تدبير البيت بلا تحكُّم - خدمات ليجونير
تاريخ هيئة خدمات ليجونير
۸ سبتمبر ۲۰۲۱
أرشدونا
۱۰ سبتمبر ۲۰۲۱
تاريخ هيئة خدمات ليجونير
۸ سبتمبر ۲۰۲۱
أرشدونا
۱۰ سبتمبر ۲۰۲۱

تدبير البيت بلا تحكُّم

يزداد اقتناعي بعدم وجود سوى طريقتين للحياة: (1) الثقة في الله والعيش بخضوع لمشيئته ولحكمه، أو (2) محاولة أن أكون الله. وشتان الفارق بينها. نحن الخطاة، نبدو أنَّنا نحيا الحياة الثانية بشكل أفضل من الأولى. وهذه الآليَّة الروحيَّة تضرب مباشرةً في صميم التربية والزواج.

التربية:

التربية الناجحة هي التخلِّي عن الحق في التحكُّم والسيطرة حسب ما أمر به الله. فهدف التربية يتمثَّل في إنشاء أبناء، كانوا مُتَّكلين علينا تمامًا في السابق ليصيروا أشخاصًا ناضجين مُستقلِّين قادرين، بالاتكال على الله وبالتواصل اللائق مع الكنيسة، على الوقوف على أرجلهم.

في السنوات الأولى من التربية، نكون مُتحكِّمين في كل شيء، وعلى الرغم من أننا نشكو من ضغط الأمر برمَّته، فنحن نحب التمتُّع بالسُلطة. وتكون خيارات الرُضَّع والأطفال لفعل أي شيء محدودة للغاية. فنحن نختار لهم طعامهم، وأوقات راحتهم، ونوعيَّة نشاطهم البدني، وما يرونه ويسمعونه، وأين يذهبون، ومن يصادقون، فالقائمة تطول.

ومع ذلك، فإنَّ الحقيقة هي أن أطفالنا منذ اليوم الأوَّل ينمون في استقلاليَّتهم. فالرضيع الذي لم يكن يقدر قبلًا على الاستدارة بدون معونة، يستطيع الآن أن يحبو إلى الحمَّام سهوًا عنَّا وينسل لفافة المناديل كاملةً. وهذا الرضيع سيكبر ويبتعد عن المنزل إلى أماكن بعيدة خارج نطاق الوالدين تمامًا.

كم عدد الآباء والأمَّهات الذين صارعوا مع نوعيَّة الأصدقاء الذين اختارهم أبناؤهم؟ نعم، إن اختيار الرفقاء أمر في غاية الأهميَّة، ولكنَّه أيضًا أمر نفقد فيه السلطة لصالح ابن ناضج. إن الهدف من التربية ليس الإبقاء على قبضة مُتحكِّمة ومُسيطِرة على أبنائنا في محاولة منَّا لضمان أمنهم وصوابنا. وحده الله القادر على ممارسة هذا السُلطان وهذا التحكُّم. إنَّما الهدف يتمثَّل في أن يستخدمنا الله من أجل غرس التعفُّف دائم النضج داخل أبنائنا من خلال مبادئ كلمة الله، والسماح لهم بالانتقاء من بين دوائر الاختيار والتحكُّم والاستقلاليَّة الآخذين في الاتساع والازدياد.

بصفتي مُشيرًا وراعيًا، لطالما عملت بانتظام مع آباء وأمَّهات رغبوا في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ظانين أن الأمل الوحيد هو العودة إلى سابق الأيام حين السيطرة الكاملة. فهم حاولوا مُعاملة فتيانهم وفتياتهم كما لو أنَّهم أطفال صغار. فانتهى بهم الأمر كسجَّانين لا آباء أو أمَّهات، وقد نسوا خدمة الإنجيل التي هي الرجاء الوحيد في لحظات الصراع الحرجة تلك.

فمن الضروري أن نتذكَّر ثلاث حقائق من الإنجيل مُتعلِّقة بهذه الصراعات في التربية:

1- لا يوجد أي موقف ليس تحت السيطرة، لأن المسيح يسود على كل الأشياء من أجل الكنيسة (أفسس 1: 22).

2- ليس كل موقف تحت السيطرة فحسب، بل إنَّ الله يعمل فيه صانعًا الخير الذي وعد به (رومية 8: 28). لذلك أنا لست مُطالب بالتحكُّم في كل رغبة، وفكر، وفعل لابني أو لابنتي الناضجين. ففي كل موقف يكون هو أو هي تحت السلطان المُطلق للمسيح الذي يُتمِّم ما لا أستطيع أنا تمميه.

3- ليست الهدف من التربية تشكيل أبنائي على صورتي، بل أن يصيروا على صورة المسيح. فهدفي ليس استنساخ أذواقي وآرائي وعاداتي في أبنائي. فعليَّ ألَّا أتطلَّع إلى صورتي فيهم؛ بل أتوق إلى رؤية صورة المسيح.

