أجنحة النسور
۲ أغسطس ۲۰۲۳الملحُ
۸ أغسطس ۲۰۲۳المرتفعات
ملاحظة المُحرِّر: المقالة [السابع] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.
لطالما حيّرت الكلمة العبريّة "bamah" - التي تُرجمت إلى "مرتفعات" - علماء اللغة منذ فترة طويلة. تشير الكلمات المتشابهة لها في اللغات السامية القديمة الأخرى إلى "أجنحة" أو "جانبي" حيوان، وقد استُخدمت أحيانًا للإشارة إلى مساحة على منحدرات التلال حيث كانت تدور المعارك الحربيّة (انظر مزمور 18: 33–34). لكنّ الترجمة السبعينيّة – أي الترجمة اليونانيّة للعهد القديم - تُترجم أحيانًا كلمة "bamah" بالكلمة اليونانيّة التي تُستخدم لـ "قمم الجبال". وهذا يتطابق مع الآيات التي تصف كلمة "bamah" كمكان يصعد إليه الإنسان (1 صموئيل 9: 13-14، 19) أو كشيء له علاقة بالغيوم (إشعياء 14:14).
لذلك، ليس من المستغرب أن تُترجم كلمة "bamah" إلى "مرتفعات"، على الرغم من أنّ معظم العلماء لا يعتقدون أنّ كُتّاب الكتاب المقدّس كانوا يُفكّرون بشكل أساسيّ بالارتفاع. يُطلِق عُلماء الآثار كلمة "bamah" على أيّ مزار دينيّ أو موقع عبادة موجود في المدن الإسرائيليّة القديمة. أحد الأمثلة على ذلك هو الهيكل الصغير الذي كان موجودًا داخل حصن مدينة عَرَاد في اليهوديّة إلى أنْ تمّ تفكيكه، على الأرجح كجزء من الإصلاحات التي قام بها حزقيا (انظر الملوك الثاني 17: 9).
الأمر الأساسيّ هو أنّ بني إسرائيل شيّدوا أنصابًا وسواري، وقد شيّدوها أحيانًا في العراء (1 ملوك 14: 23؛ 2 ملوك 16: 4) وفي أوقات أخرى أقاموها في مُدنهم وبلداتهم (1 ملوك 13: 32؛ 2 ملوك 23: 5؛ 2 أخبار 28: 25). ولكن ما هو سبب تشييدها؟
بُنيت بعضُ المرتفعات نتيجةً لعبادة الأصنام والممارسات الدينيّة الوثنيّة. يَذكرُ سفر العدد 33: 51-52 أنّه كان يُفترض من بني إسرائيل أن يقضوا على جميع الرموز الدينيّة الكنعانيّة المختلفة، بما في ذلك المرتفعات. بنى سليمان مرتفعة للآلهة الغريبة الزائفة كموش ومولك (1 ملوك 11: 7). وقام الملك الشرّير منسّى ببناء مرتفعات خلال انغماسه برذيلة عبادة الأوثان (الملوك الثاني 21: 1-5). وهكذا كانت بعض المرتفعات نتيجة مريرة للارتداد.
خصّص بنو إسرائيل الذين كانوا يسعَوْن لتقديم عبادة مقبولة مرتفعات أخرى ليهوه. نقرأ في صموئيل الأوّل 9: 11-27 عن أوّل لقاء لشاول مع صموئيل. حضر صموئيل وليمة على مرتفعة في المدينة ليبارك الذبيحة؛ وكان يُفترض أنّها مُقدّمة للربّ. كان الله يتكلّم مع صموئيل في ذلك الوقت بالذات بخصوص شاول، من دون أيّ إشارة إلى أنّ هذا المكان المرتفع كان غير مقبول (انظر الآيات ١٥-١٧). وحتّى سفر الملوك الأوّل 3: 2 يذكر أنّ الشعب كانوا يذبحون في المرتفعات "لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ بَيْتٌ لِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلَى تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ،" على الرغم من أنّ الآية التالية تصوّر تردّد سليمان على المرتفعات كأمرٍ لا ينسجم مع محبّته للربّ. وعندما هدم حزقيا المرتفعات، حاول المبعوث الآشوري الاستفادة من هذا العمل ضدّه، فاتّهم حزقيا بهدم المرتفعات المكرّسة للإله نفسه الذي كان يؤمن به (الملوك الثاني 18: 22؛ إشعياء 36: 7).
من الأفضل تفسير هذه الأمثلة اللاحقة عن المرتفعات على أنّها أشياء كان يهوه يتساهل معها في بعض الأحيان، على الرغم من أنّه لم يقصد أنْ تُستخدم للعبادة الحقيقيّة، وبأنّها في النهاية لا تساهم في العبادة النقيّة. لهذا السبب، انتُقد حتّى ملوك يهوذا الصالحين بعبارة "إِلَّا أَنَّ ٱلْمُرْتَفَعَاتِ لَمْ تُنْتَزِعْ، بَلْ كَانَ ٱلشَّعْبُ لَا يَزَالُ يَذْبَحُ وَيُوقِدُ عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ" (مثلًا: 1 ملوك 22: 43؛ 2 ملوك 12: 3؛ 14: 4؛ 15: 4). وهذا هو السبب أيضًا في أنّ إصلاحات حزقيا ويوشيا التي شملت أيضًا نزع المرتفعات، كانت مراحل هامّة في تاريخ إسرائيل. بالطبع، كان موسى قد حذّر بني إسرائيل من أنّ عبادة الأصنام في المرتفعات ستؤدّي في النهاية إلى السبي (لاويين 26: 30).
تذكّرنا قصّة المرتفعات في إسرائيل مدى أهميّة أنْ نعبدَ الله فقط بالطريقة التي ذكرها في كلمته. إنّ الجهودَ التي تُبذلُ لتجاوز كلمة الله في العبادة لا تنتهي بشكل جيّد. إنّ الجهود التي تُبذل لـ "تحسين" العبادة استنادًا على مشاعرنا، أو تفضيلاتنا، أو مبادئنا، أو أسلافنا، أو شعبيّتنا، أو نوايانا الحسنة لا تنتهي بشكل جيّد. نتعلّم من قصّة المرتفعات أنْ نرضى بإرادة الله المعلنة للعبادة، وتذكّرنا أنّ الله سيبادلنا دائمًا بالنعمة والرحمة عندما نعبده بالروح والحقّ (يوحنا 4: 24).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.