أبواب - خدمات ليجونير
صِهيَوْن
۱۵ أغسطس ۲۰۲۳
مُخلّصنا كُلّي النعمة
۱۷ أغسطس ۲۰۲۳
صِهيَوْن
۱۵ أغسطس ۲۰۲۳
مُخلّصنا كُلّي النعمة
۱۷ أغسطس ۲۰۲۳

أبواب

ملاحظة المُحرِّر: المقالة [الثاني عشر] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.

تخيّل لبُرهة أنّك أحد اليهود العاديّين والمُخلصين أمثال سمعان بطرس، تنتظرُ "تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ،" وبأنّك تعيش في زمن خدمة يسوع العلنيّة. رأيتَ الكثيرَ من الأشياء: رأيت الآيات والمُعجزات وتعليمًا بسلطان. من هو يسوع هذا؟ لا بدّ أنْ يكونَ أكثرَ من نبيّ. إنّه حتّى أعظم من موسى. وهكذا وصَل بطرس إلى النتيجة الحتميّة: لا بدّ أنْ يكون المسيح، الملك الموعود، الممسوح الذي سيستعيد ملكوت الله على الأرض. نعم، يقول يسوع: "أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هَذِهِ ٱلصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (متى 16: 18).

تثير كلمة "أبواب" الصغيرة صورةً في أذهاننا - أو بالأحرى مجموعة من الصور والتجارب والارتباطات التي قد يضيع الكثير منها عند قرّاء العصر الحاليّ. بينما كان بطرس يتأمّل في هذه الكلمة النبويّة، انطلق في مُخيّلتِه حربًا كونيّة بين مملكتَيْن، الأولى مطوّقة مُحاصرة، وهي مبنيّة من الموت والظلام، وتحميها بوّابة ضخمة ذات قضبان حديديّة؛ والأخرى غالبة مُنتصرة، مبنيّة من الحجارة الحيّة، وتحيطُ بها بوّابات مفتوحة على اتّساعها، تدعو الجماهير للاستمتاع بسلامها ونورها.

ربما كانت مُخيّلتك هزيلة في أفكارها؛ لذلك ستساعدنا جولة قصيرة عن "البوّابات" المذكورة في الكتاب المقدس على تخيّلٍ أفضل لمدينة الله الغالبة.

القارئ الحديث هو في موقفٍ ضعيف بعض الشيء فيما يختصّ بالوصف المجازي لـ "أبواب" الجحيم. غالبًا ما تُستخلص الاستعارات اللغويّة من التجارب الحيّة، ولم يعد لمُعظم المدن الحديثة بوّابات بالمعنى الحرفيّ للكلمة. لم تعد كلمة "بوّابات" تثير فينا حالًا مجموعةً من الأفكار كما كان الحال عند القارئ القديم. كانت المدن قديمًا تحتاج إلى حمايةٍ من محيطها، لذلك كان يُحيط بمُعظم المُدن نوعًا من الأسوار (تثنية 3: 5). الدور الذي تلعبه بوّابات هذه الأسوار هو كونها نقطة مركزيّة للدخول والخروج منها، وهذا يجعلها مكانًا مناسبًا للناس لكي تلتقي وتتحدّث (2 صموئيل 15: 2؛ مزمور 69: 12)، وكانت أيضًا سوقًا مركزيًّا (2 ملوك 7: 1)، وموقعًا لنشر الإعلانات العامّة والإعلانات القانونيّة (راعوث 4)، وموقعًا أساسيًّا لتجمّعات واحتفالات المجتمع (قضاة 5: 11). باختصار، لم يكن "وسط المدينة" أو "الساحة العامّة" في العالم القديم يقع بالعادة في وسط المدينة، إنّما على أطرافها، عند بوّاباتها. وهكذا كانت المدينة ترمز إلى المدينة نفسها؛ إنّها تمثّل الشعب والثقافة والمكانة والأهميّة والحياة في المدينة. لذلك، عندما وعدَ الله شعبَه بالأمن والأمان والسلام والازدهار، كان يعدهم بمدينة ذات أسوار عالية وبوّابات حصينة (رؤيا 21: 9-27).

إذًا، ما يثير انتباهنا، هو أنّ الصورة التي يرسمها الله لنا عن المدينة السماويّة هي مدينة مفتوحة أبوابها على اتّساعها. "اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا ٱلْأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَٱرْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا ٱلْأَبْوَابُ ٱلدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ." (مزمور 24: 7). يتحدّث المرنّم عن هيكل الله هنا، واصفًا إيّاه بأنّه يُشبه المدينة. عندما يأتي الملك إلى المدينة، تُفتح الأبواب على مصراعيها لاستقباله. يكون المزاجُ مزاجَ الاحتفال والانتصار. لقد دخل "ربّ الجنود" المدينة (مز 24: 10)؛ سيحمي أسوارَها ويضمن سلامتَها. سفر الرؤيا يُشدّد أكثر على هذه الفكرة. في أسوار أورشليم العالية اثني عشر بوّابة (وهذا عدد كبير)، وهذه البوّابات "لَنْ تُغْلَقَ نَهَارًا، لِأَنَّ لَيْلًا لَا يَكُونُ هُنَاكَ" (رؤيا يوحنّا 21: 25؛ انظر يشوع 2: 5). نعم، ستبقى الأبواب فيها مفتوحة بشكل دائم، لتوفّر وصولًا مجّانيًّا وبدون عائق لكي يقدر الجميع أن يجيئوا "بِمَجْدِ ٱلْأُمَمِ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا" (رؤيا يوحنّا 21: 26). بوّابات كثيرة! ومفتوحة بشكل دائم؟ هذا عرض مذهل وجريء للثقة والأمن والسلام والالفة والمودّة.

أمّا أبواب الجحيم في المقابل فهي موصدة. يريدنا الشيطان أنْ نظنَّ بأنّ هذا دليل قوّة، لكن في الواقع، الخوف هو الذي أدّى إلى إغلاق هذه البوّابات. "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها،" أي على المسيح وكنيستِه. في هذه الصورة، نرى مدينة الشيطان مُحاصرة، وأبوابها تنهار أمام جُند السماء وشعب الله (انظر رؤيا يوحنّا ١٢). إنّ المفهوم الصحيح هو أنّ جهنّم ليست حصنًا منيعًا أو مدينة مزدهرة؛ بل هو "سجن" (20: 7)، وعندما يتمّ القضاء على هذه المدينة السجن أخيرًا، سوف يُرمى سكّانها الشياطين "في بحيرة النار"، ولن يعودوا قادرين على إلحاق الأذى بشعب الله المبارك أو إعاقته (الآية 10). المجد لله! تعال أيّها الربّ سريعًا! "اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا ٱلْأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَٱرْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا ٱلْأَبْوَابُ ٱلدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ" (مز 24: 7).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

توماس كين
توماس كين
الدكتور توماس كين هو أستاذ مساعد للعهد الجديد والعميد الأكاديمي في كليَّة اللاهوت المُصلَحة في مدينة واشنطن العاصمة.