لا يمكننا مناقشة التربية دون النظر بتدقيق إلى ما نضيفه نحن الآباء والأمَّهات إلى هذا الصراع. إن كانت قلوبنا مُنقادَة بالنجاح، والتقدير، والتحكُّم، فسوف ينتابنا اشتياق لا إرادي إلى أن يحقِّق أبناءنا توقُّعاتنا بدلًا من خدمتهم بتلبية احتياجاتهم الروحيَّة. وبدلًا من أن نرى لحظات الصراع كفرص من يد الله، سوف نراها مُحبطة ومخيِّبة للآمال، بل سينتابنا غضب متزايد ضد أبنائنا الذين نحن مدعوُّون لخدمتهم.

الزواج:

ينطبق الشيء نفسه على الزواج. إن زيجاتنا قابعة في وسط عالم لا يسلك بحسب ما قصده الله. على نحو ما، وبكيفيَّة ما، تتأثَّر زيجاتنا كل يوم بهذا العالم الساقط. ربَّما الأمر ببساطة مُرتبط بضرورة العيش في متاعب بسيطة في عالم ساقط، أو ربَّما نواجه ضيقات جمَّة غيَّرت مجرى حياتنا وزيجاتنا. لكن هناك شيء واحد مُؤكَّد: لن نهرب من المناخ الذي اختاره الله لنا لنحيا فيه.

ليس من قبيل الصدفة أنَّنا نُدبِّر زيجاتنا في هذا العالم الساقط. وليس من قبيل الصدفة أن علينا التعامل مع الأمور التي نقوم بها. لا شيء من هذا هو قدر، أو صدفة، أو حظ. إنَّما كل هذا جزء من خطَّة فداء الله. فالأصحاح 17 من سفر أعمال الرسل يقول إنَّ الله عيَّن تحديدًا أين نقطن وعيَّن تحديدًا سنوات عمرنا.

فالله يعلم أين نقطن، وغير مُتفاجئ بما نواجهه. على الرغم من أنَّنا نواجه أمورًا غير منطقيَّة بالنسبة لنا، لكن يكمن معنى وقصد من وراء كل شيء نواجهه. أنا مُقتنع بأنَّ فهم عالمنا الساقط وقصد الله وراء إبقائنا فيه يعد الأساس لبناء زيجات مبنية على الوحدة والتفاهم والمحبَّة.

أنت تعلم أن معظمنا يمتلك نموذجًا للسعادة الشخصيَّة. والرغبة في السعادة ليست بخطيَّة، والسعي نحو السعادة الزوجيَّة ليس بخطيَّة. فقد وهبنا الله القدرة على الاستمتاع والبهجة، ووضع أشياء رائعة حولنا لنستمتع بها. فالمشكلة ليست في أن هذا هدف خاطئ، إنَّما هدف في غاية الضآلة. فالله يعمل من أجل شيء عميق وضروري وأبدي.

فالله لديه نموذج عن القداسة الشخصيَّة. لا تدع المصطلحات هنا تثبطك. فالكلام هنا يعني أن الله يعمل من خلال ظروفنا اليوميَّة لتغييرنا. فبمحبته، يعلم أنَّنا لسنا على ما خُلقنا لنكونه. وعلى الرغم من أنَّه قد يصعب الإقرار بهذا، لا تزال الخطيَّة قابعة داخلنا، وهذه الخطيَّة تقف في طريق ما يجب أن نكونه وما قد خلقنا لأجله (على ذكر الخطيَّة، الخطيَّة هي أضخم عائق أمام الزيجات المبنيَّة على الوحدة والتفاهم والمحبَّة).

يستخدم الله الصعوبات الراهنة ليغيِّرنا، بمعنى أنه ينقذنا من ذواتنا. ولأنَّه يحبنا، فهو عن عمد سيُوقف سعادتنا اللحظيَّة أو يستبدلها من أجل تحقيق خطوة أخرى في عمليَّة الإنقاذ والتغيير، الهدف المُلتزم هو به بلا تقلقل.

عندما نبدأ في قبول نموذج قداسة الله، تصبح الحياة أكثر منطقيَّة – فالأشياء التي نواجهها ليست مُشكلة غير عقلانيَّة، إنَّما أدوات للتغيير. لذلك لنا رجاء من أجلنا ومن أجل زيجاتنا، لأن الله في خضم ظروفنا، ويستخدمها ليشكِّلنا إلى ما قد خُلقنا من أجله. في أثناء عمله هذا، لن نتجاوب مع الحياة بشكل أفضل فحسب، بل سنصبح أشخاصًا أفضل يمكن العيش معهم، ممَّا يثمر إلى زيجات أفضل.

لذا، على نحو ما، وبكيفيَّة ما، هذا العالم الساقط وما يحتويه سوف يدخل عبر أبوابنا، لكن علينا ألَّا نخاف. فالله معنا، وهو يعمل كي تثمر هذه الضيقات ثمارًا صالحة فينا ومن خلالنا.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

بول ديفيد تريب
بول ديفيد تريب
الدكتور بول ديفيد تريب هو قس ومُتكلِّم ومُؤلِّف للعديد من الكتب، بما في ذلك (What Did You Expect?) و(New Morning Mercies). وهو مُؤسِّس ورئيس هيئة خدمات بول تريب (Paul Tripp Ministries).