مخطوطات البحر الميت
۱۸ يناير ۲۰۲۱أن تكون مُطوَّبًا ومُبَارَكًا
۲۲ يناير ۲۰۲۱المسيح والمزامير
الكتابات:
"ماذا تعتقد في المسيح؟" عندما وجَّه المسيح قادة أورشليم للتفكير في مسألة المجد الأبدي، لجأ إلى سلطة ما هو مكتوب: "في سفر المزامير"، على وجه التحديد المزمور 110 (متى 22: 41–46؛ مرقس 12: 35–37؛ لوقا 20: 40–44)، وطرح سؤالًا سهلًا من حيث البساطة والعمق، والإجابة عليه تُغرق المرء في عجائب تجسُّد الله الذي يفوق الفهم: كيف يمكن لداود أن يشير إلى ابنه باعتباره الرب؟ كان هذا السؤال الاستقصائي هو تطبيق لما سيعلنه المسيح لاحقًا، أنه هو ذاته هدف وموضوع جميع أسفار العهد القديم، حيث لخَّص التقسيم الثلاثي لهذه الأسفار في لوقا 24: 44 على أنه: "نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ"، مع وجود سفر المزامير كاختصار ينوب عن الكتابات.
أنَّ العديد من المزامير يتعلَّق "بالمسيح" كان (ولا يزال) رأيًا مقبولًا بشكل عام؛ فإعلان العهد الجديد المجيد هو أن يسوع هو المسيح، "الممسوح" الذي طال انتظاره والذي تتحدَّث عنه هذه الأسفار المُقدَّسة. وهكذا نقرأ عن بطرس الذي، بعد أن اقتبس من مزمورين، أعلن للجموع المجتمعين في أورشليم للاحتفال بيوم الخمسين: "أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا" (أعمال الرسل 2: 36). نقرأ أيضًا عن بولس، الذي استدل من الأسفار المقدسة (مرة أخرى، العهد القديم)، وأظهر أنه كان على المسيح أن يتألَّم ويقوم مرة أخرى، قائلًا: "هذَا هُوَ الْمَسِيحُ يَسُوعُ الَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ" (أعمال الرسل 17: 2-3). من المؤكَّد أن الرسل اقتبسوا بكثرة من المزامير في شهادتهم المُوحى بها عن شخص وعمل المسيح. على سبيل المثال، الرسالة إلى العبرانيِّين منسوجة معًا بالمزامير، مما يوضِّح لنا أن المسيح هو "ابن الإنسان" في مزمور 8 الذي "تَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ" من خلال التجسُّد ولكنَّه الآن "بِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ" من خلال قيامته وصعوده (عبرانيين 2: 5-9). يكشف إنجيل متى النقاب عن المزامير كمفتاح لإدراك المسيح عن نفسه، حيث اقتبس الشيطان المزمور 91 له في البرية (متى 4: 6)، والمسيح، على صليب الألم، يغربل معاناته من خلال غربال مزمور 22: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (متى 27: 46). إنَّ تأمُّله كثيرًا في المزامير، وماذا قالت عنه، هو أمر واضح في كيفيَّة تلخيص المسيح لآلامه وأمجاده بكلمات مزمور 118: 22: "الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ" (متي 21: 42؛ انظر أيضًا مرقس 12: 10؛ لوقا 20: 17؛ أعمال الرسل 4: 11؛ 1 بطرس 2: 7).
آلام المسيح:
عندما عبَّر المسيح عن معاناته على الصليب بكلمات المزمور 22، فقد أبرز أحد الجوانب الثمينة للمزامير بشكلٍ عام، وهي أنها باعتبارها أغاني تنقل بشكل فريد الأعماق الداخليَّة للنفس، وخاصة أعماق نفس المسيح. لا تساعدنا المزامير فقط في تشكيل استجابتنا نحو الله في تجارب الحياة ومباهجها، ولكنها تكشف لنا أيضًا شيئًا من الحياة الداخليَّة ليسوع المسيح، ولمحات لا نملكها من خلال الأناجيل وحدها. في العليَّة، عندما أعلن المسيح أن خائنه هو: "الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ"، مضيفًا "إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ" (مرقس 14: 20-21)، من المحتمل أن يكون مزمور 41 في ذهن المسيح، حيث ترسم الآية 9 فيه بشكلٍ كامل آلام نفسه: "أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!" (حثَّ بطرس، في أعمال الرسل 1: 15-20، على استبدال يهوذا كرسول بناءً على ما هو "مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ"، وتحديدًا المزامير 69: 25 و109: 8). في وصف يوحنا للصلب، ننتقل من الفعل الخارجي في القصة عن الجنود الذين ألقوا القرعة على رداء المسيح إلى مزمور 22: 18 والمشاعر الداخليَّة لرجل الأحزان نفسه: "اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً" (يوحنا 19: 24). في وقتٍ لاحق، عندما تألَّم المسيح للمنتهى على الصليب، اقتبس المسيح مزمورًا آخر (بعد المزمور 22)، مصليًا إلى الآب بنفَسِه الأخير كلمات المزمور 31: 5 "فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي" (لوقا 23: 46). يفتح هذا المزمور نافذة على حزنه: "عِنْدَ كُلِّ أَعْدَائِي صِرْتُ عَارًا، وَعِنْدَ جِيرَانِي بِالْكُلِّيَّةِ، وَرُعْبًا لِمَعَارِفِ... لأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ"، وعلى يقين ثقته في طبيعة الله ووعوده: "فِي يَدِكَ آجَالِي". من الممكن أيضًا، عندما استودع روحه للآب، أن يسوع قد تَعزَّى أيضًا بكلمات المزمور 16 المتعلِّقة بجسده: "جَسَدِي أَيْضًا يَسْكُنُ مُطْمَئِنًّا. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا" (الآيات 9–10). والرسول بطرس، كما سنرى، طبَّق بالتأكيد هذا المزمور على القيامة. ولكن حتى المزمور 22 يتبع صرخة الترك العظيمة بالإعلان المبهج بأن الله: "لَمْ يَحْجُبْ وَجْهَهُ عَنْهُ، بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ اسْتَمَعَ" (آية ٢٤).
