القلب والفكر
۲٤ أغسطس ۲۰۲۳الدعوة والمسيحيّ
۳۰ أغسطس ۲۰۲۳تحطيمُ إدمانِنا على الثرثرة
ملاحظة المُحرِّر: المقالة [السابع عشر] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.
وُجِّهَ لصديقٍ مقرّب لي منذ المدرسة الثانويّة تُهمةَ النشلِ من أحدِ المتاجر. لم يُتّهم بشكل رسميّ، لكنّ الشائعات كانت كفيلة بنشر اتّهامات غير رسميّة في جميع أنحاءِ البلدة الصغيرة. على الرغم من إنكارِه لتلك الاتّهامات، كان السكّان المحليّون بثرثرتهم يعتبرونه مُذنبًا. بعدَ أشهر عدّة، تمّ القبض على الجاني الحقيقيّ بهدوء، من دون تقديم أيّ اعتذار شخصيّ أو علنيّ له عن هذه الاتّهامات الباطلة. استمرّ معظم سكّان ذلك المجتمع بالاعتقاد أنّ صديقي مذنبٌ، على الرغم من ثبوت براءَته.
نجد في كلّ الكتاب المقدّس تحذيرات من خطايا ومخاطرَ النميمة والثرثرة، وهما ليستا بالخطيئتَيْن البسيطتَيْن. كتبَ بولس بلهجة قويّة عن فساد البشريّة في رومية 1: 28-31 قائلًا"
"وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لَا يَلِيقُ، مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ لِلهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، بِلَا فَهْمٍ وَلَا عَهْدٍ وَلَا حُنُوٍّ وَلَا رِضًى وَلَا رَحْمَةٍ."
يتحدّث بولس وسطَ حديثِه عن الشرّ والقتل والعنف وكُره الله، عن النميمة والثرثرة. ولا يُعتبر هذان الفعلان الخبيثان إثمًا في نظر الله. لكنّنا نرى النميمة، وبشكل خاصّ الثرثرة، تُمارسان بحريّة بشكل يوميّ، كما لو كنّا نمتلك ترخيصًا لارتكاب شرّ مثل هذا.
ما هي النميمة إذن، وكيف تختلف عن الثرثرة؟ النميمة هي إصدار بيان كاذب يُسيء إلى سمعةِ شخص ما. أمّا الثرثرةُ، فهي كلام باطل قد يكون أو لا يكون صحيحًا. نُقدّم أحيانًا أعذارًا عن ثرثرتنا بحيث نزعم أنّنا نكرّر فقط أمورًا نعرف أنّها صحيحة. الثرثرة هي مشاركة معلومات لا ينبغي علينا مشاركتها. قد تكون هذه المعلومات مُثيرة، لكنّها ليست مفيدة للأشخاص الذين نشاركهم بها. الكلمة اليونانيّة المترجمة إلى "ثرثرة" تعني "همس." نحن نهمسُ عندما نثرثرُ، لأنّ المعلومات التي نشاركُها عن شخصٍ آخر قد تكون حميمة، أو شخصيّة جدًّا، أو جارحة. بالعادة، الثرثرةُ هي أخبارٌ لا نريد أحدًا أنْ يشاركَها إنْ كانت أخبارٌ تتعلّق بنا.
ما الخيرُ الذي يُمكن تحقيقه من المعلومات التي أنا على وشك مشاركتِها مع الآخرين؟
الثرثرة هي وسيلة لهدّ الآخرين بهدفِ تمجيدِ أنفسِنا. نثرثرُ باستخدام معلومات "حقيقيّة" لتشويه سمعة الأشخاص الذين لا نحبّهم: "لقد سبق وأخبرتك أيّ نوع من الأشخاص هو." نستخدمُ الثرثرةَ لتبرير مواقِفِنا: "كما ترى، هذا يؤكّد صِحّةَ ما قلتُهُ لكَ." نثرثرُ لنكونَ مصدرًا لمعلومات مُهمّة لا يمكن دحضَها. نريد أنْ نكونَ أوّل من يتميّز بمشاركة أحدث الأخبار بين مجموعة أصدقائنا. بغضِّ النظرِ عن أهدافِنا، يقولُ اللهُ عن هذا إنّه خطيئة رهيبة مُدرَجة بين ما نعتبره من أشرّ الشرور. أشكر الله من أجل مُحرّري "تايبلتوك" لأنّهم طلبوا منّي أنْ أكتبَ عن هذا الموضوع، فدراستي ذكّرتني بذنبي الشخصيّ حين كنتُ أنغمسُ في كثير من الأحيان في هذا الفنّ المظلم الذي كان فيه لساني يخدم لتحقيق أغراضٍ شيطانيّة.
