العيش كمواطنين مزدوجي الجنسية - خدمات ليجونير
شعب الله في سبي
۱۱ مارس ۲۰۱۹
الوعظ عن غضب الله
۱۲ مارس ۲۰۱۹
شعب الله في سبي
۱۱ مارس ۲۰۱۹
الوعظ عن غضب الله
۱۲ مارس ۲۰۱۹

العيش كمواطنين مزدوجي الجنسية

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 2 من سلسلة "بين عالمين"، بمجلة تيبولتوك.

لم يكن من السهل الإيقاع بيسوع في معضلات أخلاقية أو لاهوتية. ولكن لم يمنع ذلك القادة اليهود من المحاولة. أوضح المسيح أن مملكته "لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ" (يوحنا 18: 36). ومملكته، التي تنتمي حقًا للدهر الآتي، كانت تُستعلن في هذا العالم وهذا الدهر الحاضر. لذا تساءل اليهود ما هي العلاقة بين مملكته ومؤسسات زمننا الحاضر مثل الأسرة والدولة؟

في لوقا 20، دفع الصدوقيون له بالسؤال عن الأسرة، حيث طرحوا تجربة فكرية حول طبيعة الزواج بعد القيامة لأرملة تزوجت أكثر من مرة. فَأَجَابَ يَسُوعُ: "أَبْنَاءُ هذَا الدَّهْرِ يُزَوِّجُونَ وَيُزَوَّجُونَ، وَلكِنَّ الَّذِينَ حُسِبُوا أَهْلاً لِلْحُصُولِ عَلَى ذلِكَ الدَّهْرِ وَالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يُزَوَّجُونَ" (الآيات 34-35). فالأسرة نظام ثابت منذ الخلق، ولكن مملكة الدهر الآتي تعمل بشكل مختلف.

عندما سأل رؤساء الكهنة والكتبة يسوع هل يجوز أن يُعطوا الجزية لقيصر، طلب منهم يسوع أن يروه دينارًا. لِمَنِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ وحين أجابوا: "لِقَيْصَرَ"، أعلن المسيح قراره: "أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ". (الآيات 22-25). بطريقة قاطعة حدّ يسوع بشكل جزري من سلطة قيصر وأظهر سلطة الله غير المحدودة. الصورة التي على الدينار تعنى أنهم ملتزمون بدفع الجزية للقيصر، ولكن صورة الله المطبوعة على طبيعتنا البشرية تعنى أننا ندين بحياتنا كلها لخالق السماوات والأرض. إن الحكومات نظام ثابت منذ الخلق، ولكن مملكة الدهر الآتي تعمل بشكل مختلف.

مدينة الله ومدينة الإنسان:

في القرن الخامس الميلادي كتب أوغسطينوس كتاب مدينة الله، تحفته الرائعة عن اللاهوت السياسي، حيث قارن بين civita Dei (مدينة الله) و civitas terrena (حرفيًا: مدينة العالم). في الأوساط العامة، يُساء فهم أوغسطينوس بشكل كبير أنه يتحدث عن مدينة الله باعتبارها الحياة في السماء في مقابل مدينة الإنسان باعتبارها الحياة على الأرض في العالم المادي. بحسب هذا الفهم، نكون أعضاء في المدينتين؛ مدينة الله ومدينة الإنسان. ولكن في الواقع، كان أوغسطينوس يتحدث عن مجتمعين أو مجموعتين من الأشخاص ذوي التفكير المماثل، لهم رؤية متنافسة لكل من السماء والأرض. تبدأ مدينة الإنسان — وهذا في غاية الأهمية — ليس بالخلق ولكن بالسقوط. فرغباتها وبرنامج عملها مشوّه بشدة، وهي مدفوعة بحب الذات وليس محبة الله، وتعمل وفقًا لمعايير الجسد وليس لمعايير الروح. أما المفديّون الذين يشكّلون مدينة الله، يطلبون الله كونه الصلاح الأسمى ويوجهون كل شيء في إطار محبتهم له. وكمؤمنين، إذن، نحن نعيش داخل مدينة الإنسان ولكننا ننتمي لمدينة الله.

