تحطيمُ إدمانِنا على الثرثرة
۲۹ أغسطس ۲۰۲۳أهميّة تعدّد الشيوخ
۳۱ أغسطس ۲۰۲۳الدعوة والمسيحيّ
ملاحظة المُحرِّر: المقالة [الثامن عشر ] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.
يوضّح الكتاب المقدّس أنّه ينبغي على المسيحيّين أنْ يكونوا ملحَ العالم ونورَه. ولكن، كيف بالضبط نُصبح كذلك؟
على الرغم من أنّ خلاصَنا ليس بالأعمال الصالحة، إلّا أنّ الكتابَ المقدّس يُعلّمنا أنَّ الله يتوقّع من المسيحيّين القيام بها. ما الذي يريدنا أنْ نفعلَه بالضبط، وأين يريدُنا أنْ نفعلَ ذلك؟ بحسب الكتاب المقدّس، الله، بعنايته الإلهيّة، يسودُ ويعتني بكامل خليقته. كيف نرى ذلك يحدث في المجتمعات البشريّة، بالنظر إلى حقيقة وجود الخطيئة؟
يواجه المسيحيّون اليوم أيضًا أسئلة أخرى في هذا العالم العلمانيّ جدًّا: هل ينبغي على المسيحيّين الانخراط في السياسة؟ كيف يمكن للمسيحيّين العمل على شفاء الزواج المسيحيّ؟ كيف ينبغي على الآباء المسيحيّين تربية أولادِهم؟ كيف يمكن للمسيحيّين أنْ يعيشوا إيمانَهم في أماكنَ عملِهم؟ يلعبُ أحدَ المواضيع المركزيّة للإصلاح دورًا مُهمًّا في الإجابة عن هذه الأسئلة، وهو عقيدة الدعوة.
اسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دُعيتم بها
كما حدثَ مع المصطلحات اللاهوتيّة الأخرى، تمّ تحويل كلمة "دعوة" إلى لغة دنيويّة، وأعطيَت معنى محدودًا جدًّا، وأصبحت كلمة مرادفة للوظيفة أو المهنة. لقد امتصّ المسيحيّون أيضًا هذا المعنى العلمانيّ للكلمة، لذلك غالبًا ما يُفترض أنّ عقيدةَ الدعوة لها علاقة بكيفيّة تمجيد المسيحيّين لله في إطار عَمَلِهم.
يتضمّن المفهوم اللاهوتيّ ذلك، لكنّ عقيدةَ الدعوة - كما طوّرها مارتن لوثر وجون كالفن والبيورتانيّون وعلماء عصر الإصلاح الآخرون، هي أكثر من ذلك بكثير. إنّه لاهوت الحياة المسيحيّة أو، بعبارة أخرى، لاهوت كيفية السلوك في العالم.
هذه الكلمة تعني بكلّ بساطة "دعوة،" لذلك، فإنّ المقاطع التي تستخدمُ هذا المُصطلح تعلّمنا عن الدعوة. مثلًا، استخدم بولس في 1 كورنثوس 7 كلمات مُختلفة مُشتقّة من "الدعوة"، وبلغت ذروتَها في هذا النصّ المفتاح: "غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَسَمَ ٱللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ، كَمَا دَعَا ٱلرَّبُّ كُلَّ وَاحِدٍ، هَكَذَا لِيَسْلُكْ. وَهَكَذَا أَنَا آمُرُ فِي جَمِيعِ ٱلْكَنَائِسِ" (1 كورنثوس 7: 17).
يُخصّص لنا الله حياةً، ثمّ يدعونا إلى تلك الحياة. هذه هي عقيدة الدعوة باختصار. لاحِظْ أنّه لا يذكر شيئًا عن اختيار دعوة أو إيجاد دعوتك الحقيقيّة أو تحقيق ذاتك في دعوتك. قد نختبرُ كلّ ذلك أو نتصارعُ معه، لكنّ الدعوةَ هي في الأساس عملُ الله.
في قرينة الكلام، يتحدّث الرسول بولس في 1 كورنثوس 7 في الغالب عن دعوة الزواج. هل من الأفضل أنْ أتزوّج أم أنْ أبقى أعزبًا؟ ويتناول أيضًا مسألة الهُوّيّة العرقيّة والوطنيّة، سواء كان من الأفضل أنْ تكونَ يهوديًّا أم أمميًّا. كما يعالج مسألةَ النظامِ الاقتصاديّ اليونانيّ الرومانيّ، متسائلًا ما إذا كان يمكن للإنسان أنْ يكونَ مسيحيًّا وعبدًا في الوقت نفسه، وما إذا كان يحقّ له المطالبة بالتحرّر. الدعوة إلى الخلاص هي التي تلوح في الأفق وراء كلّ هذه "الدعوات"، حيث تدعو كلمة الله الأفراد من خلال الإنجيل، وتخلق الإيمانَ في قلوبهم.
