هل نؤمن بالإنجيل كاملًا؟ - خدمات ليجونير
القادة في المنزل
۲۰ يونيو ۲۰۱۹
طلب الغفران
۲ يوليو ۲۰۱۹
القادة في المنزل
۲۰ يونيو ۲۰۱۹
طلب الغفران
۲ يوليو ۲۰۱۹

هل نؤمن بالإنجيل كاملًا؟

عدم الإيمان. تلخص هذه العبارة الرأي الذي أبداه "لاهوتي الأزمة" السويسري إميل برونر (Emil Brunner) لوصف اللاهوت الليبرالي للقرن التاسع عشر. بزغت مثل هذه الليبراليَّة جرَّاء الجمع المقصود بين الفلسفة الطبيعيَّة والمسيحيَّة التاريخيَّة. فقد سعت الليبراليَّة لنزع سمات الإيمان المسيحي فوق الطبيعيَّة ولحصر الأهميَّة الحديثة للرب يسوع والعهد الجديد في اعتبارات أخلاقيَّة، خاصة فيما يتعلَّق بالاحتياجات البشريَّة، وعلى وجه التحديد الماديَّة منها.

أثار هذا معضلة كبيرة أمام الكنيسة المؤسسيَّة، في أوروبًا أولًا ثم في الولايات المتحدة. فإذا نبذت إحدى المؤسسات أساسها الذي بُنيت عليه وقائمة من أجله، ماذا سيحدث لأصول الكنيسة التي تبلغ مليارات الدولارات ولخدامها المرتسمين الكثيرين؟ فلم يتبقَّى أمام رجال الدين سوى الوعظ عن الأمور الاجتماعيَّة. ولإبقاء سبب استمرار وجود المسيحيَّة كديانة مؤسسيَّة، تحوَّلت ليبراليَّة القرن التاسع عشر نحو إنجيل جديد، سُميَ "بالإنجيل الاجتماعي"، الذي كان تركيزه على الأمور البشريَّة، وفي مركز مخططه الالتزام "بالعدالة الاجتماعيَّة".

انطوى استخدام عبارة "العدالة الاجتماعيَّة" على اللعب التهكمي بالألفاظ. فما كان في رؤية هذه الفلسفة ببساطة هو إعادة توزيع الثروة، متبعة النموذج الاشتراكي. كان الاعتقاد الخاطئ لما يُسمى بالعدالة الاجتماعيَّة أن الثروة الماديَّة لا يمكن تحقيقها سوى باستغلال الفقراء. لذلك، ولمجتمع عادل، لا بد على السلطات الحكوميَّة إعادة توزيع الثروة. لكن في الواقع، قد انحط ما يُسمى بالعدالة الاجتماعيَّة إلى ظلم اجتماعي، بفرض عقوبات على المنتجين الخاضعين للقانون، ومكافأة العاطلين — يا له من مفهوم غريب عن العدالة في الحقيقة.

أثار بزوغ أهمية الإنجيل الاجتماعي جدلًا عُرف في تاريخ الكنيسة "بجدال الحداثة والأصوليَّة"، الذي انفجر في سنوات القرن العشرين الأولى. شهد هذ الجدال انفصال غير مقدس بين قطبين مسيحيَّين رئيسيَّين. فمن جانب، الاهتمام الكلاسيكي بالفداء الشخصي الذي حقَّقه المسيح بموته الكفاري على الصليب، والذي حقَّق المصالحة لمن أمنوا بالرب يسوع. ومن جانب آخر، الاهتمام بالرفاهة الماديَّة للبشر في هذا العالم الآن. وتضمَّن هذا الاهتمام بكساء العراه، وإطعام الجياع، وتوفير منازل الإيواء للمشرَّدين، ورعاية الفقراء.

في هذه الحقبة من التاريخ، ركَّز الكثير من الإنجيليِّين على الكرازة مجددًا بغرض الحفاظ على الأهميَّة الجوهريَّة للمناداة بإنجيل يسوع المسيح. في كثير من الحالات، أدى هذا التركيز على الكرازة إلى إهمال القطب الكتابي الآخر أي خدمة الرحمة للفقراء والمُضطهدين والمتألمين. فكان الانفصال بين الاهتمامات الليبراليَّة والكرازيَّة واضحًا حيث، وللأسف، بدأ الكثير من الإنجيليِّين بإبعاد أنفسهم عن الانخراط في خدمات الرحمة، خشية لئلا تُرى خدمتهم على أنها استسلامًا لليبراليَّة.

تضع مُغالطة المُعضِلة المُفتَعَلة حقيقتين مهمتين وتجبر المرء على اختيار إحداهما. يتمثَّل افتراض مغالطة "إمَّا / أو" في أن أحد الأمرين المُحدَّدين صواب، والآخر خطأ؛ لذلك على المرء الاختيار بين الصواب والخطأ. تمثَّلت مغالطة "إمَّا / أو" التي واجهت الكنيسة في هذه الحقبة في إمَّا إنجيل الفداء الشخصي أو إنجيل الاهتمام الاجتماعي بالرفاهة الماديَّة للبشر.

ولكن حتى القراءة السريعة للعهد الجديد توضِّح أن اهتمامات الرب يسوع وكُتَّاب العهد الجديد لا يمكن اختزالها في مغالطة "إمَّا / أو". تكمن المشكلة مع هذه المغالطة، كما مع جميع المغالطات، في تشويه الحق بامتهان. إن العهد الجديد لا يفسح مجالًا لهذه المغالطة. فالاختيار الذي أمام الكنيسة لم يكن قط بين الخلاص الشخصي وخدمة الرحمة. بل كليهما وبتعهد والتزام. ولا يمكن لأي منهما أن يطغي على الآخر. إن اختزال المسيحيَّة إلى برنامج رعاية اجتماعيَّة أو فداء شخصي ينتج عنه إنجيل مبتور أي مُشوَّه كليًّا.

تاريخيًّا، وقبل ثورة ليبراليَّة القرن التاسع عشر، لم يبدو على الكنيسة أنها تصارع ضد هذا الانفصال الزائف. ولقرون استوعبت الكنيسة مهمتها في المناداة بإنجيل الخلاص بعمل المسيح الكفاري وفي الوقت ذاته التمثُّل بالرب يسوع في خدمة العميان والصم والمسجونين والجياع والمشردين والفقراء. لا بد أن تلتزم خدمة الكنيسة، لكي تكون صحيَّة، تمامًا ببُعدي التكليف الكتابي، لنبقى أمناء للمسيح ذاته. وإذا أهملنا سواء خدمة الفداء الشخصي أو رحمة المُضطهد، فنحن "غير مؤمنين".

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.