أزمة عدم الاستماع
۱۰ فبراير ۲۰۲۱لا تُكيِّف ضميرك ليناسب الثقافة
۱۲ فبراير ۲۰۲۱ملء الفرح
"كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ" (يوحنا 2: 15).
ليس لدي إبهام أخضر لكوني لا أشتغل في الزراعة ومعرفتي البستانيَّة بدائيَّة جدًا. ومع ذلك، لدي خبرة مع الورود النامية، وتعلَّمت أنه بعد أن تبدأ الأزهار في الاضمحلال، يجب قطعها عند نقطة معينة من الساق. إذا كنت مجتهدًا في تقليم الجوانب الميتة من الشجيرة، فستصبح الأزهار أكثر تألُّقًا بمرور الوقت. تبدو تلك العمليَّة غير بديهيَّة بالنسبة لي؛ فكنت أظن أنه بقطع جزء من الشجيرة سأقوم بإلحاق الضرر بها أو حتى تدميرها. لكن عمليَّة التقليم تركِّز على العناصر الغذائيَّة في الشجيرة، مما يجعلها تؤتي ثمارها باستمرار. هذه العمليَّة مهمة بشكلٍ خاص في رعاية شجر العنب، وهي الكرمة التي تظهر في الاستعارة التي استخدمها الرب يسوع.
قال الرب يسوع: "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (آية 3). هنا خاطب تلاميذه، والمؤمنين، وأولئك الذين تمتَّعوا بالفعل بشركة معه وكانت لهم علاقة خلاصيَّة معه. قال إنهم بالفعل "أَنْقِيَاءُ". ثم أضاف: "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ" (آية 4).
ماذا يحدث للأغصان التي يتم تقليمها من شجرة أو شجيرة؟ بعد أن يتم قطعها، تذبل وتموت. فهي قد انقطعت عن إمدادات حياتها. ومن الواضح أن مثل هذه الأغصان الميتة لن تنتج أي ثمار. فهي عاجزة.
في أحد الأيام، أثناء طهي الطعام في منزل أحد أعضاء الكنيسة، اتجه القسيس إلى الشواية ليتحدَّث إلى المُضيف، الذي كان قد توقَّف عن حضور خدمات العبادة الأسبوعيَّة في الكنيسة. وكان القسيس يأمل في تشجيعه على الحضور مرة أخرى. وعندما سأل القسيس الرجل عن سبب توقُّفه عن الحضور، أجاب الرجل: "أنا مسيحي، لكنِّي لا أشعر أنني بحاجةٍ إلى الكنيسة. يمكنني أن أصير جيدًا بمفردي. فأنا شخص مُستقل في طبيعتي. ولا أحتاج إلى الشركة مع الآخرين لتعزيز مسيرتي مع الرب".
وبينما كان القسيس يستمع إلى تفسيرات الرجل، لاحظ أن فحم الشواية كان يتوهَّج باللون الأبيض. ومن دون أن يقول القسيس شيئًا، التقط مجموعة من الملاقط وحرَّك قطعة من الفحم المُتوهِّج بعيدًا عن الأخرين. ثم تابع حديثه مع عضو الكنيسة. ولكن، بعد بضع دقائق، وصل إلى الشواية والتقط الفحم بيده العارية. ثم نظر إلى الرجل وقال: "هل رأيت ما حدث هنا للتو؟ قبل بضع دقائق فقط، لم أكن أجرؤ على لمس هذا الفحم لأنه كان ساخنًا جدًا. ولكن بمجرَّد أن فصلته عن باقي الفحم، توقَّف عن الاحتراق وأصبح باردًا. لم يعد بإمكانه المساعدة في طهي شرائح اللحم على الشواية. هذا ما سيحدث لك. أنت بحاجةٍ إلى جسد المسيح. أنت بحاجةٍ إلى كنيسة المسيح. أنت بحاجةٍ إلى شركة القديسين وتجمُّع شعب الله. نحن لسنا أفرادًا مستقلُّون مدعوون للعيش بمعزلٍ عن الآخرين.