أمجاد المسيح:
تعطينا المزامير أيضًا نظرة ثاقبة حول التمجيد العظيم للمسيح، وهو تمجيد بدأ بالقيامة، ويليه الصعود، وبلغ ذروته في تتويج المسيح ملكًا، حتى أنه، بصفته ملك الملوك، والمُخلِّص الوحيد، والديَّان الأعظم، هو يملك على كل الأمم. بالعودة إلى تلك العظة الأولى في يوم الخمسين، اقتبس بطرس أربع آيات من المزمور 16، وأصرَّ على أن داود: "مُرَنِّمِ إِسْرَائِيلَ الْحُلْوِ" (2 صموئيل 23: 1)، كان يتكلَّم هنا كنبي، بعد أن تنبأ بقيامة المسيح، الذي هو ثَمَرَةِ صُلْبِهِ (أعمال الرسل 2: 25-31). فقد رأى جسد داود فسادًا ولا يزال في القبر؛ لذلك، قال بطرس، إن الكتاب المُقدَّس، الذي لا يمكن أن يسقط، قد: "سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا" (أعمال الرسل 2: 31؛ انظر أيضًا أعمال الرسل 13: 35–36). ثم انتقل بطرس على الفور إلى المزمور 110 (وهو في الواقع أكثر المزامير اقتباسًا وإشارة إليه في العهد الجديد) ليبيِّن صعود يسوع وتتويجه ملكًا: "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا" (أعمال الرسل 2: 34–36).
هناك مزمور آخر يُستَخدم كثيرًا في العهد الجديد وهو المزمور 2، ولا سيما الآيات 7–8: "قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ»". أكَّد الرُسل باستمرار أن القيامة هي "ولادة" المسيح بمعنى أنه عندما أقامه الله من بين الأموات، ومنحه "الولادة" إلى مجد الخليقة الجديدة، كان الآب يعلن بقوة أن يسوع المسيح — ليس فقط ابنه السرمدي بل المسيح المتجسِّد — هو ابنه والملك المُتوَّج (انظر أعمال الرسل ١٣: ٣٠–٣٤). إن ابن الله السرمدي، بعد أن اختبر تواضع إنسانيَّتنا في التجسُّد، وبعد أن نزل إلى أدنى مرتبة كالعبد المُتألِّم، يحمل الآن في التاريخ إنسانيَّتنا معه في تمجيده العظيم إلى أعلى مكانة، حيث يجلس عن يمين الآب ليملك في كل مكان توجد فيه اللعنة. حتى أن الرسل فسَّروا اضطهادهم في ضوء "ارتجاج الأمم" ضد المسيح، الملك المُتوَّج، كما تم وصفه مزمور 2: 1–2 (أعمال الرسل 4: 25–28)، والمسيح نفسه، عندما أمر الرسل ليتلمذوا الأمم في الإرساليَّة العظمى (متى 28: 18–20)، كان يعلن تحقيق وعد الله بعد القيامة للملك الذي أقامه في صهيون: "اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ" (مز 2: 8). استخدم كاتب الرسالة إلى العبرانيين مزمور 2: 7 ليوضِّح مجد المسيح باعتباره رئيس كهنة عظيم (عبرانيين 5: 5)، الأمر الذي طرحه من خلال إشارات مُتكرِّرة إلى مزمور 110: 4: "أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ"(عبرانيين 5: 5–6؛ 7: 1–28). نتعلم أيضًا في الرسالة إلى العبرانيين أن المسيح، بصفته رئيس كهنتنا الذي يخدم في السماويَّات نيابةً عنَّا، قد أصبح قائد العبادة في الكنيسة، وهو الذي يقود تسبيح المفديين بحسب كلمات مزمور 22: 22: "أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ" (عبرانيين 2: 12). هذا التسبيح هو الاستجابة الأبدية لقيامة المسيح، أي الاستجابة لصلاته التي صرخها من صليب الألم، "اسْتَجِبْ لِي" (مزمور 22: 21؛ انظر أيضًا مزمور 118: 21-22). في الحقيقة، فإن الكثير من تعاليم العهد الجديد حول عمل المسيح المستمر كنبينا وكاهننا وملكنا في حالة تمجيده مبنيَّة بقوة على سفر المزامير. حتى أن بولس يشرح عطايا الروح القدس من المسيح الذي صعد إلى كنيسته من خلال عدسة مزمور 68: 18: "إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا" (أفسس 4: 7–16).
وهكذا، فإن العهد الجديد يستخدم باستمرار سفر المزامير لتركيز نظرنا على عظمة المسيح، وعلى جلال، وجمال، ومجد ذاك الذي بتواضعه وتمجيده يملك على الأمم، ويقودهم إلى جبل صهيون السماوي، حتى حين تغمرهم الدهشة والمحبة والتسبيح يعلنوا إلى الأبد مجد الله الثالوث.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.