أهميّة تعدّد الشيوخ - خدمات ليجونير
الدعوة والمسيحيّ
۳۰ أغسطس ۲۰۲۳
Simul Justus et Peccator
۵ سبتمبر ۲۰۲۳
الدعوة والمسيحيّ
۳۰ أغسطس ۲۰۲۳
Simul Justus et Peccator
۵ سبتمبر ۲۰۲۳

أهميّة تعدّد الشيوخ

ملاحظة المُحرِّر: المقالة [التاسع عشر] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.

كوني أعيش في ميلانو، فأنا أستمتع بالتنزّه حول الحدود المحيطة بقلعة سفورزا. شُيّد هذا البناء في القرن الخامس عشر، وكان واحدًا من أكبر الحصون في أوروبا لمئات السنين. أسواره الضخمة التي يزيد ارتفاعها عن مائة قدم، تلوح في الأفق فوق الخندق المائي الخارجيّ مثل موجة تسونامي شاهقة من الطوب، ممّا يجعل القلعةَ عمليًّا حصنًا منيعًا. كانت هذه الأسوار في مرحلة ما تُحيط بالمدينة بأكملها، مانحة الحماية لسكّانها من الغزوات وشعورًا بالأمان. في عالم العصور الوسطى، كان من المستحيل تخيّل مدينة بلا أسوار، لأنّها ستكون بلا حماية ومن غير المرجّح أن تكون قادرة على الصمود.

توضّح الأسوار الضخمة لمدينة قديمة حاجةَ الكنيسة إلى تعدّد الشيوخ. تمامًا كما ساهمت الأسوار والبوّابات المحصّنة في حماية مدينة لتزدهرَ حياة سكّانها، كذلك يساعد تعدّد المشرفين الأمناء في الكنيسة على استمرار الحياة في ملكوت الله. الكنيسة التي يكون فيها الراعي الأكبر هو الشيخ الوحيد فيها، أو الذي يتمتّع بسلطة أكبر بين قادتها الآخرين، هي في وضع ضعيف جدًّا، وهي مُعرّضة لمخاطر الاستبداد بالسلطة وفرض الشخصيّة ونشوء النزاعات. يكفي مراقبة مسار العديد من الكنائس الإنجيليّة الهامّة في السنوات الأخيرة لنتأكّد من صحّة ذلك. في معظم الحالات، كان انهيارها النهائيّ ناجمًا بشكل جزئيّ عن نقص في مشاركة السلطة بين مجموعة من الشيوخ.

إليكم على الأقلّ أربعة أسبابٍ كتابيّة وعمليّة وراء ضرورة تعدّد الشيوخ. أوّلًا، هذا يوفّر قدرًا أكبر من المساءَلة في الكنيسة. بحسب الكتاب المقدّس، المؤمنون مُحاسبون على عقيدتهم وحياتهم. يجب أنْ يتوافقَ ما يؤمنون به، وطريقة سلوكهم، مع الكتاب المقدّس. يتحمّل شيوخ الكنيسة المحليّة مسؤوليّة عظيمة في مُحاسبة أعضاء الرعيّة. يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيّين: "أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا، لِأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لِأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، لَا آنِّينَ، لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ" (عبرانيّين ١٣: ١٧). لاحظ أنَّ هذه الآية تُشير إلى المُرشدين بصيغة الجمع. المسيحيّون ليسوا مُحاسَبين أمام قائد واحد فقط. عوضًا عن ذلك، يهتمّ المسيح بكنيستِه من خلال مجموعة كبيرة من الشيوخ. تساعدُ هذه المسؤوليّة المشتركة على حماية الرعيّة من التعرّض إلى الإساءَة الروحيّة والتنمّر، أمران يُمكن أنْ يحدثا بسهولة أكبر في كنيسة حيث تكون مساءَلة الجميع أمام رجلٍ واحد.

تساعدُ هذه المسؤوليّة المشتركة على حماية الرعيّة من الإساءَة الروحيّة والتنمّر، أمران يُمكن أنْ يحدثا بسهولة أكبر في كنيسة حيث تكون مساءَلة الجميع أمام رجل واحد.

