هل الثالوث عقيدة كتابية؟ - خدمات ليجونير
The Sacraments as Means of Grace
الفرائض بصفتها وسائط نعمة
۱۳ يوليو ۲۰۲۲
Pursuing Perfection with Sober Realism
السعي نحو الكمال بواقعية متزنة
۱۳ يوليو ۲۰۲۲
The Sacraments as Means of Grace
الفرائض بصفتها وسائط نعمة
۱۳ يوليو ۲۰۲۲
Pursuing Perfection with Sober Realism
السعي نحو الكمال بواقعية متزنة
۱۳ يوليو ۲۰۲۲

هل الثالوث عقيدة كتابية؟

Is the Trinity Biblical?

هل عقيدة الثالوث عقيدة كتابية؟ حسنًا، يتوقف ذلك على ما تقصده باللفظ "كتابي". فهل يحتوي أي موضع في الكتاب المقدس على شيء شبيه بقانون الإيمان النيقاوي؟ كلا. وهل يقدِّم أي موضع في الكتاب المقدس بيانًا نظاميًّا عن عقيدة الثالوث، مستخدمًا مصطلحات لاهوتية متخصِّصة، مثل وحدانية الجوهر(homoousios)، أو الأقنوم (hypostasis)؟ كلا. إذن، إذا كان هذا هو المطلوب كي تكون عقيدة الثالوث عقيدة كتابية، فسنجيب عن هذا السؤال بالنفي، قائلين إن هذه العقيدة ليست كتابية. لكن، ليس هذا هو المطلوب لتكون أية عقيدة كتابية.

يوضح إقرار إيمان وستمنستر ذلك قائلًا: "إن مشورة الله بكاملها بشأن كلِّ ما هو ضروري لمجد الله، وخلاص الإنسان، وللإيمان، والسلوك، هي إما مذكورة صراحةً في الكتاب المقدس، أو يمكن استخلاصها كنتيجة سليمة وضرورية من الكتاب المقدس" (1. 6). ليست عقيدة الثالوث مذكورة صراحة في الكتاب المقدس بالمعنى الدقيق الموصوف أعلاه، لكنها بالتأكيد "نتيجة سليمة وضرورية" لما هو مذكور صراحة في الكتاب المقدس. فما الذي يعلِّمه الكتاب المقدس إذن صراحةً؟

أولًا، يُعلِّم الكتاب المقدس صراحة بأنه لا يوجد سوى إله واحد. وليس ثمة جدل يُذكر حول هذا التصريح بين الذين يقبلون بِسُلطة الكتاب المقدس. فكل صفحة تقريبًا من صفحات الكتاب المقدس تشهد للحق القائل بأنه لا يوجد سوى إله واحد ووحيد. ويُعَد تثنية 4: 35 من الأمثلة على ذلك، إذ يقول: "إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱلْإِلَهُ. لَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ" (انظر أيضًا تثنية 4: 39؛ 32: 39؛ إشعياء 43: 10؛ 44: 6-8). وإن تعدُّد الآلهة وعبادة الأوثان التي كانت سائدة في الشعوب المحيطة بإسرائيل أدينت بقوة وصرامة على أساس أن يهوه هو الله وليس آخر سواه (إشعياء 44: 6-20).

ثانيًا، يُعَلِّم الكتاب المقدس صراحة بأن الآب هو الله. وهذا التصريح أيضًا لا جدال عليه نسبيًّا في تاريخ الكنيسة. فقد تحدث يسوع عن "الله الآب" (على سبيل المثال، يوحنا 6: 27)، وأشار بولس عدة مرات إلى "الله أبينا" و"الله الآب" (على سبيل المثال، رومية 1: 7؛ 1 كورنثوس 1: 3؛ 8: 6؛ 15: 24؛ 2 كورنثوس 1: 2؛ غلاطية 1: 1، 3؛ أفسس 1: 2؛ 5: 20؛ 6: 23؛ فيلبي 1: 2؛ 2: 11؛ كولوسي 1: 2؛ 3: 17؛ 1 تسالونيكي 1: 1؛ 2 تسالونيكي 1: 1، 2؛ 2: 16؛ 1 تيموثاوس 1: 2؛ 2 تيموثاوس 1: 2؛ تيطس 1: 4؛ فليمون 3). وبالتالي، كان الكتاب المقدس واضحًا بشأن وجود إله واحد، وبشأن كون الآب هو الله.

