الخوف من عدم الارتقاء إلى القياس المطلوب
۲ مارس ۲۰۲۱كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ
۹ مارس ۲۰۲۱الصلاة واسطة النعمة
يتمتَّع المسيحيُّون بامتياز عظيم للتقدُّم بجرأة أمام عرش النعمة والتحدُّث مع الله. يُطلق على هذه الشركة بيننا وبين الله اسم الصلاة. فيها ينصت الله إلى المؤمنين ومن خلالها هم مدعوُّون لإلقاء أحمالهم على الرب لأن اعتنائه بهم أعظم بركاته عليهم. ومع ذلك، فإن الصلاة من أحد أكثر التدريبات التي تم إهمالها عند المسيحيِّين اليوم. قال جي. سي. رايل (J.C. Ryle): "أجل: قلة هي التي تُصلي! من المفتَرَض بالطبع أنها من الأمور المهمة، لكنها بالكاد تُمارَس؛ إنها من الشعائر التي على كل فرد ممارستها، لكن يندر في الواقع ذلك". إذا أمكن إجراء مثل هذا التقييم اليوم، فماذا ستكون تبعات مسيحيًّة بلا صلاة؟ هل تعاني إرساليَّة الكنيسة اليوم من قلة ممارسة الصلاة؟ هل يُعاق نمو قداسة المسيحيِّين لقلَّة طلبهم معونة الله في حياة القداسة؟
في جميع أنحاء العالم تقريبًا، يشتكي الناس من ازدحام حياتهم. تُجذَب الأُسر من مائدة العشاء إلى ممارسة الرياضة ودروس الموسيقى ومختلف الأنشطة الأخرى. فنحن نتمتَّع بأفضل وسائل الراحة الحديثة، لكننا نواجه صعوبة في "المواعيد" التي لا تنتهي. إن حال القلق الذي يُخيِّم على عصرنا ما هو إلا مُؤشِّر على خطأ ترتيب أولويَّاتنا. فنحن نصرف وقتنا فيما نُقدِّره أكثر، أما الصلاة ليست على رأس قائمة أولويَّاتنا. لكنَّنا نخلق وقتًا للتحدُّث بصراحة عن المشكلات المختلفة التي يواجهها مجتمعنا. فمنصَّات التواصل الاجتماعي ليست في حاجة إلى المسيحيِّين الذين يقضون وقتهم في التوضيح للعالم عن يأسهم من "حالة الأشياء". أجل، نحن نحيا في أوقات عصيبة. من الانعدام الأخلاقي للمجتمع إلى الانحدار الروحي للكنيسة، فإن المشكلات لا تنتهي. الكل يتحدَّث، لكن من يتقدَّم بهذه المشكلات إلى الله في الصلاة؟ إن كان رايل مُحقًّا في رأيه من قرن ونصف مضى، فماذا نقول عن زمننا؟ هل لا يكاد أحد يُصلِّي إلى إلهنا رب كل خلاص؟
كان ليصعب عليَّ كتابة هذا المقال إن كنَّا مفتقرين إلى يقين معونة الرب عبر الصلاة. لكن الكتاب المُقدَّس يُؤكِّد في جميع أنحاء صفحاته للمؤمنين أن الله يسمع صلوات شعبه (على سبيل المثال: تكوين 16: 11؛ خروج 2: 24؛ مزمور 4: 3). فيتمثَّل الحق الأبرز عن الصلاة في أن الله يتوق إلى منح نعمته وروحه القدوس لنا باتكالنا عليه عبر هذه الواسطة. فالصلاة واسطة النعمة التي من خلالها يعمل فينا الروح القدس. وبما أن الله وعدنا بإنصاته لصلاتنا، لا بد أن تكون الصلاة على رأس أولويَّاتنا في الحياة المسيحيَّة. المسيحي الذي لا يُصلِّي هو مسيحي يفتقر إلى القوَّة. لهذا السبب، لا بد حث كل جيل على وضع الصلاة أولويَّة في حياتهم.