أضف إلى ذلك أنّ الراعي نفسَه مسؤول أيضًا أمام الشيوخ. إنّ النموذج الكتابيّ لحوكمة الكنيسة ليس نظامًا هرميًّا حيث يكون فيه القسّ الأكبر أسقفًا على شيوخ الكنيسة. في العهد الجديد، تُعتبر كلمة "أساقفة" (والتي تُترجم أيضًا إلى "نُظّار") و "شيوخ" كلمات مترادفة. مثلًا، عندما طلب بولس من تيطس أنْ يُقيم "فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا" (تيطس 1: 5)، قدّم له وصفًا بمؤهّلات هؤلاء الشيوخ، داعيًا إياهم بالأساقفة: "لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلْأُسْقُفُ: بِلَا لَوْمٍ" (تيطس 1: 7). هو يستخدم المصطلحَيْن لوصف المنصب نفسه. وفي خطابه الوداعي لقادة الكنيسة في أفسس أيضًا، "ٱسْتَدْعَى قُسُوسَ ٱلْكَنِيسَةِ" (أعمال الرسل 20: 17). ثمّ خاطبهم بصفتهم "نُظارًا" أو "أساقفة" لكنيسة الله (أعمال الرسل 20: 28). لا تُستخدم هذه المصطلحات في الكتاب المقدّس لوصف اختلاف مراتب السلطة، أو لوصف قائد واحد يحكم الكنيسة بمفرده. هذا يعني أنّ الراعي يخدم الرعيّة جنبًا إلى جنب مع الشيوخ الحاكمين وليس فوقهم. هو نفسُه شيخ يخدم "فِي ٱلْكَلِمَةِ وَٱلتَّعْلِيمِ" (1 تيموثاوس 5: 17). على الرغم من أنّه تلقّى تدريبًا كتابيًّا، ويتمتّع بمواهب روحيّة ليكون مُفصّلًا كلمة الحقّ بالاستقامة، لا يُعتبر صوتُه أكثر أهميّة من أصوات الشيوخ الآخرين؛ ولا يمتلك حقّ النقض (الفيتو) على إجماع وتوافق المجموعة. ينبغي عليه أنْ يعملَ بانسجام مع الشيوخ الآخرين، ويحترمَ قيادتهم، ويخضعَ لحِكْمَتِهم كمجموعة. لا يوجد مكان في الكنيسة يتسلّط فيه قائد على آخر. "الزعيم" الوحيد في الكنيسة هو الربّ يسوع المسيح، لأنّه هو وحده رأس الجسد (أفسس 1: 20-22).

ثانيًا، يوفّر تعدّد الشيوخ فرصة أكبر للكنيسة لكي تحقّق نجاح مهمّتها. أعطى يسوع الكنيسة قبل صعوده إلى السماء أمره بالتقدّم:

"دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلْأَرْضِ، فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ." (متى 28: 18-20)

بحسب ربّنا، إنّ الهدفَ من خدمة الكنيسة هو صنع التلاميذ، والوسيلة لتحقيق ذلك هي عن طريق خدمة الكلمة وخدمة الأسرار في الكنيسة المحليّة. هكذا اختار المسيح أنْ يجمعَ شعبه المفديّ، ويقبلَ عبادَتَهم، وينمّي إيمانَهم، ويربطهم كمجتمع متجذّر ومتأسّس في المحبة (رومية 12؛ أفسس 4؛ فيلبي 1: 27-2: 11).

مع ذلك، لا شيء من هذا ممكن بدون وجود تعدّد للشيوخ في الكنيسة المحليّة. لا تعتمدُ خدمةُ الكلمة على خادم الكلمة وحدِه. عيّن الرسلُ شيوخًا بهدف الإشراف على الرعيّة (أعمال الرسل 14: 21-23؛ انظر فيلبي 1: 1؛ يعقوب 5: 14) وعيّنوا شمامسة لخدمة الجسد بالرحمة (أعمال الرسل 6: 1-7). من دون هؤلاء الأشخاص الذين يؤدّون أدوارهم المعيّنة من الله، لا يمكن للراعي أنْ يبقى مُكرّسًا للصلاة والوعظ والتعليم، بل سيغرق لا محالة في الشؤون الإداريّة، ويشارك في المهام التي هي بحقّ من مسؤوليّة الشيوخ والشمامسة. والأسوأ من ذلك أنّه سيخاطر بتعريف مهمّة الكنيسة بما يتّفق مع رؤيته الخاصّة، وبناء الخدمة حول موهبته وشخصيّته. عندما تحدث هذه الأشياء، تُصبح العواقب الروحيّة كارثيّة. ولكن، عندما تنعم الكنيسة بِبَرَكَة تعدّد المسؤولين الأمناء، ستكون النتائج وافرة: "وَكَانَتْ كَلِمَةُ ٱللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ ٱلتَّلَامِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا" (أعمال الرسل 6: 7).

إنّ تعدّد الشيوخ يوفّر للكنيسة رعاية رعويّة أعظم عن طريق إدخال رجال يتمتّعون بمواهب مُختلفة إلى قيادة الكنيسة، حتّى يتسنّى لهم إكمال نقاط قوّة الراعي، والتعويض عن نقاط ضعفه.

