الملحُ - خدمات ليجونير
المرتفعات
۳ أغسطس ۲۰۲۳
ربّ الجنود
۹ أغسطس ۲۰۲۳
المرتفعات
۳ أغسطس ۲۰۲۳
ربّ الجنود
۹ أغسطس ۲۰۲۳

الملحُ

ملاحظة المُحرِّر: المقالة [الثامن] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.

يُشار إلى الملحِ في كلّ الكتاب المقدّس، ويعرفُه الناس بسرعةٍ من خلال قدرته على تتبيل الطعام، ولولاه لما كان للطعام نكهة. والملح عامل معروف في حفظ الطعام وتنقيته. استخدم النبي أليشع الملح لشفاء نبعٍ من الماء وإزالة الشوائب الموجودة فيها (سفر الملوك الثاني 2: 20-21). وقد تكون إشارة حزقيال إلى ممارسة فَرْكِ المولود الجديد بالملح لمنع الالتهابات (حزقيال 16: 4). كان سعر الملح في العالم القديم باهظًا جدًّا، وكان الناس يستخدمونه باعتدال وبعناية. تلعب هذه الصفات المُختلفة للملح كعامل لزيادة القيمة وتحسين المذاق، والحفظ، والتنقية، أدوارًا مُختلفة في المقاطع الكتابيّة حيث تظهر فيها هذه المادّة.

ترد أوّل إشارةٍ في الكتاب المقدّس إلى الملح كمكوِّن في سفر الخروج 30: 35. قام العطّار الذي صنع البخور للمذبح بخلط البهارات الحلوة مع اللبان، وقام بتتبيل المزيج بالملح. وبما أنّ هذا البخور لم يكن للاستهلاك، لم يتمّ إضافة الملح للنكهة، ولكنّه كان صورة للطهارة والحِفظ. كان البخور الذي يصعد من المذبح إلى السماء يرمز إلى الصلاة (مزمور ١٤١: ٢؛ لوقا ١: ١٠؛ رؤيا ٥: ٨). كان الملحُ الذي يتمّ إضافته إلى الخليط يذكّر بني إسرائيل أنّه عندما يُحرِق الكاهنُ هذا البخور على المذبح، كانت صلواتهم نقيّة أمام الله وبأنّ الله لن ينساها. ونحن كمسيحيّين، نصلي باسم يسوع لكي تُطهِّر كل فضيلة وقيمة لذبيحة تكفيره صلواتنا. وكذلك نصلّي بثقة أنّ الربّ لا ينسى أبدًا ما نصلّي من أجله (مزمور 38: 9؛ رؤيا يوحنّا 8: 3-4).

إضافة إلى البخور، طلب موسى من بني إسرائيل تتبيل تقدمات حبوبهم بالملح، داعيًا إيّاه "مِلْحِ عَهْدِ إِلَهِكَ" (لاويين 2: 13). ويرد كلام مماثل لهذا في سفر العدد. كانت المساهمات المقدّسة التي قدّمها شعب الله إليه تخصّ الكهنة وعائلاتهم وكان ذلك شريعة أبديًّة. كان "مِيثَاقَ مِلْحٍ دَهْرِيًّا أَمَامَ ٱلرَّبِّ" (سفر العدد 18: 19). يردُ تعبيرٌ مشابه لذلك في سفر أخبار الأيّام الثاني 13: 5، إذ ستدوم السلالة التي وعدَ الله بها داود إلى الأبد "بعهد ملح". وبما أنّ الكهنةَ كانوا يأكلون جزءًا من تقدمة الحنطة (لاويين 6: 16)، فربّما كان الملح يُستخدم لتتبيلها.

ولكن ماذا قصد موسى بـ"عهد الملح"؟ قال بعض المفسّرين إنّ الملحَ كان أحد مكوّنات وجبة العهد. فبعد الاتّفاق على شروط الاتّفاقيّة، كان طرفا العهد يحتفلان بهذا الترتيب من خلال المشاركة في وجبة. وبما أنّ سعر الملح كان باهظًا، كان المرء يشاركه فقط مع شخص موثوق، إشارة منه إلى تقديره لهذا الرباط بينهما. على الرغم من أنّ الملح كان جزءًا من وجبات العهد، إلّا أنّه لا يوجد في الكتاب المقدّس دليل مباشر يشير إلى أنّه كان كذلك.

سواء كانت الإشارات الثلاث إلى "ملح العهد" أو "عهد الملح"، تصف كلمة "الملح" العهد أو تُفسَره. بكلمات أخرى، كان عهدًا "مالحًا" أو عهدًا يتميّز بالملح. مرّة أخرى، نجد أنّ صفتَيْ الطهارة والحِفظ تظهران أمامنا. كان العهد حقيقيًّا وصادقًا، لأنّ الله أعطاه لشعبه. وكان عهدًا أبديًّا، محفوظًا بشكل جيّد، فعهد الملح يدوم إلى الأبد (سفر العدد 18: 19؛ أخبار الأيّام الثاني 13: 5).

في العهد الجديد، حثّ الربّ يسوع تلاميذَه أنْ يكونَ لهم في أنفسِهم ملح (مرقس 9: 50). قال هذا في نهاية تحذيرات مختلفة عن الخطيئة والتجربة، وتنتهي بتذكير مَهيب بأنّ يوم الدينونة يكمن في المستقبل عندما "يُملّح الجميع بنار" (الآية 49). لذلك، لا بدّ أنْ يتمتّع أتباع المسيح بخصائص الملح الجيّدة، وألّا يسمحوا بهدرِها (الآية ٥٠). نارُ دينونة الله ستملّح العالمَ وتنقّيه. لذلك يجب أنْ يكونَ تأثير المؤمنين مُطهّرًا في العالم من خلال شهادتهم المتشبّهة بالمسيح، لأنّ المؤمنينَ في النهاية، هم ملحُ الأرض (متى 5: 13).

جزء كبير من تقديسنا يشمل كلامَنا. يجب أنْ يكونَ كلامُنا لطيفًا و "مُصْلَحًا بِمِلْحٍ" (كولوسي 4: 6). مع هذا التنبيه، يركّز بولس على قدرة الملح على إضافة النكهة. الكلام الطيّب يقدّم الحقيقة بشكل جذّاب. الكلمات المُصلحة بملح لا تساوم أبدًا على الحقيقة، لأنّها تحافظ وتعكس نقاوة الإنجيل، لذلك لا ينبغي أنْ تكونَ قاسية أو حادّة أو فظّة.

الملح جزء لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة، ومع ذلك قد لا يخطرُ على بالِنا كثيرًا. ولكن، عندما نتأمّل في كلمة الله، نرى دورَه المهمّ في كلا العهدَيْن، بالإضافة إلى التحدّي الذي يضعَه أمامَنا لنكونَ قدّيسين لذيذين.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ريت ب. دودسون
ريت ب. دودسون
الدكتور ريت ب. دودسون هو كبير قساوسة كنيسة النعمة المشيخيّة في هدسون، في ولاية أوهايو. وهو مؤلّفٌ للعديد من الكتب، بما فيها: "الزحف إلى صهيون" (Marching to Zion) و "بهتاف جبّار" (With a Mighty Triumph).