إذن، كيف نحمي أنفسَنا من هذه الخطيئة الغادرة؟ ماذا ينبغي أنْ نفعلَ عندما نسمع ثرثرة؟ ما الذي ينبغي علينا فعله لئلّا نُصبحَ قناةً للثرثرة؟
يجب أنْ نسعى أوّلًا لمعرفة مدى حقيقة ما وردَ إلى مسامعِنا. إنْ لم يكن ذلك الخبرُ صحيحًا، وقُمنا بتكرارِه، يتضاعفُ ذنبُنا ويتحوّل إلى نميمة. إنْ كان الخبرُ صحيحًا، فيمكننا أنْ نصبحَ قناةَ نعمةٍ للشخص الذي أخطأ، أو قناةَ تعزيةٍ للذي أُسيءَ إليه. إنْ كان الخبرُ غير صحيح، عندها ينبغي علينا أنْ نتحدّث إلى الشخص الذي نقلَ إلينا الخبرَ الكاذب. لا ينبغي أبدًا لهدفِ البحثِ عن الحقيقة أنْ يكونَ نقلَ الثرثرة بضمير صالح.
ثانيًا، علينا أنْ نطرحَ على أنفسِنا هذا السؤال: "هل كلامنا سبب بَرَكَةٍ للذين من حولنا؟ هل تُعزّز كلماتُنا الراحة والشفاء والسلام؟" قال كاتب سفر الأمثال: "اَلْكَلَامُ ٱلْحَسَنُ شَهْدُ عَسَلٍ، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَامِ" (16: 24). يجب أنْ نسمحَ للروح القدس أنْ يملأَ أحاديثَنا اليوميّة بالحبّ والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والأمانة والوداعة - وليس بالثرثرة. هذا يعني أنْ نطرحَ على أنفسِنا عدّة أسئلة مُهمّة قبل أنْ نتفوّهَ بالكلام. ما الخيرُ الذي يُمكن تحقيقه من المعلومات التي أنا على وشكِ مشاركتِها مع الآخرين؟ هل من الأفضل لها أنْ تبقى سرّيّة؟ كيف تعكسُ مشاركة هذه المعلومات مصداقيّتي الشخصيّة؟
بعد كتابتي لهذه الكلمات، أشعرُ بإغراءٍ أنْ أقولَ: "سأقطع نذرًا بالصمت كنذرِ الرهبان." لكن نذرًا مثل هذا سيُثنيني عن مشاركة كلمات العون والراحة والشفاء والتحذير. نعم، كلماتُ التنبيه أو التحذير هي أحيانًا تجاوبٌ ضروريّ ومقدّس. لقد تعرّض مسيحيّون لضررٍ كبير بسبب نواياهم الحسنة عندما أحجموا عن تقديم معلوماتٍ ضروريّة في مواقفَ حَرِجة. كان عليهم أنْ يقولوا الحقيقةَ بمحبّة لمساعدة المسؤولين على اتّخاذ القرارات الصحيحة. لكنّهم فضّلوا الصمتَ خوفًا من مشاركة معلومات سلبيّة. يُطلب منّا أحيانًا تقييمَ مجموعة ما أو شخص ما. سوف تستندُ القرارات المهمّة على الشهادة التي يُطلب منّا تقديمها. لا تُعتبر تقييمات مثل هذه ثرثرة. يمكن أنْ يؤدّي الفشلُ في مشاركة الحقيقة في تلك المواقف إلى عواقب وخيمة لا تُحمدُ عُقباها.
أيّها القارئ العزيز، التحكّم في محادثاتِنا ليس بالأمر السهل. ينبغي علينا أنْ نحفظَ غيبًا هذه الكلمات من رسالة يعقوب:
"لِأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَٱلطُّيُورِ وَٱلزَّحَّافَاتِ وَٱلْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ ٱلْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا ٱللِّسَانُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لَا يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا. بِهِ نُبَارِكُ ٱللهَ ٱلْآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ ٱلنَّاسَ ٱلَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ ٱللهِ."
الثرثرةُ تجربةٌ تواجهنا كلّ يوم، ولا يُمكننا الانتصارُ عليها إلّا من خلال تقصّد ذلك بنيّة ثابتة ومركّزة بدعم من الروح القدس. سيكون من المفيد جدًّا أنْ نأخذَ مساهمتنا القليلة في الثرثرة ومشاركتها مع يسوع بالصلاة. عندما نشاركها مع يسوع، نُصبح مستعدّين أنْ نسمعَه يسألُنا: "ألم تَفْعَلُ تِلْكَ ٱلْأُمُورَ بِعَيْنِهَا؟" (انظر رومية 2: 1).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.