ثالثًا، يساهم تعدّد الشيوخ بمحافظة أعظم على الحقّ. حثّ الرسول بولس شيوخ أفسس قائلًا لهم:

"اِحْتَرِزُوا إِذًا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي أَقَامَكُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ ٱللهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ، لِأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذَهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لَا تُشْفِقُ عَلَى ٱلرَّعِيَّةِ... يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ. لِذَلِكَ ٱسْهَرُوا." (أعمال الرسل 20: 28-31)

من مسؤوليّة الشيوخ المحافظة على نقاء الكلمة والأسرار في الكنيسة المحليّة. ينبغي عليهم أنْ يكونوا مُجتهدين في حراسة الإنجيل حتّى يتمكّن كلّ جيل من اكتشافه من جديد. نعيش في زمن "لَا يَحْتَمِلُونَ فِيهِ ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ ٱلْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ" (2 تيموثاوس 4: 3). ستُساهم مجموعة الشيوخ في الكنيسة المحليّة على ضمان بقاء أعضاء الرعيّة مستقيمين عقائديًّا، لئلّا ينجرفوا في مباحثات لاهوتيّة وآراء شخصيّة لقائد واحد. كما هو مكتوب في سفر الأمثال: "أَمَّا ٱلْخَلَاصُ فَبِكَثْرَةِ ٱلْمُشِيرِينَ" (أمثال 11: 14).

رابعًا، يوفّر تعدّد الشيوخ رعاية أكبر لكنيسة المسيح. في العهد القديم، تمّ تعيين عدد كبير من الشيوخ لمساعدة موسى في رعاية شعب الله. أعطى الربّ نصيبًا من الروح الذي كان على موسى لسبعين شيخًا بهدف مساعدته في حمل هذا العبء (سفر العدد 11: 16-17). وبالطريقة نفسها، يتقاسم الشيوخ في كنيسة العهد الجديد مسؤوليّة الرعاية مع الخادم. كتب بطرس: "أَطْلُبُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ... ٱرْعَوْا رَعِيَّةَ ٱللهِ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا" (1 بطرس 5: 1-2). يفعل الشيوخ ذلك بطرق عمليّة متنوّعة، فهم يرعون الرعيّة من خلال الزيارات العائليّة والتأديب الكتابيّ. كما يساعدون في التنشئة الدينيّة لشبيبة الكنيسة، ويشجّعون بقوّة على خدمة الكرازة والعمل المُرسلي. يقدّمون المشورة الكتابيّة، ويساعدون في خدمة المرضى والذين هم على فراش الموت. باختصار، إنّهم يتأكّدون من أنّ الرعيّة تتمتّع بصحّة جيّدة، وأنّه يتمّ الاهتمام بكلّ شؤون الكنيسة بطريقة لائقة وبترتيب جيّد. لا يُمكن لإنسانٍ واحدٍ أنْ يمتلكَ كلّ المواهب الضروريّة لبناء الكنيسة. إنّ تعدّدية الشيوخ يضمن للرعيّة الحصول على رعاية أكبر من خلال ضمّ رجال بمواهب مختلفة إلى قيادة الكنيسة، لكي يتمكّنوا من تتميم نقاط قوّة الراعي، والتعويض عن نقاط ضعفه.

بصفتي راعيًا، أنا ممتنّ للربّ من أجل الشيوخ الكثيرين الأتقياء الذين خدمت معهم على مدار العشرين سنة الماضية، في الولايات المتّحدة وإيطاليا. أنا ممتنّ للطرق التي استخدموها لمساءَلتي عن عقائدي وسلوكيّاتي، وكانوا يتمتّعون بالمحبّة والشجاعة لتصحيحي عندما كنت بحاجة إلى ذلك. أنا ممتنّ لالتزامهم بمَهمّة الكنيسة، ولتذكيرهم الدائم لي بأنّ المسألة تتعلّق بإعلان المسيح من خلال وسائل النعمة العاديّة. أنا ممتنّ لإخلاصهم للإنجيل ولاعترافات الكنيسة المُصلَحة، الأمر الذي ساعدني على البقاء مُستقيمًا من الناحية اللاهوتيّة، وألّا أفقد تركيزي على يسوع. أنا ممتنّ لاستعدادهم لاستخدام مواهبهم في رعاية الكنيسة وصحّتها، مُقدّمين مثالًا للقيادة الخادمة المتشبّهة بالمسيح. بحسب الوعد الكتابيّ، عندما يظهر رئيس الرعاة، سينالون "إِكْلِيلَ ٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي لَا يَبْلَى" (1بطرس 5: 4). حتّى ذلك الحين، رجائي أنْ يستمرَّ الملكُ يسوع في تعزيز أسوار مملكته في كلّ كنيسة محليّة من خلال تعدّد الشيوخ الأمناء.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مايكل ج. براون
مايكل ج. براون
القسّ مايكل ج. براون هو راعي كنيسة Chiesa Riformata Filadelfia في ميلانو، إيطاليا، وهو مُرسل مع إرساليّة URCNA. ألّف وساهم في كتابة العديد من الكتب، بما في ذلك Sacred Bond: Covenant Theology Explored, Christ and the Condition, و a commentary on 2 Timothy in the Lectio Continua series.