في ولكن ليس من:

نموذج أوغسطينوس له جذور كتابية عميقة. ونحن نحيا في العالم، ندرك "أَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ" (عبرانيين 13: 14)؛ ومثل إبراهيم نحن ننتظر "الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" (11: 10). وبالرغم من أننا "غُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ" (1 بطرس 2: 11)، ولا يوجد مكان على الأرض نطلق عليه مسكننا الدائم، إلا أننا مكلفين أيضًا بالقول "اطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ... وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ" (إرميا 29: 7). فلا يجب أن نكون "مِنَ الْعَالَمِ" ولكن نكون "في الْعَالَمِ" بشكل لا يمكن انكاره، ومرسلين بعمقٍ "إِلَى الْعَالَمِ" كسفراء ورسل المسيح (يوحنا 17: 15-16؛ انظر أيضًا 1 كورنثوس 5: 9-10). فيجب أن تغيرنا الكلمة ولا نشاكل هذا الدهر (رومية 12: 2). كما يجب أن نحافظ على أنفسنا "بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ" (يعقوب 1: 27). رغم ذلك، يجب أن يكون مذاقنا كالملح ونضيء كالنور (متى 5: 13-16) وسط ظلام وفساد الثقافة المحيطة بنا (انظر فيلبي 2: 15).

الجنسية المزدوجة:

واحدة من التشبيهات الكتابية لفهم العلاقة بين الدهر الحاضر والدهر الآتي هي الجنسيّة. الجنسية هي وضع قانوني معترفٌ به علنًا يُمكّن الشخص أن يكون مواطنًا، أي عضوًا عاملاً وفعّال في مدينة ماcivitas ؛ أي مجتمع سياسي واجتماعي، إلى جانب الحقوق والواجبات المصاحبة لذلك. على خلاف الشخص الغريب عن المملكة ومجرد أحد رعاياها، يشترك المواطن في المجتمع ليساعد على الحفاظ على النظام المدني.

في سفر أعمال الرسل، نرى بولس الرسول لا يُقر فقط بموضوع جنسيته الرومانية بل يستعين أيضًا بها بشكل فعّال. عندما أخبر حافظ السجن بولس وسيلا أن الولاة قد أمروا بإخلاء سبيلهما سرًا من السجن، استاء بولس وقال: "ضَرَبُونَا جَهْرًا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ. أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرًّا؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا" (أعمال الرسل 16: 37). وفى أعمال الرسل 22، نجح بولس في الاعتراض على الجلد على يد الولاة بسؤاله لقائد المئة سؤالاً بسيطًا: "أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَانًا رُومَانِيًّا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟ ... أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا" (الآيات 25، 28). في كلتا الحالتين، كان رد فعل السلطات الرومانية ملئ بالخوف الحقيقي، حيث أنهم قاموا بانتهاك حقوق أحد مواطنيهم (21: 38-39؛ 22: 29).

مع أن بولس الرسول حصل على الجنسية الرومانية من خلال عائلته، إلا أنه حصل على جنسية أخرى أيضًا. في رسالته لكنيسة فيلبى، يقول بولس للمؤمنين "أمَّا نَحْنُ، فَلَنَا جِنسيَّةٌ سَمَاويَّةٌ" (فيلبي 3: 20، الترجمة العربية المبسطة). قال يسوع عن مملكته أنها ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 36). فعندما نُولد ثانية ويتم تبنينا في عائلة الله، ندخل مملكة جديدة ونخضع لملك جديد "أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ" (كولوسى 1: 13).

أربع طرق لنحيا بالجنسيّة المزدوجة:

فيما يلي أربعة أشياء نتذكرها ونحن نسعى لكي نحيا بأمانة بجنسيتنا المزدوجة:

1- إدراك سيادة الله على الكل، على الرغم من أنه يسود على المؤسسات المختلفة بطرق مختلفة. المسيح له السلطان على السماء والأرض (متى 28: 18)، ولكن في ضوء السقوط، هو يسود على النظام المؤقت لهذا الدهر (بما في ذلك المؤسسات المصنوعة مثل العائلة والدولة) بشكل يختلف عن سيادته على الكنيسة. فالحكومات في هذا الدهر تفرض النظام بحد السيف؛ وتطبقه من خلال فرض القانون، أما ملكوت (مملكة) الله، على الجانب الآخر، فيأتي من خلال قوة الروح القدس، حيث يصنع تغييرًا في شعب الله المدعو من خلال إعلان بشارة الإنجيل والمشاركة المنتظمة في وسائط النعمة.

