أرشدونا
۱۰ سبتمبر ۲۰۲۱الله الابن
۲۲ سبتمبر ۲۰۲۱الخوف من عدم معرفة الأبناء للرب
كانت مونيكا امرأة تخاف على نفس ابنها. وقد كانت لها أسبابًا وجيهة: فقد رأى أوغسطينوس أن إيمان مونيكا حماقة وضعف. لقد رفض إيمانها المسيحي، وتحوَّل إلى فلسفة الوثنيَّة، والتسلية العنيفة، والانغماس في المتع الجنسيَّة. ومع ذلك، فإن هذه الأم من فترة الكنيسة المبكرة تتبَّعت ابنها عبر الإمبراطوريَّة الرومانيَّة، على أمل أن تحافظ على التأثير عليه وأن تقوده بطريقة ما إلى المسيح.
مونيكا ليست الوحيدة. فالخوف على أبنائنا قديم قدم آدم وحوَّاء. يبدو أن هذا الأمر يصطحب الأبوَّة والأمومة كما تصطحب بثور الأقدام سباق الماراثون. فنحن نقلق بشأن صحَّة أبنائنا الجسديَّة، والعقليَّة، والعاطفيَّة. وتميل المخاوف للنمو مع الطفل: فنقلق أن تعلُّم المشي سينتهي بنتوء في الجبهة. ونقلق أن تعلُّم السواقة سينتهي به في غرفة الطوارئ بالمستشفى.
ولكن الخوف ألَّا ينال الطفل الخلاص هو أكبر مخاوفنا. يمكن لسلوك أطفالنا أن يؤكِّد مخاوفنا ويغذِّيها، فيعمِّقها مع الوقت والخطيَّة التي بلا توبة. وهذا الخوف هو خوف مُعقَّد. نحن لا نخاف فقط على نفس طفلنا، على الرغم من أن هذا الأمر أساسي. لكنَّنا نخشى أيضًا الضرر الذي يلحقونه بأنفسهم وبالآخرين، وأن يشوِّهوا اسم المسيح والكنيسة، وأن ما من شخص سيفهم حزننا، وأننا سنفقد التواصل مع أبنائنا أثناء سعيهم للهرب من تأثيرنا. نحن نخشى أن تستمر هذه التجربة مدى الحياة. حتى في حالة الحزن، فإن الخوف مما يظنه الآخرون بشأن طريقة تربيتنا لأبنائنا أو بشأن عائلتنا يمكن أن يسيطر على أذهاننا وقلوبنا.
إن قلق مونيكا على أوغسطينوس جعلها تنوح وهي تبكي في طريقها من مكان إلى آخر. يجب أن تكون هناك صلاة ودموع تنبع من حبنا لأبنائنا وحزننا على ذنبهم المتراكم أمام الله. ولكن دموعنا لا يمكن أبدًا أن تُريح أو تمنح الثقة أو تزيل ذنب أبنائنا. ماذا لو كنَّا لا نبكي بما فيه الكفاية أو بكينا لأسباب خاطئة؟ ماذا لو كنَّا نصلِّي بتركيز خاطئ؟ إن أعمال تربيتنا ليست جديرة بالثقة أبدًا. وكما قال كاتب الترانيم العظيم هوراتيوس بونار (Horatius Bonar)، فإن كل صلواتنا وتنهُّداتنا ودموعنا لا تتحمَّل عبئها الرهيب.
يجب أن تتدخَّل محبَّة لأطفالنا أعظم من محبَّتنا لهم. لم يعد الله أن يخلِّص كل ابن في العهد (متى 10: 34-36). ولكنه لا يزال هو الإله الأمين، حافظ العهد الذي أعلن عن نفسه ذلك لإبراهيم (تكوين 17). إن اختبارنا لا يُغيِّر طبيعة الله. وفشل أبنائنا في التمسُّك بوعود العهد هو مشكلتهم، وليس مشكلة لله. فالله هو نفس الآب السماوي الذي لا يتغيَّر والذي يخلِّص كل مَن يأتي إليه. وهو يسمع صلاتنا، ويستجيب لها بحكمته غير المُعلَنة.
لكنَّه يفعل أكثر من ذلك. فالله يفهم معنى أن يكون لديك ابن ضال. في هوشع، قال الرب: "لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. كُلَّ مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ" (11: 1-2). يعرف الله الشعور برفض شعب اهتمَّ به وأحبَّه.
حتى يخلِّص شعبه الضال، أرسل الآب ابنه الوحيد، الذي أطاع حتى الموت، موت الصليب. أنت وأنا لن نضحِّي أبدًا بابن أمين مُحب من أجل شعب يكرهنا. فهذا خارج نطاق المحبَّة البشريَّة. لكن إن كنَّا في المسيح، فإن هذا هو اختبارنا: نحن كنَّا "قَبْلًا أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ" (كولوسي 1: 21)، وقد تصالحنا الآن مع الآب من خلال كفَّارة الابن. إن الإله الذي تواصل معنا لم يتغيَّر على الرغم من ظروفنا.
إن الابن الضال هو اختبار عظيم للإيمان، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أن هذا الوضع يكشف المستوى الذي نسلك فيه بالإيمان وليس بالعيان. عندما يكون كل ما نراه هو ابننا الضال، حيث يعمل العالم، والجسد، والشيطان فيه بنجاح، فإن الخوف هو استجابة طبيعيَّة. إن السلوك بالإيمان يرى هذه الحقيقة. إنَّه يرى الخطر الروحي، لكنَّه يركِّز على طبيعة الله. فهو ينظر إلى المسيح، الذي قال للآب: "إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا" (يوحنا 18: 9). بالنعمة، يأتي الله بالعديد من الأبناء الضالين إلى البيت. يجب أن يصل الآباء المؤمنين إلى مرحلة في إيمانهم حيث يؤكِّدون بخضوعٍ وبقلبٍ كاملٍ هذه الكلمات الأكثر صعوبة التي قالها ربنا:
مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. (متى 10: 37-38).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.