وهكذا تعالج هذه المقاطع ما أطلقَ عليه لوثر تسمية "الملكيّات" المختلفة التي صمّمها الله للحياة البشريّة، والتي نجد فيها دعواتنا المتعدّدة: الأسرة والدولة والكنيسة.
في كلّ حالة، بالنسبة إلى كلّ الأسئلة التي طُرحت في 1 كورنثوس 7، فإنّ إجابة بولس عليها هي نفسها: "اسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دُعيتم بها."
ما الذي يُحقّقه الله من خلال حياتك
قد نتساءَل: "ما الذي يفعله الله في حياتي؟" تشجّعنا الدعوة على طرح سؤال آخر: "ماذا يفعل الله من خلال حياتي؟"
الدعوة هي واحدة من الطُرق التي يسود الله بعنايته الإلهيّة على خليقته البشريّة ويعتني بها. إنّه يعطينا خبزَنا اليوميّ من خلال دعوة الفلّاحين، والذين يعملون في الطواحين، والخبّازين (راجع 2 كورنثوس 9: 10). إنّه يحمينا من خلال دعوة السلطات الحاكمة، بما في ذلك الذين "يحملون السيف"، كضبّاط الشرطة والجنود والقضاة (انظر رومية 13: 1-7). إنّه يخلق الأولادَ ويرعاهم من خلال دعوة الآباء والأمّهات (انظر مزمور 127). إنّه يُعلن كلمتَه ويعلّمها من خلال دعوة الخدمة (رومية 10: 14-17).
وصفَ لوثر الدعوة بأنّها "قناعُ الله". فكّر بكلّ الأشخاص الذين يفعلون شيئًا ما من أجلك - الأشخاص الذين بنَوْا منزلَك، وصنعوا ملابسَك، وصنعوا سيّارتَك، ونظّفوا من بعدك، وقدّموا لك وجبات الطعام، وعالجوا أمراضَك، وما إلى ذلك من أمور أخرى. الله موجود بشكلٍ غير مرئيّ وراء هؤلاء الناس العاديّين، وهو الذي يباركك من خلالهم.
أنتَ أيضًا قناعُ الله. إنّه يبارك الآخرين من خلالك، مع أنّك على غير دراية بذلك: يبارك زوجتَك وأطفالَك وزملاءَك وزبائنَك وأخوتك المسيحيّين.
قصد الله من كلّ الدعوات
يريدنا اللهُ أنْ نحبَّه ونحبَّ أقرباءَنا كأنفسِنا (متى 22: 34-40). لذلك، فإنّ القصدَ من كلّ دعوة، سواء كانت في الزواج أو تربية الأولاد أو في مكان العمل أو في بلادنا أو في الكنيسة، هو أنْ نحبّ ونخدم قريبَنا (انظر غلاطية 5: 13-15).
كلّ الدعوات تُدخل القريبَ حياتَنا. يُعطينا الزواجُ شريكَ حياتِنا؛ وتُعطينا تربيةُ الأطفالِ أولادَنا؛ ومكان العمل يُعطينا زملاءَنا وزبائنَنا؛ وبلادنا تُعطينا شركاءَنا في الوطن؛ وكنيستنا تُعطينا أعضاءَ رعيّتنا. هؤلاء هم الأقارب الذين يريدنا الله أنْ نحبَّهم ونخدمَهم. وعندما نفعلُ ذلك، تصبحُ محبّتُنا وخدمتُنا قناةً لمحبّةِ الله وخدمتِه.
إنّه لأمر ثابت أنّنا غالبًا ما نفشل في محبّة القريب، فنحن نستخدمهم أحيانًا، لا بل نسيءُ معاملتهم. وبدلًا من أنْ نقوم بخدمتهم، نطلبُ منهم أنْ يخدمونا. هذا هو أصلُ الصراعات في الزواج، وفي الأعمال التجاريّة، وفي كنائسنا. هذا يعني أنّنا نرتكب الخطيئة في دعواتنا. قد يستمرّ الله في العمل من خلالنا، لكنّنا في الواقع نقوم بمحاربته.
يجب أنْ نعترفَ بهذه الخطايا لكي ننالَ المغفرةَ ونصحّحَ الأمور. عندما نفعل ذلك، ننمو في الإيمان والمحبّة. التقديس موجود أيضًا في الدعوة.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.