العَيْش في الأيام الأخيرة
۱۹ مارس ۲۰۱۹بيان شيكاغو عن عصمة الكتاب المُقدَّس
۲۰ مارس ۲۰۱۹هل يوجد إله؟
أجيب على سؤال "هل يوجد إله؟" في حوالي 775 كلمة؟ قد تكون هذه أسهل مهمة تكلفني بها مجلة تيبولتوك، لأن الإجابة واضحة جدًا، أليس كذلك؟ لا يوجد ملحدين ثابتين ومتسقين مع أنفسهم، ولكنهم أناسًا هاربين من الله. "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مزمور 19: 1). الله هو الشخص الذي لا يمكن الهروب منه، وعليه يرتكز كل شيء.
أم أن هذه أصعب مهمة تكلفني بها تيبولتوك على الإطلاق؟ فالإجابة الشاملة قد تملأ مكتبة بالكامل. فما يلي إذًا ما هو إلا قُصاصة صغيرة من فصل في كتاب في تلك المكتبة.
1- الله الخالق هو الحل الوحيد للأحجية الأساسية لجوتفريد لايبنتس (Gottfried Leibniz) ومارتن هايدجر (Martin Heidegger) القائلة: "لماذا يوجد شيء هنا، وليس فراغًا؟"
"لا شيء يأتي من العدم" (Ex nihilo nihil fit). دعونا نلاحظ أن اللا شيء ليس "شيء سابق" لشيء آخر، وهو ليس "شيئًا تم إنقاصه لأقل ما يمكن". اللا شيء هو لا شيء، ولا شيء. إن اللا شيء هو مفهوم يستحيل على الذهن أن يفهمه تحديدًا لأن اللا شيء يفتقر "للوجود" في المقام الأول. إن عكسنا مقولة رينيه ديكارت (René Descartes) الشهيرة "أنا أفكر لذا أنا موجود" (Cogito, ergo sum)، فيمكننا أن نقول: "لأني موجود، فلا يمكنني أن أفكر في اللا شيء" (Quod cogito, non cogito de nihilo). مما يقود إلى فكرة أخرى من أفكار ديكارت: "لأني أفكر، فمن المستحيل أن الله غير موجود" (Quod cogito, ergo non possibile Deus non est). إن الكون، ووجودي، وقدرتي على التفكير تعتمد كلها على حقيقة أن الحياة لم تأتي من اللا شيء ولا يمكنها أن تكون قد أتت منه، ولكنها تتطلب مصدرًا منطقيًا قادرًا على التفكير المنطقي. إن العكس (الزمن + الصدفة = الواقع) هو مستحيل. فلا الزمن ولا الصدفة من ظواهر ما قبل الكون.
2- يجب أن يكون هذا الإله هو إله الكتاب المقدس لسببين. أولهم هو أن مثل هذا الإله وحده هو المؤسس بجدارة للثبات والترابط والتماسك الفزيائي للكون كما نعرفه. ثانيًا، وجوده هو الأساس الوحيد الثابت، سواء اعترفنا به أو غير ذلك، للفكر والتواصل المنطقي العقلاني. وبالتالي، فحتمًا سيستفيد غير المؤمن من الأساس الكتابي، ويستعير منه، بل بالفعل سيسرق منه فكريًا لكي يفكر بشكل متماسك وليعيش بصحة عقليّة. لذلك، فإن الشخص الإنساني العلماني، الذي يجادل أنه لا توجد أمور مطلقة، يجب أن يستعير من الفرضيات الكتابيّة من أجل تقييم أي شيء باعتباره في ذاته صواب أم خطأ.
لقد حاولت مؤخرًا القيام بتجربة بسيطة مع أنها مزعجة، إذ وجهت ذهني ليفكر بطريقته مفترضًا أنه لا يوجد إله، ثم ادرس النتائج. لا أشجعكم على الإطلاق على القيام بمثل هذه التجربة الذهنية. فهي تقود إلى مكان مظلم لا محالة، إلى هاوية ذهنية لا قاع لها، حيث لا شيء في الحياة يبدو منطقيًا، بل بالفعل، إلى عدم إمكانية وجود "المعنى" المطلق. هنا، كل ما نفكر فيه على أنه صالح، وحقيقي، ومنطقي، وواضح، وجميل، ليس له هيكلاً داخليًّا ليعطي الثبات والتماسك لتلك المفاهيم. وبالتالي، فإن طبيعة كل ما أكونه وما أختبره تنهدم جوهريًّا وتنفصل عن وعيي بها. هذا "الوعي" الذي يبدو واضحًا يصبح تلفيقًا غير مبرر من نتاج خيالي. ثم يتوقف هذا الخيال عن أن يكون متماسكًا في حد ذاته. ثم جوهريًا يصبح وعيي المعقد جدًا مجرد سلسلة لا يمكن شرحها من التفاعلات الكيمائية المعقدة الغير متأصلة في أي منطق ولا معنى لها في حد ذاتها. إن "المعنى" في حد ذاته بأي مفهوم متسامي أصيل هو فكرة لا معنى لها.
كأناس يجربون السفر في الإلحاد المستمر، فإننا سنستنتج في النهاية أن "الملحدين" هم من ينساقون إلى اليأس، إذ يترنّحون تحت الاستنتاجات غير المُحتملة لافتراضاتهم، وهم وحدهم المفكرين الملحدين الثابتين مَنْ لهم الشجاعة على اعتناق قناعاتهم. مَنْ يدعون بهدوء أنهم ملحدين، يتم تجريدهم من قناعهم عندما يُكتشف فعلًا رفضهم لنتائج قناعاتهم التي يعترفون بها، فيقمعون ما يعرفون أنه حقيقي في داخلهم (أي أن الله موجود) — هذه هي الفكرة ذاتها الذي يقدمها بولس في رومية 1: 18-25.
يسرد الأديب مارتن أميس (Martin Amis) السؤال الذي طرحه الكاتب الروسي يفنيني يفتوشنكو (Yevgeni Yevtushenko) على السيد كينجزلي أميس (Kingsley Amis): "هل أنت ملحد فعلاً؟" أجاب أميس: "نعم. ولكن الأمر أكبر من هذا. أتعلم. أنا أكرهه". بعيدًا كل البعد عن القدرة على انكار وجود الله، فقد اعترف بكل من وجود الله وعداؤه الشخصي له. لم يكن أميس وحده. لا يوجد فارس في هذا النطاق، ولا أي منا، يمكنه أن يهرب من كونه مخلوق على "صورة الله" (imago Dei) (مهما إن كانت مُشوهة). لذا لا يمكننا أبدًا أن ننكر "الله" (Deus) الذين نحن على "صورته" (imago). لأن الله قد وضع حمل علينا: "جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ" (الجامعة 3: 11). كما قال أوغسطينوس، لن تهدأ قلوبنا إلى أن نجد راحتنا فيه.
لماذا إذًا لا يطرح الكتاب المقدس السؤال: "هل يوجد إله؟" لأن أول جملة فيه تجيب: "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ..."
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.