ثالثًا، يعلِّم الكتاب المقدس صراحة بأن الابن هو الله. ولو كان كلُّ ما علَّم به الكتاب المقدس هو أنه يوجد إله واحد، وبأن الآب هو الله، لما واجهنا صعوبة كبيرة، إذ سيكون من السهل على أي مسيحي أن يستنتج أن هذا الإله الواحد دُعي في العهد القديم باسم يهوه، ثم في العهد الجديد تبيَّن أن هذا الإله هو الآب. لكن يزداد الأمر تعقيدًا بسبب ما يعلِّمه الكتاب المقدس صراحة عن الابن، يسوع المسيَّا.

فالكتاب المقدس يعرِّف الابن صراحةً بأنه هو الله. في افتتاحية إنجيل يوحنا، على سبيل المثال، نقرأ ما يلي: "فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ" (يوحنا 1: 1). في هذه الآية، عُرِّف "الكلمة" بأنه هو الله ("كَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللهَ")، وفي الوقت ذاته، مُيِّز عن الله ("وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللهِ"). من هو هذا "الكلمة"؟ تكشف الآية 14 الجواب قائلة: "وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلْآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا". فالكلمة هو يسوع الابن.

كذلك، عَرَّف كُتَّاب الأسفار الكتابية يسوع بأنه هو الله بالعديد من الطرق الأخرى. فقد قيل، على سبيل المثال، أنه هو نفسه الذي دعاه العهد القديم باسم يهوه. ولا بد أن يكون مثال واحد كافيًا. يبدأ إنجيل مرقس باقتباس من إشعياء 40: 3. وفي النبوة الأصلية، عزَّى إشعياء الشعب بوعدٍ بأن يأتي يهوه يومًا ما إلى إسرائيل، وطُلِب منهم أن "يعدُّوا طريق الرب". وجاءت كلمة "ٱلرَّبِّ" هنا كترجمة للاسم العبري "يهوه". وفي إنجيل مرقس، كان يسوع هو الذي تمَّم هذه النبوة. فيوحنا المعمدان هو الذي أعدَّ الطريق للرب يسوع الذي جاء إلى إسرائيل. وعليه، عُرِّفَ يسوع بأنه هو يهوه، الذي جاء إلى إسرائيل مثلما وعد.

من المثير للاهتمام أيضًا أنه عبر العهد الجديد، نُسِبت إلى يسوع أقوال، وأفعال، وخصائص لا يمكن أن تُنسَب سوى إلى شخص واحد، وهو الله. فقد قُدِّم له سجود (متى 2: 2)، وحثَّ تلاميذه على أن يصلُّوا إليه (يوحنا 14: 14)، وغفر الخطايا (متى 9: 1-8؛ مرقس 2: 1-12؛ لوقا 5: 17-26). وهو الخالق (يوحنا 1: 3؛ كولوسي 1: 16)، والذي يحفظ ويقيم كل الأشياء المخلوقة (كولوسي 1: 17). وهو متحكم في الطبيعة (متى 8: 23-27). كما أنه سوف يكون الديَّان في اليوم الأخير (يوحنا 5: 22؛ أعمال الرسل 10: 42). ولم يكن بإمكان الكتاب المقدس أن يؤكِّد انطباق هذه الأمور على الابن لو لم يكن الابن هو الله.