دعوة جميع المسيحيِّين إلى الصلاة:
عندما نتحدَّث عن وسائط النعمة، من المهم أن نميِّر بين وسائط النعمة الأضيق مثل ما يهبه لنا الله عبر كلمته والأسرار المُقدَّسة، وواسطة النعمة الأوسع من خلال صلاتنا. هذا التمييز مهم كي نضع في الاعتبار أن الصلاة تعد استجابتنا للنعمة التي نلناها من كلمة الله. لكن هذا لا يُقلِّل من دعوة المسيحيِّين إلى الصلاة، إذ يهب الله نعمته إلى المُصلِّين إليه. عندما تقدَّم التلاميذ إلى الرب يسوع وطلبوا منه أن يُعلِّمهم أن يُصلُّوا، أجابهم الرب يسوع بقوله: "فمتى صليتم...". أوضح الرب أن الصلاة يجب أن تكون ممارسة اعتياديَّة في الحياة المسيحيَّة. إن الحاجة المُلِحَّة للمسيحيِّين في زمننا هذا هي استعادة الاقتناع بالصلاة والدافع إليها.
يدعونا الكتاب المُقدَّس إلى الصلاة لأسباب مختلفة. في 2 كورنثوس 12: 7-10، شجَّع بولس المؤمنين في كورنثوس على الصلاة مُتَّخذين حياته كمثال على الألم. لقد أُعطيَ بولس "شوكة" في الجسد سبَّبت له ألمًا في حياته. لم يُعلَن لنا ماذا كانت هذه الشوكة، لكن بولس أراد أن يُفكِّر أهل كورنثوس في اتكالهم على الرب. قد تكون الشوكة أي شيء يستنفذ قوانا البشريَّة مثل السرطان أو الصراع أو الألم أو الفقدان — كل هذا وغيره. وقد صرخ بولس ثلاث مرات طالبًا الخلاص من هذه الشوكة، لكن الرب يسوع جاوبه قائلًا: "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لِأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ" (الآية 9). أجل، لقد نال بولس نعمة حقيقيَّة من الرب عبر الصلاة. ففي ضعفه، حلَّت نعمة المسيح عليه ونال القوَّة.
الصلاة هي أيضًا واسطة لتشكيلنا على صورة المسيح ولبنيان شعبه ليكونوا خدَّامه. إن الوجود المستمر للخطيَّة في حياة المؤمن يهاجم هذا الغرض. لذا تعد الصلاة ضروريَّة للغاية من أجل حياة القداسة للمؤمن. بالتأكيد من قرَّاء هذا المقال مَن هم محبطين ويصارعون في داخلهم مع الخطيَّة. وربما لكان هذا أحد أكثر الاختبارات إرباكًا للمسيحي. إن كانت قوَّة قيامة المسيح فينا، فلماذا تهزمنا الخطيَّة كثيرًا في حياتنا؟ هذا هو الصراع الذي وصفه بولس في رومية 7.
لكن في رومية 8، يذكِّرنا بولس بأن المسيحيِّين يتشاركون في امتياز تبنِّيهم صارخين "أبا الآب". وفي صراخنا، يكون لنا وعد معونة الروح القدس الذي (1) يُميت الخطية في حياتنا (الآية 13)، (2) و"يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ الله" (الآية 16)، (3) ويعين ضعفاتنا بتشفُّعه من أجلنا في الصلاة (الآيات 26-27). واختُتِمَت هذه الوعود العظيمة بيقين سبق تعين قصد الله لتشكيلنا على صورة المسيح (الآية 29). يا لها من معونات عظيمة يهبها لنا الآب السماوي بعمل الروح القدس ونحن نتَّكل عليه في الصلاة.
إن نوالنا بالفعل لبركات النعمة والروح القدس من خلال واسطة الصلاة يعد السبب الذي لأجله يُكرِّس دليل أسئلة وأجوبة هايدلبرج، الذي يُقسِّم الأسئلة على جدول من اثنين وخمسين يوم أحد لتوجيه الرعاة في الوعظ عبر الدليل في عام واحد، يومًا كاملًا للرب من أجل التأمل لحث المسيحيِّين على الصلاة:
لماذا يحتاج المسيحيُّون إلى الصلاة؟ لأن الصلاة أهم جزء من الشكر الذي يستحقه الله منَّا. وكذلك لأن الله سيهبب نعمته وروحه القدوس فقط للذين يطلبون من الله هذه العطايا بلا انقطاع من كل قلوبهم ويشكرنه عليها. (السؤال 116)
في صراعنا مع الخطيَّة، يدعونا الله إلى التقدُّم إليه بالصلاة، ويُجيبنا بمنحنا روحه القدوس الذي يقدِّسنا بفاعليَّة. فالصلاة هي الأداة الأساسيَّة التي بها يُجري الله هذا التشكيل كي نصير أكثر فأكثر شبه الرب يسوع.