كان ذلك القسيس على حق. إن صحبة المؤمنين الآخرين تحافظ على إيماننا حيويًّا ونشطًا. ولكن إذا بردنا نتيجة الابتعاد عن التواصل مع مؤمنين آخرين، فكم سنذبل أكثر إن أبعدنا أنفسنا من المصدر الحقيقي للقوَّة، وهذا المصدر هو المسيح نفسه؟
هذه هي النقطة التي كان يسوع يُشير إليها هنا. سنكون بلا ثمر ونذبُل روحيًّا إن لم نثبُت في المسيح، الكرمة الحقيقيَّة. إن الكلمة اليونانيَّة المُترجمة "اُثْبُتُوا" هنا هي meno. والتي يمكن ترجمتها إلى "البقاء" أو "المكوث". إن أردنا أن نكون مثمرين، لا يمكننا ببساطة زيارة يسوع بين الحين والآخر. نحن بحاجةٍ للثباتِ فيه.
اسمحوا لي أن أؤكِّد أن يسوع لم يكن يتحدَّث هنا عن فقدان خلاص المرء. هذه مسألة أخرى. لكنَّه كان يُذكِّرنا بأننا عرضة للتيهان، والتوقُّف عن الاستفادة من مصدر قوَّتنا وحيويَّتنا الروحيَّة، وهو المسيح نفسه. لذا، فإن الدرس الذي يريد أن يُعلِّمه لنا هو البقاء بقربه: "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ". ببساطةٍ، كل الجهود التي نبذلها لنكون فرحين، أو مثمرين، أو لتحقيق أي شيء له قيمة في ملكوت الله هي مجرِّد أنشطة بلا جدوى إذا حاولنا القيام بها بقوَّتنا الخاصة. يحتاج المسيحيُّون إلى فهم أنه بدون ارتباط قوي بالمسيح، الذي هو مصدر القوَّة، سنكون غير مثمرين تمامًا.
واصل يسوع قائلًا:
أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ. إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ. بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي. كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي. إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ. كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ". (الآيات 5-11)
لم يشرح يسوع سبب تعليم التلاميذ هذه الأشياء إلا في الآية الأخيرة من هذا النص: "لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ". لاحظ ثلاثة أشياء في هذا التعليم المهم.
أولاً، إن الفرح الذي يُريد يسوع أن يراه فينا هو فرحه. في وقتٍ سابق، تحدَّث يسوع إلى تلاميذه عن السلام، قائلًا: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا" (يوحنا 14: 27). من أين يأتي سلام المسيحي؟ يأتي من المسيح؛ في الواقع، إنه سلامه هو. وبالمثل، فرحه متاح لنا، ويريد أن يراه ثابتٌ فينا.
ثانيًا، يريد يسوع أن يبقى فرحه فينا. فهو يريد أن يكون لدينا فرح دائم، وليس تحوُّلات سريعة لحالتنا بين الفرح والبؤس. إذا أردنا أن نكون فرحين باستمرار، علينا أن نثبت في المسيح.
ثالثًا، يُميِّز يسوع بين فرحه وفرحنا، ويُعبِّر عن الرغبة في أن يكون فرحنا كامل: "وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ". أليس هذا ما نريده؟ لا نريد كأسًا نصف ممتلئ من ثمر الروح. ولا نريد القليل من الفرح. بل نريد كل الفرح الذي خصَّصه الآب لشعبه. إن كمال وملء الفرح هذا يأتي من المسيح. فهو أولًا فرحه الذي يعطيه لنا، ولأننا مرتبطون بالمسيح، فإن هذا الفرح الذي يأتي منه ينمو، ويزداد، ويصبح كاملًا.
أي قارئ لهذا الكلام لم يختبر بعد أعلى مستوى من الفرح المُتاح لشعب الله. فمهما كانت تشعر بالفرح في هذه اللحظة، هناك المزيد من الفرح لتناله. هناك كمال وملء ينتظرنا لأن ثمر الروح ينمو من الكرمة الحقيقيَّة.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.