رابعًا، يعلِّم الكتاب المقدس صراحةً بأن الروح القدس هو الله. عارض الهراطقة هذا التصريح، بقدر معارضتهم لكون الابن هو الله. لكن كلمة الكتاب المقدس الموثوقة هي معيارنا، وما تُعلِّم به هو قاعدة وأساس إيماننا. يدرك مؤمنون كثيرون كيف ساوى بطرس بين الروح القدس والله في أعمال الرسل 5: 3-4، حيث وُضِع الكذب على الروح القدس على قدم المساواة مع الكذب على الله. لكن، يخطئ بعض المسيحيين بظنِّهم أن هذا المقطع هو الدليل الكتابي الوحيد على ألوهية الروح القدس. فهذا غير صحيح. يمنعنا ضيق المساحة من تناوُل كل مقطع وثيق الصلة بالروح القدس بالتفصيل، لكن نستطيع أن نذكر البعض من هذه المقاطع.

قارن، على سبيل المثال، بين إشعياء 6: 8-10 وأعمال الرسل 28: 25-27. فقد عرض إشعياء في نبوته تصريحًا جاء على لسان يهوه. وفي سفر أعمال الرسل، نسب بولس هذا التصريح نفسه إلى الروح القدس. بتعبير آخر، ما قاله يهوه كان هو نفسه ما قاله الروح القدس. نرى شيئًا شبيهًا بذلك عندما نقارن بين مزمور 95: 7-11 وعبرانيين 3: 7-11. فما قاله يهوه في مزمور 95 نسبه كاتب الرسالة إلى العبرانيين إلى الروح القدس.

خامسًا، يعلِّم الكتاب المقدس صراحةً بأن الآب والابن والروح القدس متمايزون أحدهم عن الآخر. فلو كانت التعاليم الأربعة الأولى فحسب هي كلُّ ما بحوزتنا في الكتاب المقدس، لاستنتجنا أن هذه التعاليم قد تشير إلى وجود إله واحد فحسب، يُظهر نفسه في بعض الأحيان في صورة الآب، وفي أحيان أخرى في صورة الابن، وفي أحيان أخرى أيضًا في صورة الروح القدس. لكن هذا الحل يُستبعَد لأنه بالإضافة إلى تقديم الكتاب المقدس هذه التعاليم الأربعة، ميَّز أيضًا بين الأقانيم الثلاثة، بحيث يكون كل أقنوم غير الآخر مع أن كل أقنوم هو الله.

ميَّز الكتاب المقدس بوضوح الآب عن الابن. فالآب أرسل الابن (يوحنا 3: 16-17؛ غلاطية 4: 4)، والآب والابن يحب أحدهما الآخر (يوحنا 3: 35؛ 5: 20؛ 14: 31)، ويتحدث أحدهما إلى الآخر (يوحنا 11: 41-42)، ويعرف أحدهما الآخر (متى 11: 27). كذلك، الابن هو شفيعنا أمام الآب (1 يوحنا 2: 1). ولا يصير أي من هذه المقاطع منطقيًا أو مفهومًا إلا إذا كان الآب متمايزًا عن الابن.

كذلك، ميَّز الكتاب المقدس بوضوح الابن عن الروح القدس. فالروح القدس حلَّ على الابن في معموديته (لوقا 3: 22)، والروح القدس هو مُعَزٍ آخر (يوحنا 14: 16). كذلك، الابن يُرسل الروح القدس (يوحنا 15: 26؛ 16: 7)، والروح القدس يُمجِّد الابن (يوحنا 16: 13-14). وأخيرًا، ميَّز الكتاب المقدس الآب عن الروح القدس. فالآب يرسل الروح القدس (يوحنا 14: 15؛ 15: 26)، كما ذُكِر أن الروح القدس يشفع فينا لدى الآب (رومية 8: 26-27). جرى التمييز بين الأقانيم الثلاثة جميعهم في مقاطع عدة، لكن المقطع الأشهر على الإطلاق هو الذي يمثل جزءًا من إرسالية يسوع العظمى، عندما أوصى يسوع التلاميذ بأن يعمدوا الأمم "بِاسْمِ ٱلْآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ" (متى 28: 19).

