ملء الفرح
۱۱ فبراير ۲۰۲۱تطبيق الخلاص
۱۲ يونيو ۲۰۲۲لا تُكيِّف ضميرك ليناسب الثقافة
معظمنا على دراية بتصريح مارتن لوثر البطولي في مجمع ورمز عندما تمت دعوته للتراجع. "ما لَمْ تُقْنِعْنِي الْكَلِمَةُ الْمُقَدَّسَةُ، أوِ الْمَنْطِقُ الْواضِحُ، فإِنَّنِي لَنْ أَتراجَعَ! فَإِنَّ ضَمِيرِيَ أَسِيرُ كَلِمَةِ اللهِ، وَالسُّلُوكُ فِي مُخَالَفَةٍ للضَّمِيرِ لَيْسَ صَائِبًا أَو آمِنًا. هُنَا أَقِفُ. لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ آخَرُ! وَلْيُعِنِّي اللهُ".
اليوم، نادرًا ما نسمع أي كلام عن الضمير. ومع ذلك، عبر تاريخ الكنيسة، تحدَّث أفضل المفكرين المسيحيِّين عن الضمير بشكلٍ منتظم. قال توما الأكويني إن الضمير هو الصوت الداخلي المُعطَى من الله والذي إمَّا أن يتَّهمنا أو يعذرنا فيما يتعلَّق بما نفعله. تحدَّث جون كالفن عن "الحس الإلهي" الذي يضعه الله في كلِّ شخص، وجزء من هذا الحس الإلهي هو الضمير. وعندما ننتقل إلى الكتاب المُقدَّس، نجد أن ضمائرنا هي أحد جوانب إعلان الله لنا.
عندما نتحدَّث عن إعلان الله، فإننا نُميِّز بين الإعلان العام والإعلان الخاص. يشير الإعلان الخاص إلى تلك المعلومات المُعطاة لنا في كلمة الله. لا يمتلك كل إنسان في العالم هذه المعلومات. استفاد مَن سمعوه من معرفة معلومات محدَّدة عن الله وخطته للفداء.
يُشير الإعلان العام إلى الإعلان الذي يعطيه الله لكل إنسانٍ على وجه الأرض. إنه عام بمعنى أنه لا يقتصر على مجموعة معينة من الأشخاص. إنه عالمي ويمتد ليشمل كل إنسان. المستمعون هم العامة، والمعلومات المُقدَّمة عامة أيضًا. ليس فيه نفس المستوى من التفاصيل التي في الكتاب المُقدَّس.
يجب علينا أن نُميِّز أيضًا في سياق الإعلان العام بين الإعلان العام غير المباشر والإعلان العام المباشر. يشير الإعلان العام غير المباشر إلى الإعلان الذي يقدِّمه الله من خلال وسيلة خارجيَّة. الوسيلة هي الخليقة، حيث فيها يعلن الله شيئًا عن طبيعته. يتناول بولس هذه الفكرة بشكلٍ خاص في رسالة رومية 1، وهي أن الإعلان العام الذي يتم بواسطة الخليقة واضح جدًا لدرجة أن كل شخص يعرف أن الله موجود، وبالتالي فهو بلا عذر.
الإعلان العام المباشر هو الإعلان الذي ينتقل إلى كل إنسان بدون وسيلة خارجيَّة. إنه داخلي وليس خارجي. إنه الإعلان الذي غرسه الله في نفس كل إنسان. أعلن الله شريعته في ذهن كل إنسان عن طريق غرس ضمير داخل كل واحد منَّا.
ومع ذلك، فإننا نواجه مشكلة: الضمير مرن. إنه ليس ثابت. يُكيِّف جميع الناس تقريبًا ضمائرهم بين الطفولة والبلوغ، ويكون التعديل غالبًا مُنحدرًا لأسفل. أي أننا نتعلَّم كيف نُخفض صوت ضميرنا، ونجري التعديلات اللازمة حتى تتوافق أخلاقيَّاتنا مع الطريقة التي نريد أن نعيش بها وليس مع الطريقة التي يخبرنا بها الله أنه يجب علينا أن نعيش.
هذا لا يعني أن الأطفال بلا خطيَّة. حتى الأطفال الصغار لديهم أذهان خاطئة، لكن الكتاب المُقدَّس يعترف بأن درجة الشر الموجود عند الأطفال الصغار تختلف بشكل مُميَّز عن درجة الشر التي تظهر عند البالغين. لذلك، يقول بولس: "كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ، وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ" (1 كورنثوس 14: 20). أدرك بولس أن خطايا الطفل ليست بشعة مثل خطايا الأشخاص الناضجين. في مرحلة ما أثناء نمونا، تزداد خطورة خطايانا. كُوِيَت ضمائرنا حين بدأنا في قبول تلك الأشياء التي اعتقدنا كأطفالٍ أنها غير مقبولة.
