
ما المقصود بأنّ الله صالح؟
۲۲ أكتوبر ۲۰۲٤
هل كان من الممكن أن يُخطئ يسوع؟
۳ نوفمبر ۲۰۲٤لماذا أحبّ سفر المزامير

في مؤتمرٍ عُقِد حديثًا، سُئِلتُ عن السِّفر الذي أفضّله في الكتاب المُقدَّس. كانت ردّة فعلي الأولى هي التساؤل في نفسي عما إذا كان هذا سؤالاً سيئاً. أفلا ينبغي أن نحبّ كلّ كلمة الله بصورة متساوية؟ ثمّ فكّرتُ أنّني ينبغي أن أتعاون مع طارح السؤال، فسألتُ نفسي عن السِّفر الذي عادةً ما ألجأ إليه وأتمتَّع به. وأدركتُ أنّ الجواب كان سهلًا. ففي السنوات الأخيرة كان هذا السفر هو سفر المزامير.
آمنتُ بالمسيح حين كنتُ في الصفوف الأولى من المرحلة الثّانوية من خلال خدمة كنيسة كانت تُرنم، بصورة أساسيّة،. وهكذا، لسنواتٍ كثيرة عشتُ مع المزامير، وعرفتُ بعض الأمور عنها. ولكنْ في السنوات الأخيرة فقط اكتشفتُ أنّها جذّابة وفاتنة.
جذبتني عدّة سمات لسفر المزامير. السّمة الأولى هي جمال اللغة والتعبير الشعري عن حقائق الإيمان العظيمة. فكِّر بهذه الكلمات البسيطة: "الرَّبُّ رَاعِيَّ" (مزمور 23: 1). يا للتعزية العظيمة التي أتت بها هذه الكلمات لنفوسٍ كثيرةٍ جدًّا في حالة ضيق أو اكتئاب! أو فكِّر بوعود الله بالفداء في المزمور 103: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ، الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ، الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ، الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ، الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ، الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ." أو تأمَّل بالصورة المثيرة والمؤثِّرة للمشاعر عن تذكُّر الله لألمنا: "اجْعَلْ أَنْتَ دُمُوعِي فِي زِقِّكَ" (مزمور 56: 8).
الناحية الجاذبة الأخرى هي اكتشاف أنّك كلّما بحثتَ وفتّشت في سفر المزامير تكتشف المزيد. ومثل كلّ الشعر العظيم، يشبه سفر المزامير منجمًا له أعماق جديدة دائمًا ويحتوي مزيدًا من الذهب لاكتشافه. وتكافئ المزامير بغنى أيَّ جهدٍ نبذله لنعرفها بصورة أفضل.
ثالثًا، هناك مزامير لكلّ المناسبات. طبعًا لا تُشير المزامير بصورة مباشرة إلى كلّ المناسبات التي لها بطاقات جاهزة. ولكنّها تُشير إلى كلّ اللحظات الروحيّة المُهمّة والعواطف المثيرة في حياة شعب الله. وكما قال جون كالڤن: "اعتدتُ على أن أدعو هذا السفر ’ تشريح كلّ جوانب النفس، ‘ ولا أظنّ أنَّ هذه التّسمية غير مناسبة؛ فليس من عاطفة يدرِكها الإنسان ويختبرها ليست ممثَّلةً في سفر المزامير كما في مرآة." تعلِّمنا المزامير كيف نعبِّر عن مشاعرنا إلى الله في كلّ ظروف حياتنا.
رابعًا، تزخر المزامير بالحديث عن المسيح. فهي لا تتنبَّأ بمجيء المسيح بوضوح فحسب (مثل المزامير 2 و22 و110)، بل تجذب رسالة المزامير النفس الى المسيح وإلى عمله الخلاصي العظيم. وكما كان يُقال في الكنيسة الأولى: "مزمور في الفمّ دائمًا، ويكون المسيح في القلب دائمًا" (semper in ore psalmus, semper in corde Christus). فالمزامير تعزِّز شركتنا مع المسيح.