وبالتالي، فإن السؤال اللاهوتي الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يجب أن نفهم طبيعة الله حتى يكون كلُّ ما يعلمه الكتاب المقدس صراحة صحيحًا؟ بتعبير آخر، ما النتيجة السليمة والضرورية لهذه التعاليم الصريحة؟ كلُّ الهرطقات القديمة التي تخص عقيدة الثالوث لم توفِ تعليمًا أو أكثر من هذه التعاليم حقَّه. فهرطقة التثليث[1] لم تأخذ في حسبانها التعليم الصريح القائل بأنه لا يوجد سوى إله واحد. وهرطقة المودالية [الشكلية] لم تأخذ تمايز الأقانيم الثلاثة في حسبانها. أما الهرطقة الأريوسية، فلم تأخذ في حُسبانها أن الابن هو الله، وليس مجرد إله ما. وهكذا دواليك. وفي سبيل الرد على هذه العقائد الكاذبة، وتوضيح الحق، استخلصت الكنيسة النتائج السليمة والضرورية لتعاليم الكتاب المقدس الصريحة، آخذة في حسبانها كلَّ ما يعلِّم به الكتاب المقدس. واستعملت الكنيسة أيضًا مصطلحات متخصصة في سبيل تحقيق ذلك. فلم يكن أمامها أيُّ خيار، نظرًا لإصرار الهراطقة في كثير من الأحيان على ألا يستخدموا سوى مصطلحات كتابية حتى يتمكنوا بأكثر سهولة من إلباس تعاليمهم الكاذبة ثيابًا تنكرية.

وتجلَّت نتائج جهود الكنيسة الأولى، ولا تزال تتجلَّى، في عقيدة الثالوث، التي صيغت في إيجاز في قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني[2] (الذي يسمَّى في المعتاد بقانون الإيمان النيقاوي)، ثم قدَّم علماء اللاهوت في الكنيسة مزيدًا من الشرح التفصيلي لها في العديد من المؤلَّفات اللاهوتية، بدءًا من كتاب "عن الثالوث" (De Trinitate) الذي ألَّفه أوغسطينوس، ثم "خلاصة علم اللاهوت" (Summa Theologiae) الذي ألَّفه توما الإكويني، وصولًا إلى كتاب" أسس الدين المسيحي" (Institutes of the Christian Religion) الذي ألفه جون كالفن، وغير ذلك أيضًا. وقد أوضحت هذه المؤلفات جميعها النتائج السليمة والضرورية لتعاليم الكتاب المقدس.

إذن، هل عقيدة الثالوث عقيدة كتابية؟ أجل، بلا شك.

[1] التثليث [Tritheism] هو هرطقة تتعلق بعقيدة الثالوث، تنكر وحدانية جوهر الله، قائلة في المقابل إنه يوجد ثلاثة جواهر إلهية – أي ثلاثة آلهة منفصلة – وليس إله واحد في ثلاثة أقانيم.

[2] قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني معروف اليوم باسم قانون الإيمان النيقاوي، وهو يقر بالألوهية الكاملة لكل من الآب والابن والروح القدس. وقد أصدره مجمع القسطنطينية (381 ميلاديًّا)، في استكمال لجهود مجمع نيقية (325 ميلاديًّا). وهو معترف به بوجه عام من المسيحيين قويمي المعتقد المنتمين إلى جميع التقاليد أو الطوائف اللاهوتية.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

كيث ماثيسون
كيث ماثيسون
الدكتور كيث ماثيسون هو أستاذ علم اللاهوت النظامي في كليَّة الإصلاح للكتاب المقدس (Reformation Bible College) بمدينة سانفورد في ولاية فلوريدا، وهو مُؤلِّف للعديد من الكتب، بما في ذلك "العشاء الرباني: إجابات على الأسئلة الشائعة" (The Lord’s Supper: Answers to Common Questions).