هل تغيّر الصلاةُ فكرَ الله؟ - خدمات ليجونير
التكليف بالتلمذة
۲۲ يوليو ۲۰۱۹
عقيدة الاحتساب: بيان هيئة ليجونير عن الكريستولوجي (شخص وعمل المسيح)
۹ سبتمبر ۲۰۱۹
التكليف بالتلمذة
۲۲ يوليو ۲۰۱۹
عقيدة الاحتساب: بيان هيئة ليجونير عن الكريستولوجي (شخص وعمل المسيح)
۹ سبتمبر ۲۰۱۹

هل تغيّر الصلاةُ فكرَ الله؟

هل تصنعُ الصلاةُ فرقًا؟ وهل تغيّرُ حقًا أيَّ شيءٍ؟ سألني أحدهم مرةً هذا السؤال، وإن كان بطريقة مختلفة قليلاً: "هل تغيّرُ الصلاةُ فكرَ الله؟" ومع أني أجبت ببساطة: "لا" إلا أن إجابتي قُوبِلَت بعاصفة من الاحتجاجات. ولو كان الشخص قد سألني: "هل تغيّر الصلاة الأحوال؟" لَكنتُ قد جاوبت: "بالطبع!"

يقول الكتاب المقدس أن هناك أمورًا معينة قرَّرها الله منذ الأزل. هذه الأمور لا بد أن تتم. فلو صليتَ بمفردك أو إن اتحدنا أنا وأنت مع غيرنا في الصلاة أو لو صلّى كل المؤمنين معًا بصورة جماعيةً، فلن يغيّر هذا ما قصد الله، في مشورته السريَّة، أن يفعله. فلو قررنا أن نصلي ألا يعود الرب يسوع، فهو لا زال سيعود بالرغم من ذلك. لكنك قد تتساءل: "ألا يقول الكتاب أنه إذا اتفق اثنان أو ثلاثة على شيء فإنه يكون لهما؟" نعم، هذا ما يقوله، إلا أن هذا النص يتحدث عن التأديب الكنسي، وليس عن طلبات الصلاة. لذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كل تعليم الكتاب المقدس عن الصلاة ولا نعزل نصًا عن باقي النصوص. يجب أن نتعامل مع المسألة في ضوء كل الكتاب المقدس، وأن نقاوم القراءة الاختزاليَّة.[1] وقد تتساءل ثانية: "ألا يقول الكتاب المقدس بين الحين والأخَر أن الله يندم؟" نعم، هذا ما يقوله العهد القديم بكل تأكيد. يقول سفر يونان أن الله "نَدِمَ" على الدينونة التي كان سيُنزلها بأهل نينوى (يونان ٣: ١٠).  يصف الكتابُ المقدس اللهَ، الذي هو روح، في سياق استخدامه لمفهوم الندم هنا باستخدام ما يُطلق عليه علماء اللاهوت "اللغة التأنيسيَّة". وبالطبع لا يعني الكتاب المقدس أن الله يندم بالمعنى الذي نندم به نحن، وإلا لكان لنا الحق أن نفترض أن الله ارتكب خطيةً ولذلك فهو نفسه في حاجة إلى مُخلّصٍ. لكن ما يعنيه بوضوح هو أن الله رفع خطر الدينونة عن الناس. والكلمة العبرية، ناحام، والتي تُترجم "ندم" تعني "تعزَّى" أو "استراح" في هذه الحالة. لقد تعزَّى الله واستراح لأن أهل نينوى رجعوا عن خطاياهم، ولذلك رفع عنهم العقوبة التي كان قد سبق وفرضها.

ولكن عندما يُشهر الله سيف دينونته فوق رؤوس البشر، ثم يتوبون فيحجز دينونته، فهل غيّر الله فكره حقًا؟ إن فِكر الله لا يتغيَّر لأن الله لا يتغيَّر. لكن الأحوال تتغيَّر، وتتغيَّر بحسب مشيئته السياديَّة، والتي يُنْفِذها من خلال الوسائط الثانويَّة والأعمال الثانويَّة. إن صلوات شعب الله هي إحدى تلك الوسائط التي يستخدمها لكي يُحدث الأشياء في العالم. لذلك إذا سألتني إن كانت الصلاة تغيّر الأحوال، فإجابتي، بدون تردد، هي "نعم!"

من المستحيل أن نعرف كم من التاريخ البشري يعكس تدخل الله المباشر وكم منه يُظهر الله عاملاً من خلال الوسائط البشريَّة. كان سفر أيوب هو المثال المفضَّل لدى كالفن على ذلك. فقد سرق السبئيون والكلدانيون حمير أيوب وجِماله. لماذا؟ لأن إبليس كان قد هيَّج قلوبهم ليفعلوا ذلك. ولكن ما السبب؟ لأن إبليس كان قد أخذ إذنًا من الله ليختبر أمانة أيوب كيفما أراد، لكن دون أن يُميته. لماذا وافق الله على مثل هذا الأمر؟ لثلاثة أسباب: (١) ليُسكِتَ وشاية إبليس؛ (٢) وليُنصرَ نفسه؛ (٣) وليُنصرَ أيوب من وشاية إبليس. كل هذه الأسباب تُبرِّر بشكلٍ تامٍ أعمال الله.

