السعي نحو الكمال بواقعية متزنة - خدمات ليجونير
Is the Trinity Biblical?
هل الثالوث عقيدة كتابية؟
۱۳ يوليو ۲۰۲۲
عن العناية الإلهية
۳۱ يوليو ۲۰۲۲
Is the Trinity Biblical?
هل الثالوث عقيدة كتابية؟
۱۳ يوليو ۲۰۲۲
عن العناية الإلهية
۳۱ يوليو ۲۰۲۲

السعي نحو الكمال بواقعية متزنة

Pursuing Perfection with Sober Realism

في أثناء رحلة جوية قمتُ بها مؤخرًا إلى مدينة دالاس، تسنَّى لي أن أستمتع بقراءة العدد الأحدث من مجلة “American Way”، تلك المجلة الشهرية التي تصدرها الخطوط الجوية الأمريكية. وفي هذا العدد تحديدًا، كانت قصة الغلاف عن ليكسي تومبسون، ظاهرة رياضة الجولف. وكان كلامها عن سبب عشقها لرياضة الجولف مذهلًا ولافتًا للنظر، إذ قالت: "إنني أستيقظ كلَّ يوم وقد تغير شيء في هذه الرياضة، سواء طريقة استعمالي للمضرب، أو حالة الطقس. وهذا ما يميِّز رياضة الجولف. ففي كل يوم جديد، تواجه تحديًا جديدًا. ولهذا السبب انجذبتُ إلى هذه الرياضة. وما يدفعني للاستمرار فيها هو أنك لا تستطيع البتة بلوغ الكمال فيها".

يمكن تطبيق ما أقرت به تومبسون بشأن رياضة الجولف أيضًا على الحياة المسيحية. ففي حقيقة الأمر، ما يدفعنا للاستمرار- أي الجهاد من أجل النمو في القداسة العملية – هو أننا لن نبلغ الكمال البتة في الحياة المسيحية ونحن لا نزال على هذه الأرض. ومع ذلك، ثمة مجال دائمًا للتطور وإحراز تقدُّم.

رغبة من عند الله في الكمال

لدى البشر رغبة فطرية في الكمال. ففي النهاية، نحن مخلوقون على صورة الله (تكوين 1: 26-27)، وقد كُلِّفنا بمهمة ممارسة السيادة على الأرض من أجل تطويرها (الآية 28). وبالتالي، فإن كلًّا من هويتنا وما دُعينا لنعمله ينشئ في داخلنا رغبة في التميُّز في كلِّ شيء. ولدى المؤمن بصفة خاصة هذا الحافز القوي على التميُّز في ضوء وصية الرب يسوع في متى 5: 48، "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". ردَّد بولس الرسول صدى هذه الوصية عندما كتب في 1 كورنثوس 10: 31 يقول: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ". ومن ثَمَّ، ليس السعي نحو الكمال خطأ في حد ذاته، لكن يمكن للرغبة الداخلية في الكمال أن تحيد عن الصواب إذا لم تخفِّف من حدتها واقعية كتابية بشأن السقوط وعواقبه.

بقايا مجيدة

إحدى عواقب السقوط المأساوية تتمثل في أن الكمال في هذه الحياة صار مستحيلًا. فإننا نرى يوميًا، وبطرق متنوِّعة، أن البشر قد "أَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23)، وهو الأمر الذي ينطبق على المؤمن أيضًا. فإننا نتحد مع الرسول بولس في رثائه حين قال: "أَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ" (رومية 7: 15). كان بولس يعلم أن هذه الحياة هي حياة من الحرب المستمرة ضد الخطية الساكنة فينا.

وكان الرسول يوحنا يفكِّر بهذه الطريقة نفسها حين كتب إلى المؤمنين يقول:

"إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا". (1 يوحنا 1: 8-10)

كان يوحنا واضحًا في كلامه: فالذين يدَّعون أنه ليس لهم خطية ليسوا فقط يضلُّون أنفسهم، لكنهم أيضًا يجعلون الله كاذبًا، مبرهنين بذلك على أن كلمة الله ليست فيهم. ويعيش المؤمنون في يقظة وحذر دائمين من الخطية الساكنة فيهم إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي تباد فيه الخطية تمامًا.

وصف البيوريتاني جون أوين (John Owen)، في مؤلَّفه الكلاسيكي بعنوان The Mortification of Sin ("إماتة الخطية") ما تتطلَّبه الحياة المسيحية، قائلًا: "على المؤمنين المختارين، الذين تحرَّروا بكل تأكيد من دينونة الخطية، أن يكون شغلهم الشاغل في كلِّ أيام حياتهم هو أن يميتوا قوة الخطية الساكنة فيهم". رأى أوين أن الإماتة هو شغلنا الشاغل الذي يجب أن يدوم مدى الحياة - فلا بد أن يؤدَّى هذا العمل "كل أيام حياتنا" لأن الكمال لن يُبلَغ البتة على هذه الأرض.