ما اكتشفتُه في المزامير كان معروفًا بصورة جيّدة لكثيرين عبر تاريخ الكنيسة. فعبر التّاريخ، كان مسيحيّون كثيرون في أماكن كثيرة يحبّونه ويرونه كنزًا ثمينًا. في العصور القديمة والعصور الوسطى كانت المزامير تُدرَس وتُرنَّم بصورة متكرِّرة، خاصّة من الرهبان. وقال أثناسيوس الكبير (296-373 م): "أومن أنّ الإنسان لا يستطيع أن يجد ما هو أمجد من هذه المزامير، لأنّها تشمل كلّ حياة الإنسان، وكلّ عواطف ذهنه، وكلّ إماءات نفسه. فلكي يسبِّحَ الإنسانُ اللهَ ويمجّده، يستطيع أن يختار مزمور مناسبًا لكلّ مناسبة، وهكذا سيجد أنّها مكتوبة له." وفي حركة الإصلاح، عنت استعادة الكتاب المُقدَّس لكلّ شعب الكنيسة استعادةَ سفر المزامير أيضًا. فكان لوثر قد تعلَّم المزامير في وقتٍ مبكِّر من فترة رهبانيّته، واستمرّ يحبُّها. وقد دعا سفر المزامير "كتابًا مُقدَّسًا صغيرًا"، إذ قال: "يجب أن يكون المزامير سفرًا ثمينًا ومحبوبًا، على الأقلّ لسبب واحد هو: إنّه يعِد بموت المسيح وقيامته بوضوحٍ شديد، ويصوِّر ملكوته وحالة العالم المسيحي وطبيعته، حتّى إنّه يجوز أن يُدعى كتابًا مُقدَّسًا صغيرًا."
"فيه يُفهَم كلّ ما في كامل الكتاب المُقدَّس بصورة جميلة ومختصرة." وسط المُصلَحين، نُظِم سفر المزامير شعرًا واستُخدِم ككتاب ترانيم الكنيسة. كان أولئك الكلڤينيّون الأوائل يتمتَّعون بالقدرة على أن ينطقوا بكلمات الله بشفاههم لتسبيحه. وقد عبَّر جون كالڤن، الذي أشرف على نظم كامل سفر المزامير شعرًا لترنيمه، عن حماسه لسفر المزامير وحبّه له بالكلمات التّالية: "لكون دعوة الله إحدى الوسائل الرّئيسيّة لضمان شعورنا بالأمان، فإنّا لا نستطيع أن نجد قاعدةً أفضل، ولا تخطئ، لإرشادنا في هذا التدريب الروحي (الصلاة) إلا في المزامير. وينتج عن ذلك أنّ معرفته بأهمّ جزء من العقيدة السّماوية ستكون متناسبة مع درجة البراعة التي يمتلكها الإنسان في فهم المزامير."
أتباع كالڤن شاركوه في قناعته بشأن قيمة سفر المزامير. ويمكننا أن نرى هذا بوضوح، مثلًا، في اختبار الكلڤينيّين الفرنسيّين، الذين يُعرَفون باسم "الهوغونوتيين". وكما كتب برنارد كوتريت (Bernard Cottret): "كان سفر المزامير هو الإصلاحَ الفرنسي." أحبّ هؤلاء البروتستانت الفرنسيّون، في أواسط القرن السادس عشر، المزاميرَ ورنّموها بحماس، حتّى وهم في طريقهم على الموت شهداءَ.
وجد الهوغونوتيون الفرنسيون في نسخة سفر المزامير المنظوم ترانيم "أمدّتْ تقوى كالڤن بقوّة شعريّة." هذه الترجمات الشّعريّة للمزامير المنظومة لغرض الترنيم في القرن السادس عشر ساعدت الكنيسة مرّةً أخرى في رؤية قوة سفر المزامير وصِلته بالحياة.
ولكنّ المزامير كانت أكثر من سبب إلهامٍ وتعزية للمؤمنين المُصلَحين. بل وكانت المزامير أكثر من مجرَّد طريقة للتعبير عن فرحهم وأحزانهم لله باستخدام كلمات الله. فقد شرح سفر المزامير الحياة التي عاشوها في علاقتهم مع الأشرار الذين قاوموهم ومع الله الذي سندهم. وإذ كانوا شعب الله عاشوا بالمزامير.
هذا المقال مأخوذ بتصرُّف من كتاب "تعلَّم أنْ تحبّ المزامير" (Learning to Love the Psalms) بقلم و. روبرت جودفري