استعادة الصلاة الرعويَّة:
في حين أن الصلاة الفرديَّة ضروريَّة في الحياة المسيحيَّة من أجل التقديس، هناك نوع آخر من الصلاة منحنه الله لمساعدة المسيحيِّين. تحدَّث الرب يسوع على وجه التحديد عن بيت آبيه كبيت صلاة. فمن أكبر مآسي المسيحيَّة في الغرب هي موت الصلاة الرعويَّة — وهي صلاة القسيس نيابة عن الشعب في أثناء العبادة في يوم الرب. لمئات السنين، جعلت الكنيسة البروتستانتيَّة الصلاة الجماعيَّة عنصرًا أساسيًّا في العبادة. أما اليوم، استُبدلت هذه الصلاة بمزيد من الوقت المُخصَّص للموسيقى. لا تحظى الصلاة الجماعيَّة باهتمام كبير.
يحظى شعب الله ببركة روحيَّة من التجمُّع للعبادة الجماعيَّة، لا يحظون بها في أي مكان آخر. لقد وعد الرب أن يلتقي بشعبه بطريقة خاصة. لهذا تعد الصلاة عنصرًا مهمًّا في العبادة الجماعيَّة. فكما أن القراءة الفرديَّة للكتاب المُقدَّس لا تُغني عن نيل وسائط النعمة بالوعظ بكلمة الله، كذلك لا تُغني الصلاة الفرديَّة عن بركة الصلاة الجماعيَّة في يوم الرب. حين يُصلِّي الخادم، فإنه يتحدَّث نيابة عن الشعب بصفته سفير المسيح. بصوت واحد، تتحد قلوب الشعب وتصعد صلواتهم إلى محضر عرش الله.
إنني أرى الصلاة الرعويَّة بركة عظيمة. إن كان رايل مُحقًّا بأن قلة هي مَن تُصلِّي كل يوم، فكِّر في معونة الله التي يقدِّمها لنا حين نجتمع لنصلِّي معًا. في العبادة الجماعيَّة، نُهدئ أنفسنا من مشغوليَّة الحياة ونضم قلوبنا في الصلاة بقيادة خادم مُعيَّن من الله. يقودنا الراعي في تمجيد لائق، ثم في اعتراف بالخطايا، وطلب تقدُّم ملكوت الله، وتقديم الشكر لله على عطاياه الصالحة، وتقديم احتياجات الكنيسة المُحدَّدة. فالله يسمع صلوات شعبه من خلال خادمه. إن الصلاة الجماعيَّة من أعظم بركات العبادة بناءً. إذا كان لكنائسنا أن تحظى بتأثير أعظم في خدمة الإنجيل، فلا بد أن تحظى الصلاة الرعويَّة بالأولويَّة.
الصلاة هي إحدى أعظم الامتيازات التي يمنحها الله للمؤمنين بالمسيح يسوع. الصلاة واسطة لك لتتمتَّع بإلهك كما خُلقت لتفعل. ربما نحن لا نصلِّي كما ينبغي لأننا لم نتعلَّم كيف نتمتَّع بالله في الصلاة كما يجب. تحدَّث مع إلهك؛ فهو يشتاق إلى أن تتمتَّع أنت بهذه الشركة. "مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ" (1 بطرس 5: 7). الرب ينصت إلى صلواتك أكثر ممَّا ترغب في الشيء الذي تصلِّي من أجله. يا له من إله رؤوف يقدِّم نفسه لك في إنجيل ابنه. مهما كان شكرك، ومهما كانت حملك، تقدَّم بهم إلى الرب في الصلاة وانتظره، فهو الرب إلهنا الذي يقبل صلاتنا (مزمور 6: 9).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.