كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ
۹ مارس ۲۰۲۱طوبى للودعاء
۱۱ مارس ۲۰۲۱مَثَل الفعلة في الكرم
"حدائق خياليَّة بها ضفادع حقيقيَّة". هكذا وصف أحد الكتَّاب أمثال الرب يسوع. فهي قصص خياليَّة، لكنَّها تتعلَّق بالحياة الواقعيَّة. إنها حدائق خياليَّة، لكن بها ضفادع حقيقيَّة. في كثير من الأحيان هذه الضفادع هي نحن.
يبدأ متى 20: 1-16 بموقف شائع في العالم القديم: صاحب أرض يحتاج إلى فَعَلة، فيقوم بتعيين بعض الفَعَلة باليوميَّة. مع مرور ساعات اليوم، احتاج إلى المزيد من الفَعَلة. فعاد عدَّة مرات وعيَّن فَعَلة، حتى بقي على ميعاد الرحيل ساعة واحدة.
لكن صاحب الكرم فعل شيئًا غريبًا. في نهاية اليوم، دعا الجميع ودفع للرجال الذين عملوا ساعة واحدة فقط أجر يوم كامل. هذا العمل السخي والصادم أثار ضجة في الحشد. فالفَعَلة الذين عملوا طوال اليوم حسبوا الحسبة بشكل سريع. على الأرجح ظنوا قائلين: "إن كان فَعَلة الساعة الواحدة قد اخذوا دينارًا، فسنحصل نحن على ثروة". توقَّعوا أن هذا هو يوم سعدهم.
لذلك، يمكننا أن نفهم أنه عندما تم دفع الأجر لهم ووُضع الأجر ذاته في أيديهم الممدودة والمُشقَّقة الذي وُضع في أيدي من تم تعيينهم لاحقًا، لم يكونوا سعداء. بل هذا أقل ممَّا حدث. فقد غضبوا — غضبوا بدرجة كافية جعلتهم يشتكون علانية لمَن قدَّم لهم المال. رد صاحب الكرم بأنه دفع مبلغًا عادلًا ومُتفَقًا عليه. وفيما عدا ذلك كيف يختار أن يصرف أمواله، بما فيه ذلك أن يكون سخيًّا مع مَن كان عدد ساعاتهم في العمل أقل، فهذا أمر متروك له. الفَعَلة المتذمِّرون لم يُعاملوا معاملة غير عادلة. إن اضطرابهم العاطفي هو بسبب التوقُّعات المبنية على حسدهم، وليس على الظلم.
عبر تاريخ الكنيسة، كانت هناك محاولات عديدة لتفسير هذا المَثَل. اقترح البعض أن المراحل الخمس للتعيينات المختلفة تُمثِّل خمس مراحل من تاريخ العالم دعا فيها الله أناس لنفسه، أو مراحل مختلفة من الحياة يمكن للإنسان أن يصبح مسيحيًّا. الفكرة الأساسيَّة إذن هي أن الله سخي مع الجميع ويرحِّب بالجميع في ملكوته، بغض النظر عن وقت دعوتهم. يقول البعض إن المَثَل هو صورة لملكوت الله في المستقبل حيث يدخل جميع مَن نالوا الخلاص إلى السماء، بغض النظر عن مقدار عملهم من أجل الله. التفسير الأشمل وقد يكون الأكثر شيوعًا هو أن هذا المَثَل هو ببساطة صورة لنعمة الله العجيبة والرائعة ولكرمه — وهو الإنجيل باختصار.
كل من هذه التفسيرات له جوانب صحيحة. لكن يوجد شيء آخر يجب علينا رؤيته. المفتاح هو الانتباه إلى السياق الذي يُقدِّمه لنا متى لهذا المَثَل. القصة التي تسبق هذا المَثَل تدور حول قائد في المجمع غني انتهى به الأمر بعدم اتَّباع يسوع لأن محبته لممتلكاته كانت عظيمة جدًا (19: 16-22). كرد فعل لهذا، أُصيب التلاميذ بالصدمة. ثم وعدهم المسيح بعد ذلك بمكافآت مذهلة لتخلِّيهم عن كل ما كان لهم ليتبعوه (الآيات 23-30). هذا الوعد بأن التلاميذ سيجلسون على اثني عشر عرشًا استحوذ على أفكار التلاميذ جدًا لدرجة أنه بعد ذلك بوقت قصير، أراد يعقوب ويوحنا أن يكونا الجالسين على العروش الأقرب ليسوع (20: 20-28).
يُوضِّح لنا هذا السياق أن المَثَل يصيب ما في قلوبنا مباشرةً، في مسألتين متلازمتين: مكافأة النفس والحسد. عندما رحل الشاب الغني فارغ اليدين ولكن بعد ذلك وُعد التلاميذ الذين من الطبقة الدُنيا بأنهم سيصبحون حُكامًا، كان من المستحيل على التلاميذ ألا يُكافئوا أنفسهم قليلًا، وأن يفتخروا قليلًا بإنجازاتهم الحكيمة، واختيارهم الأفضل لاتَّباع يسوع. في المَثَل، ذكَّرهم يسوع أن كل ما لديهم هو من الله، وأن كل بركاتهم هي من سخاء الله، وليست من عملهم الخاص. فالتلاميذ ليسوا أفضل من الشاب الغني. في الوقت نفسه، يخترق يسوع قلوبنا مباشرةً، المُعرَّضة للحسد. تحدَّى يسوع تلاميذه ألا ينظروا إلى ما يمتلكه الآخرون وتملأهم المرارة والغيرة. إن المنافسة تدمِّر النفس لأن الحياة كلها هي عطية من الله.
لذلك، يعطينا هذا المَثَل رؤية لنعمة الله السخيَّة تجاهنا وتجاه الآخرين. توجد الحياة عندما نُثبِّت أعيننا ليس أفقيًّا على ما يمتلكه الآخرون بل رأسيًّا على سخاء مالك الأرض كلها، الملك يسوع، الذي يدعونا أحبَّاء والذي يُعطي بحكمة وسخاء.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.