في المقابل، إن غرض إبليس من تهييج هاتين الجماعتين كان أن يجعل أيوب يجدِّف على الله — وهو دافع شرير تمامًا. إلا أننا نلاحظ أن إبليس لم يعمل شيئًا خارقًا للطبيعة لتحقيق أهدافه. لقد اختار وسطاء بشريين — السبئيين والكلدانيين اللذين كانوا أشرارًا بالطبيعة — لسرقة بهائم أيوب. كان معروفًا عن السبئيين والكلدانيين أن أسلوب حياتهم هو السرقة والقتل. وقد فعلوا ما فعلوه بإرادتهم دون إكراه؛ لقد تم قصد الله من خلال أعمالهم الشريرة.

لقد كان السبئيون والكلدانيون أحرارًا في اختيارهم، لكن الحرية بالنسبة لهم، كما هي بالنسبة لنا، تعني دائمًا حرية محدودة. لا ينبغي لنا أن نخلط بين حرية الإنسان وبين استقلال الإنسان. سيظل هناك دائًما صراع بين سيادة الله وبين استقلال الإنسان. لكن لا يوجد أبدًا صراع بين سيادة الله وحرية الإنسان. يقول الكتاب المقدس أن الإنسان حر، لكنه ليس ناموسًا مستقلاً لنفسه.

فلنفترض أن السبئيين والكلدانيين كانوا قد صلّوا قائلين: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ". لديّ كل اليقين أن بهائم أيوب كانت ستُسرق، ولكن ليس على يد السبئيين والكلدانيين. فلو افترضنا أن الله استجاب لهم، لكنه كان سيستخدم وسيطًا آخَر لسرقة بهائم أيوب. هناك حرية محدودة، والصلاة تغيّر الأحوال داخل هذه الحدود. يخبرنا الكتاب المقدس أن إيليا منع سقوط المطر بالصلاة. لم يمنعه فهمه عن سيادة الله من أن يصلي.

لم يفهم إنسانً سيادةَ الله بصورة أعمق من يسوع. ولم يُصلِّ إنسان بصورة أشد أو أكثر تأثيرًا منه. حتى وهو في بستان جثسيماني، طلب بديلاً وطريقًا مختلفًا. وعندما رُفِضَ طلبه، خَضع لمشيئة الآب. إننا نصلي في المقام الأول بسبب سيادة الله، لأننا نؤمن أن الله قادر على أن يرتب الأحوال بحسب قصده. هذا هو معنى السيادة: ترتيب الأحوال بحسب قصد الله. هل الصلاة، إذن، تغيّر فكر الله؟ كلا. هل الصلاة تغيّر الأحوال؟ بالطبع تفعل. إن وعد الكتاب المقدس هو أن "طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا" (يعقوب ٥: ١٦). المشكلة هي أننا لسنًا أبرارًا على الإطلاق. إن ما تغيّره الصلاة غالبًا هو شر قلوبنا وقساوتها. هذا وحده سبب كافٍ للصلاة، حتى وإن لم يكن أيٌّ من الأسباب الأخرى معقولاً أو حقيقيًّا.

في عظة بعنوان "الله العليّ: الإله السامع الصلاة" يعطينا جوناثان إدواردز سببين يجعلان الله يطالبنا بأن نصلي:

فيما يخص الله، فإن الصلاة ما هي إلا اعترافٌ رشيدٌ باعتمادنا عليه لمجده. فلأنه صنع كلَّ شيءٍ لمجده، فهو سيتمجد ويُعترف به بواسطة مخلوقاته؛ ومن اللائق أن يُطالِب مَنْ هم تحت رحمته بالصلاة... إنها إقرار ملائم باعتمادنا على قوة الله ورحمته لما نحتاج إليه، وهي أيضًا إكرامٌ يليق تقديمه للخالقِ العظيم نبع كل صلاح.

وفيما يخصنا نحن، فإن الله يطالبنا أن نصلي... إن الصلاة بلجاجة قادرة على تحضير قلوبنا، إذ توقظ فينا إحساسًا باحتياجنا... يجعل الذهن أكثر استعدادًا لتقدير رحمته... قد توقظ فينا صلاتنا لله إحساسًا لائقًا وأهميةً لاعتمادنا على الله للحصول على الرحمة التي نطلبها، وممارسةً ملائمةً للإيمان بكفاية الله، لكي نكون مستعدين أن نُمجّد اسمه حين نتلقى تلك الرحمة.[2]

إن كل ما يفعله الله هو أولاً من أجل مجده وثانيًا لخيرنا. إننا نصلي لأن الله يأمرنا بالصلاة، لأنها تمجده، ولأنها لخيرنا.

[1] المترجم: القراءة الاختزاليَّة (atomistic reading) هي التي تختزل مفهومًا ما في نصٍ معين بمعزل عن باقي النصوص الكتابيَّة التي تتعامل مع نفس المفهوم.
[2] The Works of Jonathan Edwards, (Carlisle, Pa.: Banner of Truth Trust, 1974), 2:116.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.