اللاهوت المُصلَح هو لاهوت العهد
۲۸ يناير ۲۰۲۰بواسطة استدلال جيد ولازم
۱۷ فبراير ۲۰۲۰فحص دوافعنا
تخيل النجاة من حطام سفينة في منطقة نائية في جنوب المحيط الهادئ. وصلت إلى شاطئ جزيرة صغيرة واكتشفت أنك الناجي الوحيد. ووجدت حقيبة على الشاطئ، وفي داخلها وجدت الكتاب المقدس. ما رأيك: هل يمكن أن تنمو في "النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (2 بطرس 3: 18) بمعزل عن مؤمنين آخرين، أو في هذه الحالة، بمعزل عن كل البشر الآخرين؟
لوحدك في جزيرة، يمكنك أن تتعلَّم الكثير عن الله من خلال كلمته المكتوبة، ويمكن أن يزداد حبك له. ولكن هناك أشياء فيما يتعلَّق بعلاقتك الشخصيَّة مع الله قد لا تتعلَّمها بشكل جيد.
يخبرنا الرسول بولس أن أعمال الجسد تشمل "عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ... وَأَمْثَالُ هذِهِ" (غلاطية 5: 20–21). في المقابل، "ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ... الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (الآيات 22–23). إن لم يكن هناك أحد آخر حولك، فلن تكون هناك أي غيرة، أو عداوة، أو تحزُّب، أو شقاق، أو حسد. لن يكون هناك أيضًا أي شخص يجرب طول أناتك ولا يوجد أحد لتقدم له اللطف أو الوداعة.
وأنت وحدك في جزيرتك، يُمكن أن تفحص نفسك من حيث السبب في أنك لا تحب الله من كل قلبك. لكن عندما لا تحب أخيك، الذي تراه، فإنك تبدأ في أن ترى بوضوح تقاعسك عن محبة لله، الذي لا تراه.
يمكن تعلُّم بعض الأشياء في الحياة فقط بالعلاقة مع أشخاص آخرين. عندئذ تدرك أنك لم تحب قريبك كما ينبغي وتبدأ في طرح السؤال: لماذا أمتلك مثل هذا السخط؟ لماذا أشعر بمثل هذه العداوة ضد هذا الشخص؟ لماذا أجد صعوبة في المحبة أو التسامح أو حتى أن أكون لطيفًا مع شخصٍ يعاملني مرارًا وتكرارًا بعدم احترام؟ ما الذي يحفِّز استجاباتي لأشخاص آخرين؟
"اَلْمَشُورَةُ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ، وَذُو الْفِطْنَةِ يَسْتَقِيهَا" (أمثال 20: 5). هذه مشورة حكيمة، ولكن كيف يستقي الإنسان المشورة (الدوافع، الأسباب) من قلبه؟ لا تحدث الاستجابات الخاطئة بلا سبب معين. هناك دائمًا أسباب للأشياء التي نقولها ونفعلها، حتى لو لم نر الأسباب بوضوح. هذه الأسباب ليست على حافة البئر وبالتالي فليس سهلاً أن نستقيها. بل هي في العمق.
كم من مرة أجبت: "لا أعرف"، عندما تم طرح هذا السؤال عليك: "لماذا فعلت ذلك؟" حتى عندما نحاول تمييز دوافعنا، من الصعب رؤية "الخطية التي تقف خلف الخطية" لأننا لسنا نفحص بحياد. انطلاقًا من الرغبة العميقة في الشعور بالرضا عن أنفسنا، لا نريد أن نفحص عن كثب الدوافع التي تحرك سلوكنا.
في النهاية، الوحيد الذي يعرفنا تمامًا هو الله. يقول كاتب المزمور:
يَا رَبُّ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ. مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ، وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا. (مزمور 139: 1–4)
من جانب، نرى هذا المزمور معزي للغاية: قبل ولادتي، عرفني الله. ونسجني في رحم أمي. وحدَّد عدد أيامي. الله يعرفني تمامًا. لا شيء في حياتي مخفي عن الله. إنه يعرف الخير والشر والقبيح عني، وما زال يحبني.
ومن جانب آخر، نرى مزمور 139 مُرعب. هناك أفكار ومواقف ورغبات أعرفها بداخلي والتي أشعر بالخزي إن عرفها الآخرين. يمكن للناس رؤية ما أقوم به وسماع ما أقوله، لكنهم لا يعرفون ما هو الدافع لقلبي. بالنسبة لهذا الأمر، لا يمكنني دائمًا معرفة ما يدفع قلبي. يمكنني إخفاء الخطية من الداخل عن الآخرين وعن نفسي، لكن ليس عن الله. إنه يعرفني تمامًا. لا يوجد مكان في الكون يمكنني فيه الاختباء منه.
ومع ذلك، مع الانكشاف المذهل، يدعو كاتب المزمور إلى فحص دقيق لقلبه: "اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي انْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" (الآيات 23–24).
تعتمد قدرتنا على مواجهة حقيقة دوافعنا إراديًّا وبصدق على نؤمن به حقًا عن رسالة الإنجيل. نحن نرنم: "لا تدع الضمير يثقلك ولا تحلم بحالة مُثلى. فالحالة المُثلى التي يطلبها منك [الله] هي أن تشعر بحاجتك إليه".
إذا ضعف ضميرك بسبب "حالتك المثالية" — أي أن قبول الله لك يعتمد على ما تفعله لجعل نفسك مقبولًا — إذن فإن الصدق بشأن دوافع قلبك سيكون مخيفًا تمامًا. إن الجرأة لمواجهة حقيقة قلبك تنبع من الثقة في نعمة الله التي تبرر في المسيح يسوع. إِنْ كَانَ اللهُ مَعَك، فَمَنْ عَلَيْك (رومية 8: 31)؟ إن كان لا شيء في كل الخليقة يمكن أن يفصلك عن محبة الله في المسيح يسوع، فهذا يشمل خطيتك.
إن الدعوة إلى أن تكون معروف تمامًا تنبع من الثقة في شخص الله. فهو رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ (مزامير 103: 8). "إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا"، فلا يجب علينا أن نخاف مما سيجده الله في قلوبنا. إن الفحص ليس لمنفعته ولكن لمنفعتنا نحن. يعرف الله بالفعل الدوافع والرغبات التي في غير محلها وراء خطايانا الظاهريَّة. أن يرينا الله ما يحفز قلوبنا وأن يقودنا نحو التوبة هو من أجل مصلحتنا، لكي نتحرَّر من القوة المسيطرة للخطية المتبقية فينا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.