القلب والفكر - خدمات ليجونير
الرعاية عبر الصلاة
۲۳ أغسطس ۲۰۲۳
تحطيمُ إدمانِنا على الثرثرة
۲۹ أغسطس ۲۰۲۳
الرعاية عبر الصلاة
۲۳ أغسطس ۲۰۲۳
تحطيمُ إدمانِنا على الثرثرة
۲۹ أغسطس ۲۰۲۳

القلب والفكر

ملاحظة المُحرِّر: المقالة [السادس عشر] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.

عندما تسمع لأوّل مرّة كلمتَي القلب والفكر، ربّما تبدأ تفكّر في الوصية العظمى: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ" (متى 22: 37). يذكّر يسوع مستمعيه هنا، أنّه ينبغي عليهم أنْ يحبّوا الربّ من كلّ كيانهم. يبدو أحيانًا كما لو أنّ هاتَيْن الكلمتَيْن تُستخدمان الواحدة مكان الأخرى، إلّا أنّه بالإمكان تمييزهما عن بعضهما البعض. غالبًا ما تُستخدم النفس لوصف كيان المرء بأكمله والذي سيستمرّ موجودًا إلى الأبد (16: 26). سيكشف بقيّة هذ المقال عن الفروق الدقيقة في الكتاب المقدّس بين الفكر والقلب.

بكلّ بساطة، الفكرُ له علاقة بأفكارنا. والقلبُ يعكس عواطفَنا، أيّ الأمور التي نهتمّ به فعلًا. فيما يختصّ الوصيّة العظمى بأنْ نحبّ الربّ من كلّ القلب والفكر، من الواضح أنّنا بعيدون جدًّا عن هذا المعيار. في الواقع، نحن غير قريبين منه على الإطلاق. يُعلّمنا الكتاب المقدّس أنّ قلوبنا وأذهاننا قد أفسدتها الخطيّة. يُعلّم إرميا أنّ "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟" (ارميا 17: 9). أمّا فيما يختصّ بالفكر، فالكتاب المقدّس يوجز التأثير الفكريّ (noetic) لسقوط الزوجَيْن الأوّلَيْن. تأتي كلمة (noetic) من الكلمة اليونانيّة التي تعني "فكر" (nous). يكتب بولس عن الفكر الساقط: "لِأَنَّ ٱهْتِمَامَ ٱلْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ لِلهِ" (رومية 8: 7).

ومع ذلك، يُخطئ من يظنّ بأنّ القلبَ والفكرَ يعملان بشكل مستقلّ. يُعرّف الكتاب المقدّس القلبَ، عرشَ العاطفة، بأنّه نظام تشغيل كلّ شيء آخر. " فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ ٱحْفَظْ قَلْبَكَ، لِأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ ٱلْحَيَاةِ" (أمثال 4: 23). تَوَجُّه القلب يؤثّر على تفكيرنا وأفعالِنا. لاحظ كيف أنّ الاثنين مرتبطان معًا في تكوين 6: 5: "وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ شَرَّ ٱلْإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي ٱلْأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ." القلب هو مصدر النوايا والأفكار الشرّيرة. يربط بولس الاثنين في أفسس 4: 18 حين قال: "إِذْ هُمْ مُظْلِمُو ٱلْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ ٱللهِ لِسَبَبِ ٱلْجَهْلِ ٱلَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلَاظَةِ قُلُوبِهِمْ." (الخطّ الأسود للتشديد). "مُظلمو الفكر" والجهل هو في قسوة قلوبِهم.

يُشير يسوع إلى الارتباط نفسه عندما يتحدّى أعداءَه كونهم سطحيّين وناموسيّين: " َلْإِنْسَانُ ٱلصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ ٱلصَّالِحِ يُخْرِجُ ٱلصَّلَاحَ، وَٱلْإِنْسَانُ ٱلشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ ٱلشِّرِّيرِ يُخْرِجُ ٱلشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ ٱلْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ" (لوقا 6: 45). يمتدّ هذا الارتباط من القلب إلى كلماتنا وسلوكنا.