2- فهم أنه لمجرد أن جنسيتنا الأرضية ليست قائمة إلى الأبد فإن ذلك لا يجعلها غير مهمة. فالأمور المؤقتة يمكنها أن تصنع فرقًا كبيرًا. عَلِم بولس أن الاستعانة بجنسيته الرومانية أمام السلطات أمر يختلف عن مشاركة رسالة الإنجيل معهم. ولكن حقوقه الأرضية كانت ما تزال مهمة. لا يمكن للقوانين الجيدة أن تغير القلوب، لكنها مازالت تعنى الفرق بين الحياة والموت.

نعم، خلاص نفس بشرية أهم من إصلاح احتياج مؤقت. لكن تخفيف الألم الأبدي أسمى من تقليل ألم الزمان الحاضر. لكن في الحقيقة لا يطالبنا الكتاب المقدس بأن نختار بين الكرازة والمشاركة المدنية في المجتمع، لان المسيح يدعونا لحياة التلمذة حيث نتحد به علنًا ونتبعه بتعليم الآخرين أن يحفظوا جميع ما أوصانا به (متى 28: 19-20).

3- استقبال بفرح كل عطايا الله، بما فيها نعمته العامة المتمثلة في وجود الحكومات. ليس من الخطأ أن نشعر بالإحباط عندما تثور الأمم (مزمور 2)، لأن ذلك يعنى أن العالم لا يعمل وفقًا للتصميم الإلهي. ولكن لا يجب أن ننسى صلاح الله في تأسيس هذا النظام في عالمنا الساقط. لقد عَيَّنَ الله الحكام الأرضيين (رومية 13: 1-2) لخيرنا (آية 4)، وعلينا أن نحترمهم ونكرمهم (آية 7) بغض النظر عن مدى سوئهم. فالحكومات عطية من الله، تهدف إلى تعزيز وحماية الخير والعمل على ردع كل ما هو سيء (الآيات 2-4). أحد أسباب صلاتنا من أجل الحكّام هو لكي تؤدى الحكومة دورها بطريقة تهيئ الأوضاع حتى تسمح لنا أن نعيش حياة هادئة وبتقوى (1 تيموثاوس 2: 2).

4- اقبل طريقة الله للإعلان عن جنسيتنا السماوية علنًا. من ناحية، لا يستطيع العالم أن يرى جنسيتنا السماوية. فهي وضع لا تعترف به أي حكومة أرضية. إن حياتنا "مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ" (كولوسى 3: 3). ولكن الله عيّن طريقة بها تُعرف جنسيتنا علنًا هنا والآن، في الدهر الحاضر ما بين المجيء الأول والثاني للمسيح. إن كنيسة يسوع المسيح — الجماعة العابدة المكونة من شعب الله مجتمعًا في محضر الله وتحت سلطانه مشتركين في وسائط نعمته — هي التعبير المؤسسي عن مملكة الله في هذا العالم. ينضم المواطنون السماويون للكنائس المحلية على الأرض. ومن خلال فريضة المعمودية والانضمام للعضوية، نعلن علنًا عن دورنا كسفراء خارج حدود المملكة ونحن نعبد ونمثل الملك الأبدي وندعو آخرين للانضمام معنا.

هناك أشياء أكثر أهمية في الحياة من النظام السياسي ومشاركتنا المدنية في المجتمع. حيث يمكنها أن تتحول بسهولة إلى وثن في حياتنا، يتمثّل في انتماء وهوية تتعدى ما يقوله الكتاب المقدس. كما إنه من السهل التقليص من واجباتنا ومشاركتنا كمواطنين أرضيين، حيث نبرر فتورنا هذا بأسباب روحية تتعدى هي الأخرى ما يقوله الكتاب المقدس. أيًّا كان الجانب الذي نحاول التأكيد عليه، دعونا نتذكر أننا مواطنين مزدوجي الجنسية. وجزء من كوننا مواطنين صالحين — في العالم السماوي والأرضي معًا — يشمل جعل حياتنا المدنية تتشكّل بواسطة الإنجيل وتقودها كلمة الله بينما نسعى بالصلاة لكي نتعلّم، ونحب قريبنا، ونعمل من أجل الخير العام للمدينة حتى ونحن ننتظر المدينة الآتية وندعو آخرين إليها.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

جاستن تايلر
جاستن تايلر
جاستن تايلر هو نائب أول للرئيس وناشر للكتب بدار نشر كروسواي (Crossway). كما قد حرّر أو شارك في كتابة العديد من الكتب منها "الأيام الأخيرة ليسوع" (The Final Days of Jesus). يمكنك متابعته على تويتر @Between2Worlds