منذ ما يقرب من خمسين عامًا، نُشر كتاب ذائع الصيت بعنوان غريب — العاهرة السعيدة (The Happy Hooker)، بقلم زافيرا هولاندر (Xaviera Hollander)، وهي عاهرة. سعت هولاندر إلى إسكات الناس الذين يعتقدون أنه لا توجد عاهرة في أمريكا يمكن أن تجد البهجة فيما تفعله. في كتابها، تحتفل هولاندر بالبهجة التي عاشتها في مهنتها، قائلة إنها لم تشعر أبدًا بالذنب بشأن ما كانت تفعله. من المؤكَّد أن هولاندر قالت، في المرة الأولى التي مارست فيها الدعارة، أنها شعرت بآلام الذنب. لكن بمرور الوقت، وصلت إلى المرحلة التي شعرت فيها بالذنب فقط عندما سمعت رنين أجراس الكنيسة. فجأة انزعج ضميرها لأنها تذكَّرت أن ما تفعله يقع تحت دينونة الله القدير. حتى هذه العاهرة المحترفة القويَّة لم تستطع تدمير الضمير تمامًا الذي وضعه الله بداخلها.
ها هي السخرية الكبرى ومأساة الخطيَّة: كلما كرَّرنا خطايانا، زاد الشعور بالذنب الذي نتحمَّله، ولكننا أصبحنا أقل حساسيَّة لآلام الذنب في ضمائرنا. يقول بولس أنه بذلك يَذْخَرُ الناس لأنفسهم غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ (رومية 2: 5). هذا هو الذنب الموضوعي — فهم مذنبون لأنهم خالفوا شريعة الله. لكن بعض الناس دمَّروا ضمائرهم لدرجة أنهم يعتقدون أنه لا يهم حقًا ما يفعلونه طالما أنه يتم بالتراضي ولا يسبب أي ضرر. يتضاءل شعورهم الذاتي بالذنب — أي الشعور بالذنب الذي يُصاحب ارتكاب الخطأ.
نجد طرقًا جديدة للنظر إلى السلوك الخاطئ على أنه مقبول، كأفرادٍ وكمجتمع. لقد قتلنا الآن ستين مليون جنين، ومزَّقنا أطرافهم من الرحم. يستخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي للتفاخر بهذه الحقيقة، مُعلنين مدى فخرهم بأنهم حافظوا على حريَّة المرأة في إجهاض جنينها. كما أننا الآن نفتخر بالزواج بين رجل ورجل، أو امرأة وامرأة، دون خجل. لم يعد هناك الكثير من الضمير الجماعي في هذا العالم.
يخبرنا بولس في رومية 1 أن الناس يعرفون دينونة الله العادلة، وتأتي معرفة الدينونة هذه من خلال الإعلان العام المباشر. ما هو أسوء ما في قائمة الخطايا في رومية 1؟ يقول بولس: "الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ" (الآية 32). إن أسوأ جزء في قائمة اتهام بولس ليس أن الناس يعملون مثل هذه الأشياء على الرغم من معرفتهم بدينونة الله العادلة، ولكنَّهم يُسرُّون بالذين يعملونها أيضًا. عندما يدمِّر الناس ضمائرهم، فإنهم يفعلون كل ما في وسعهم لتدمير ضمائر الآخرين. لتهدئة ضمائرهم، يبحث الناس عن حلفاء ويصدرون تصريحات مثل: "نحن فقط نناضل من أجل الحريَّة هنا، من أجل حرية الاختيار". يا لها من استراتيجيَّة. "أنا لست مؤيِّدًا للقتل؛ أنا مؤيِّد لحق الاختيار". هذا ما سيقوله الله الأب: "أنا مؤيِّد لحق الاختيار. أنا أختار هلاك أعدائي".
ومع ذلك، فإن هدفنا من مناقشة هذه الأشياء ليس التأسُّف على مدى سوء العالم، بل بالأحرى مدى سوء حالنا لأننا نحن المسيحيِّين نفعل الشيء نفسه. نحن أيضًا نُكيِّف ضمائرنا لتناسب الثقافة. نحاول كل ما في وسعنا لتبرير خطايانا. هذا هو سبب أهميَّة أن يكون الضمير حساس لكلمة الله. في مجمع ورمز، لم يقل لوثر، "ضميري أسير ثقافتي المعاصرة، بواسطة استطلاع مؤسَّسة جالوب الأخير، وبواسطة أحدث استطلاع يصف ما يفعله الآخرون". ولم يقل: "ضميري مُتأثِّر بكلمة الله". بل في الأساس قال: "أنا أسير كلمة الله. لهذا السبب لا يمكنني التراجع". لو لم يكن ضميره أسيرًا لكلمة الله، لكان قد تراجع على الفور. لذلك قال: "السُّلُوكُ فِي مُخَالَفَةٍ للضَّمِيرِ لَيْسَ صَائِبًا أَو آمِنًا".
لا نريد سماع حُكم الضمير؛ بل نريد تدمير حُكم الضمير. هذه طبيعتنا. العلاج الوحيد هو معرفة فكر المسيح. نحن بحاجةٍ إلى رجال ونساء أسرت كلمة الله ضمائرهم. شكرًا لله على كلمته. فهي تكشف الأكاذيب التي نقولها لأنفسنا لتجعلنا نشعر بتحسُّن. لن يتم الحكم علينا في اليوم الأخير بشأن ما إذا كنَّا نشعر بالذنب، ولكن بشأن ما إذا كنَّا مذنبين. ومع ذلك، إذا كنت تشعر بالذنب، فاشكر الله على ذلك. إن الشعور بالذنب هو إشارة إلى احتمال وجود خطأ ما. يُبكِّتنا الروح القدس على الخطيَّة، وبهذا التبكيت تأتي رحمة مترفِّقة تقودنا إلى التوبة والغفران حتى نسلك في محضره.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.