هذا هو السبب في أنّك لا تقدر أنْ "تُقنع" شخصًا ما ليدخلَ في الملكوت. نعم، المسيحية منطقيّة وعقلانيّة، لكن لا يمكن رؤية المنطق ولا العقل بدون قلب مُتجدّد. يجب على القلب، الذي هو نظام تشغيل الإنسان، أنْ يتغيّر. هذا هو بالضبط ما وعدَ به الربّ في حزقيال 36: 26: "وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ." عندما نُعطى قلبًا جديدًا، عندها فقط يمكن أنْ تبدأ عمليّة تحويل أفكارنا.

الفكرُ والقلبُ مُشاركان في عمليّة التحوّل هذه. فيما يختصّ الفكر، من الضروريّ معرفة حقائق الإنجيل (notitia). لا يكفي فقط معرفة الحقائق، ولكن يجب على الإنسان أنْ يؤكّدَ حقائق الإنجيل (assensus). من الضروري أيضًا احتضان هذه الحقيقة وقبولها (fiducia). هذا الاحتضان الأخير للحقيقة يجعل القلبَ يشارك في الوصف الكامل للإيمان الذي للخلاص.

هذا كلّه يقودُ إلى توجّهٍ جديدٍ للحياة بأسرها. من هذه النقطة بالذات، نحن مدعوّون لتقوية وتحصين قلوبِنا لله من خلال إشراك عقولنا. نجد في العهد الجديد بعض العبارات المميّزة حول هذا الموضوع. يكتب بولس في رسالته إلى أهل رومية: "وَلَا تُشَاكِلُوا هَذَا ٱلدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللهِ: ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ" (رومية 12: 2). الكلمة المترجمة إلى "تغيّروا" هي التي نحصل منها على كلمة "metamorphosis" أي "تحوّل." عندما نسمع هذه الكلمة، غالبًا ما نفكّر في التحوّل التدريجي الذي يحدُث في تطوّر الفراشة. التشابه معنا هو أنّه يوجد تحوّل تدريجيّ في طريقة تفكيرِنا. لم نَعُد مُلتصقين بالأرض في أفكارنا، لكن ينبغي علينا تطوير منظور جديد يمتدّ من الأفقي ليشمل منظورًا عموديًّا إلهيًّا. عبّر بولس عن ذلك بهذه الطريقة في رسالته إلى أهل كولوسي:

 فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فَٱطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ ٱلْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ ٱللهِ. ٢ ٱهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى ٱلْأَرْضِ، ٣ لِأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فِي ٱللهِ. (كولوسي 3: 1-3)

من المهمّ أنْ ندركَ أنّ سلسلة حُجج بولس لا تهدف إلى إيصال مقاربة " تفكير سماويّ غير صالحٍ للأرض." على العكس من ذلك تمامًا: بالنظر إلى ما قالَه في رومية، نجدُ أنّ تجديد أذهانِنا مُصمَّم لمساعدتنا على "اختبار ما هي إرادة الله الصالحة المرضيّة الكاملة،" مع وجود إشارة ضمنيّة إلى أنّها ستُترجم إلى طريقة حياة تكشف محبّتنا لخالقنا وفادينا. في حين أنّ محبّتنا لن تكون كاملة أبدًا في هذا الجانب من السماء، فقد أعطى روحَه وكلمتَه لإشعال الشُعلة في قلوبِنا وعقولِنا إلى أن نلتقي به.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

تيموثي ويتمر
تيموثي ويتمر
الدكتور تيموثي ويتمر هو راعى كنيسة القديس ستيفن المُصلحة في هولندا الجديدة، بولاية بنسلفانيا. والأستاذ الشرفي للاهوت العملي بكلية وستمنستر للاهوت بمدينة فيلاديلفيا. وهو مؤلف كتاب "مخطط أرض الذهن" (Mindscape)، وكتاب "القائد الراعي" (The Shepherd Leader).