الالتجاء إليها. هل من "قرارات للمجامع" بحاجة إلى إعادة تقييم؟ فلا يوجد سوى قانونيَّة واحدة يمكن من خلالها اعتبار هذه المجامع ومراسيمها صحيحة أو خاطئة. هل قرأت أنت أو أصدقاؤك "آراء كُتَّاب قدامى" ذات حُجَّة ويُعال عليها؟ فلا يوجد سوى ميزان واحد به يمكن وزنهم به. هل تطرَّقت إلى "تعاليم الناس" سواء في حديث أو قراءة أو عظة؟ فلا يوجد سوى ضوء واحد يمكن فحصها من خلاله. هل توجد "استنارات خاصة" أو آراء شخصيَّة في الكنيسة؟ فلا يوجد سوى طريقة واحدة بها نحكم عليها. "قرارات" واحدة "نتكل عليها". "لا يمكن أن يكون آخر سوى الروح القدس مُتحدِّثًا في الكتاب المُقدَّس".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.