خليقة جديدة في المسيح

وكما كان الكتاب المقدس واضحًا بشأن استحالة بلوغ الكمال في هذه الحياة، كان واضحًا بالقدر نفسه بشأن وجوب نموِّ المؤمنين في التقوى. ويتعلَّق السبب اللاهوتي الكامن وراء ذلك بما يحدث في الميلاد الثاني: فإننا نُجعَل خليقة جديدة في المسيح. وهذا هو الحق المذهل الذي أعلنه بولس في 2 كورنثوس 5: 17، "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الْأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا".

تتمثَّل سيرة حياة كل مؤمن في كونه يصير خليقة جديدة. فهذا وعدٌ يخص جميع الذين "فِي الْمَسِيحِ" - أي الذين يتحدون بالإيمان بالرب القائم من بين الأموات والمرتفع. يحمل مصطلح "خليقة جديدة" في طياته فكرة قوة الله السيادية والخالقة. استحضر بولس هذه الفكرة نفسها في مقطع سابق عندما أشار إلى قوة الله التي تجلَّت في خلق النور وبالمثل في خلق المؤمن: "لِأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (2 كورنثوس 4: 6)

وما نتعلَّمه من ذلك هو أن المسيحية لا تتعلق بتعديل أخلاقي. فهي ليست مجرد تنظيفٍ لذواتنا القديمة بمكنسة، كما لو كنا فقط قذرين. ولا تتعلَّق المسيحية في الأساس بتبنِّي عادات جديدة، أو منظور جديد للحياة، مع أنها تتضمَّن بالفعل هذه الأمور؛ بل تتعلق المسيحية بإصلاح تام وشامل، لا يقل عن كونه خلقًا من جديد.

فالمؤمن هو شخصٌ اختبر موعد العهد الجديد الذي جاء في حزقيال 36: 26-27، حيث أعلن الله ما كان من شأنه أن يتحقَّق في المسيح بالروح القدس:

"وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا".

فقد وُهِب المؤمن قلبًا جديدًا، وأُعطي روح الله ذاته، بحيث صرنا الآن "نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رومية 6: 4).

قال الرسول أيضًا إن "الْأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ". فبصليب المسيح، ينتهي العهد العتيق، وتنتهي أيضًا الحياة القديمة التي عاشها أولئك الذين صاروا الآن في المسيح. فإن حياتنا القديمة بكل ما فيها من فجور، وتمركز حول الذات، وسلوك بالجسد قد صُلِبَت.

ولأن الْأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، صار هدفنا هو "إماتة" كلِّ ما ينتمي إلى تلك الحياة القديمة:

"فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ -الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ -الْأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا سَلَكْتُمْ قَبْلًا، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا. وَأَمَّا الْآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلَامَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لَا تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الْإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ". (كولوسي 3: 5-10)

فالمؤمن هو شخصٌ يُخضع حياته باستمرار للفحص ويسأل: "ما الذي يَلزَم إماتته في حياتي؟" وبمجرد اكتشاف هذا الشيء، يعزم على إماتته. وبالحقيقة، علينا أن نستنفر كلَّ واحدة من وسائط النعمة المتاحة لنا كي نشن حربًا على الخطية في حياتنا.

لكن، لا تتعلَّق الحياة المسيحية فقط بما قد مضى، بل أيضًا بما قد صار. في 2 كورنثوس 5: 17، قال بولس إن شيئًا مذهلًا وحابسًا للأنفاس قد صار. فقد ابتدأنا نُظهِر الآن في حياتنا بريق التمثُّل بالمسيح، وإن كنا نفعل ذلك طوال الوقت في صورة باهتة. فبقوة الروح القدس، نبدأ في "لبس" التمثُّل بالمسيح:

"فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. إِنْ كَانَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى، كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا. وَعَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ". (كولوسي 3: 12-14)

فإننا بالحقيقة لن نبلغ الكمال في هذه الحياة. فالحياة في عالم ساقط تعني أننا لن نتحرر بالكامل البتة من الخطية على هذه الأرض. لكن هذه الحقيقة يجب ألا تقودنا إلى اليأس. فإننا، كمؤمنين، قد اتحدنا بالمسيح بالإيمان، ووُهبنا الروح القدس. ولذلك، "نَحْتَرِصُ أَيْضًا ... أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ" (2 كورنثوس 5: 9). وحتى إن تعثرنا وخُرنا في بعض الأحيان، علينا أن نبتهج مع بولس حين قال: "وَلَكِنْ شُكْرًا لِلهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ" (2 كورنثوس 2: 14).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مايك بولمان
مايك بولمان
الدكتور مايك بولمان هو أستاذ مساعد للوعظ المسيحي بكليَّة اللاهوت المعمدانيَّة الجنوبيَّة وراعى أساسي بكنيسة سيدار كريك المعمدانيَّة (Cedar Creek Baptist Church) في مدينة لويزفيل بولاية كنتاكي.