
امتحان داود
۲۵ مارس ۲۰۲۵
امتحان يونان
۱ أبريل ۲۰۲۵امتحان أيّوب

من بين قضايا عديدة يعالجها سفر أيّوب، يجيب هذا السفر عن السؤال: لماذا يتألَّم البارّ؟ يُشير اللاهوتيّون إلى هذا السؤال باسم "مشكلة الألم". ولكنّ الأمر لا يتعلَّق بمسألة الألم فقط، بل بمقدار الألم أيضًا. فلماذا يتألَّم البارّ كثيرًا؟
قد يعترض البعض مقتبسين من الكتاب المُقدَّس: "لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 10، مُقتبِسًا مزمور 14: 3). ولكنّ هذا يتجاهل جوهر المسألة هنا. فالله نفسه، في مُقدِّمة سفر أيوب، هو مَن يُشير (مرّتَين، بالإضافة إلى شهادة الكاتب) إلى سمعة أيوب بأنّه رجلٌ بارّ: "لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ" (أيوب 1: 8؛ 2: 3؛ انظر أيضاً أيوب 1: 1). الراجح أنّنا لا نواجه صعوبةً كبيرة حين يتألَّم الخطاة، لأنّهم ينالون مجازاتهم العادلة على تمرُّدهم على الله القدّوس. ولكنْ لماذا يتألَّم الأتقياء، ويتألّمون قدر ما تألَّم أيوب؟ هذا هو السؤال الذي يقدِّمه ويعالجه سفر أيّوب.
إحدى الإجابات الممكنة هي أنَّ الشيطان هو السبب. وهذا صحيح بصورة جزئيّة. ففي بداية السفر تمامًا، نتعرَّف نحنُ (وليس أيّوب) على "المشتكي" أو "الخصم"،" الذي يُدعى "الشيطان" (أيّوب 1: 6؛ 2: 1). ما سبب وجوده هناك؟ كما يوضِّح الرسول بطرس، "إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1بطرس 5: 8). فإن كنتَ تبحث عن السبب وراء الألم، فإنّ الجواب (الجزئيّ) يكمن في حقيقة أنّنا نعيش في عالمٍ ساقطٍ يستمرّ الشيطان فيه في ممارسة مكره. صحيحٌ أنّنا خلائق جديدة في المسيح، ولكنّنا لسنا في المدينة السماوية بعدُ، حيث لا ألم (رؤيا 21: 4).
وعلى كلّ حال، ليس انخراط الشيطان في العالم الجواب هو الكامل عن مشكلة الألم. فهناك سببٌ آخر، وسفر أيُّوب يذكِّرنا بوضوح بالسبب الإلهي في مشكلة الألم. إنّه الله الذي يعرِّف بأيّوب للشيطان: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟" (أيوب 1: 8؛ 2: 3). وقد يدفعنا هذا إلى التفكير والسؤال: لماذا يعمل الله ذلك؟ أيُّوب نفسه لا يدرِك ما نعرفه نحنُ (القرّاء) بشأن الحوار الذي دار بين الله والشيطان. أيّوب يعاني في صمت، على الأقلّ فيما يختصّ بالله. فكان عليه أن يستمع إلى هذر أصدقائه الثلاثة الذي لا ينتهي، الذين عذّبوه بلا رحمة في قولهم إن كلّ ألمٍ في كلِّ لحظةٍ هو جزاءٌ عادل من الله. فبحسب أصدقاء أيّوب، ينبغي لأيوب أن يمتحنَ نفسه، وأن يكتشف خطاياه، ويتوب، وإلّا فإنّ الأسوأ سيحدث له. ومع أنَّ العلماء يختلفون بشأن ما يشارك به أليهو في الأصحاحات 32-37، فإنّه مع أنّه يقترح أنّه يمكن للألم أن يعلِّم دروسًا مُهمّة، يبدو أنّه يعود لينحدر إلى الرواية ذاتها التي قدَّمها أصدقاءُ أيّوب الثلاثة.
ولا يكلِّم الله أيّوب إلا في الأصحاح 38. وبدلًا من أن يتكلّم بـ"صَوْتٍ مُنْخَفِضٍ خَفِيفٍ" (1ملوك 19: 12)، يأتي "مِنَ الْعَاصِفَة" (أيّوب 38: 1) ليتكلَّم. وما يساهم في تعقيد المشكلة أنّ الله يسأل الآن الأسئلة، وعلى أيّوب أن يعطي الإجابات. ولم يستطع أيّوب أن يجيبٍ عن سؤالٍ واحد. وإذْ فشِل أيّوب في إعطاء الإجابات، يُخبره الربّ عن بهيموث ولوياثان، وهم وحشان عظيمان يقترح علماءٌ كثيرون أنهما وصفان شعريّان لفرس النهر والتمساح. لماذا خلق الله تمساحًا، وما علاقة هذا الأمر بألم أيّوب؟ وأحد الإجابات عن هذا السؤال هو: "لا أعرف." وهذا هو الألم. لماذا يأتي الله بأوقاتٍ وظروفٍ يسود فيها الألم؟ لا أعرف.
راهَن الشيطان الله في البداية بأنّ أيّوب سينكِر إيمانه في مواجهة الألم، وقد خسر ذلك الرهان. فالألم امتحان، وقد اجتاز أيّوب الامتحان، إذْ تاب في التراب والرماد عن الأشياء التي قالها في محنته. وكما يوضِّح چون كالڤن في أولى عظاته من سفر أيّوب (في سلسلةٍ من 159 عظة أُلقيت في العامين 1554-1555)، كانت لدى أيّوب قضية عادلة، ولكنّه دافع عنها بأسلوب خاطئ، وكانت لدى أصدقائه قضية غير عادلة، ولكنّهم دافعوا عنها بصورة جيّدة جدًّا.
تعلَّم أيوب من خلال الألم أنّ الله غير مُطالَب وغير مُلزَم بأن يقدِّم سببًا لما نمرّ به من مِحَن وصعوبات. ليس مهمًّا أن نفهم. الأمر المهمّ الوحيد هو أنّ الله يفهم السبب، ونحنُ نثق به.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.