وسائط النعمة العاديَّة
۱۵ أبريل ۲۰۲۱ما هي وسائط النعمة؟
۱٦ أبريل ۲۰۲۱نَيل وسائط النعمة
تبرز وسائط النعمة ضرورة الكنيسة في الحياة المسيحيَّة. فالرب لم يخلقنا لنسلك في الحياة المسيحيَّة بمفردنا. فقد شُبِّه المؤمنون بالجمر الساخن. إن سلك المؤمن بمفرده، فسيخمد، لكن برفقة مؤمنين آخرين، يزداد اشتعالًا. وتعد العبادة الجماعيَّة الوسيلة التي بها ندخل إلى محضر الله كلي الوجود (مزمور 113: 4؛ 139: 7). فكلما يجمع الآب عائلته معًا، يتحدَّث المسيح إليهم من خلال الوعظ بكلمته (رومية 10: 11-17؛ أفسس 2: 17) حيث نرفع صلواتنا بالروح القدس ونتمتَّع بحضور الله في الفريضتين. إن آية "غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا" (عبرانيين 10: 25) تعني أكثر من مجرد الحضور جسديًّا برفقة مؤمنين آخرين. إذ تعد الاجتماعات العامة للكنيسة بقيادة خدَّامها هي المكان الذي ننال فيه الوسائط التي تُشدِّدنا في الخلاص. فلا بد أن ننال وسائط النعمة ونستخدمها بالإيمان، مُعدِّين أنفسنا لنيلها، ودراسة طبيعتها واستخدامها من الكتاب المُقدَّس.
وسائط النعمة عديمة القيمة بدون إيمان. كما يستحيل إرضاء الله بدون إيمان (عبرانيين 11: 6). إذ ينطوي الإيمان على الثقة بوعود الله في المسيح، وانتظار بركاته بالروح القدس. فوسائط النعمة لا تنشط تلقائيًّا؛ بل هي أدوات ننال بواسطتها النعمة، وليست آلات تنتج النعمة. إن استخدام وسائط النعمة للمثابرة في الخلاص يجعلنا نتكل على الله مُثلَّث الأقانيم. فنحن نثق في الآب الذي اختارنا للخلاص، ونثق في الابن الذي اشترى خلاصنا، ونثق في الروح القدس الذي يمنحنا الخلاص ويحضرنا إلى المجد. فنحن تم خلاصنا (أفسس 2: 8)، وننال الخلاص (1 كورنثوس 1: 18)، وسنخلُص (1 بطرس 1: 5). كما أن الروح القدس بقوَّة لا تُقهَر يحفظ الحياة الأبديَّة التي لنا في المسيح (يوحنا 14: 16؛ فيلبي 1: 6). "وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ" (متى 24: 13؛ انظر أيضًا رؤيا 3: 21). فالْغَلَبَةُ الَّتِي بها نغلب الْعَالَمَ هي الإيمان (1 يوحنا 5: 4)، لأننا بالإيمان نقبل المسيح (كولوسي 2: 6) الذي هو حكمتنا من الله، وبرنا وقداستنا وفداؤنا (1 كورنثوس 1: 30). فكل مَن يؤمن بالمسيح، يخلص (يوئيل 2: 32؛ أعمال الرسل 2: 21)، لكن إن لم نؤمن لن نأمن (إشعياء 7: 9). إن وسائط النعمة ثمينة لأنه من خلالها نحظى بشركة مع الله. فإن كنَّا نأتي إلى الكنيسة لنشعر بالتديُّن أو بالصلاح دون أن نتقابل مع الله مُثلَّث الأقانيم، فينبغي أن نحتسب كل شيء خسارة. الإيمان هو الوسيلة التي نصل بها إلى الله الذي سبق وتواصل معنا من خلال وسائط النعمة. هل نرغب في تعميق معرفتنا بالآب ونحن نتمتَّع بشركة معه في المسيح بقوَّة الروح القدس؟ لقد عيَّن الله وسائط النعمة ليخلق طريقًا باتجاهين بين السماء والأرض. إذ يتواصل الله معنا عبر وسائط النعمة، ونبادله نحن هذا التواصل بالإيمان.
ومع ذلك، فإن ممارسة الإيمان تتطلَّب استعدادًا وعبادةً. يُشرك الإيمان الإنسان بكامل ذهنه وقلبه وإرادته. فلا بد أن نعرف ما ينبغي أن نؤمن به، وماذا ينبغي أن نفعل. فحن نحتاج إلى قلوب تحب الآب الذي أحبَّنا أولًا ووهبنا ابنه (1 يوحنا 3: 16-18). ونحتاج إلى محبَّة من عمل الروح القدس تجاه الله، وعلينا أن نُخضع إرادتنا له. من أجل الاستفادة القُصوى من وسائط النعمة، ينبغي لنا إعداد قلوبنا لمقابلة الله في العبادة العامَّة. يخبرنا الكتاب المُقدَّس أن المؤمنين يتأمَّلون ويتعبَّدون (مزمور 1: 2؛ 119). هذا يعني التفكير كتابيًّا وبوضوح وبعناية وتعبديًّا في مجد الله حيث أعلن نفسه في كلمته وبأعماله. فالتأمُّل يصنع فرقًا في الحياة المسيحيَّة. هل نتقدَّم للعبادة مدركين وعود الله أنه يلتقي بها في العبادة؟ هل نعرف ما يُسر الله ويرضيه، وهل نفكِّر فيما يفعله وفيما نفعله حين نتقدَّم للعبادة؟ هل نتوقَّع سماع صوت المسيح في الوعظ بالكلمة؟ هل نتمتَّع بمحبَّة الآب الذي أقام ابنه من الموت والذي يقودنا للاحتفال بهذا الحق في أول أيام الأسبوع؟ مع أن الروح القدس له السيادة المُطلقة ويعمل بمعايير مختلفة في أزمنة مختلفة، فهل نتوقَّع منه أن يكون أمينًا في إحضارنا إلى الرب يسوع من خلال وسائط النعمة؟ بإيجازٍ، بالاستعداد والتأمُّل نُبطل التركيز على أنفسنا حين نستخدم وسائط النعمة ونوجِّهه على الله مُثلَّث الأقانيم. ما الذي يمكن أن يكون أكثر فائدة لنفوسنا من هذا؟ إن الاستعداد لنيل وسائط النعمة يُعلِّمنا أن نحيا كما قصد الله لنا أن نحيا: من أجل مجده مع شعبه لخلاص نفوسنا.
يتطلَّب كل من الإيمان والاستعداد دراسة. كثيرًا ما يرغب المؤمنون في دراسة كيفيَّة فهم الكتاب المُقدَّس بشكلٍ أفضل. وهذا حسن، طالما أنَّنا ندرس الكتاب المُقدَّس من أجل الله لا لإشباع فضولنا وتعطُّشنا للمعرفة فحسب. يمكن للمسيحيَّة أن تتحوَّل بسهولة إلى التركيز على تبريري، وبنوَّتي، وتقديسي، وتجاربي وأفراحي. لا تقتصر المسيحيَّة على مُجرَّد نيل قائمة من البركات بطريقة صحيحة، ولكنَّها تتعلَّق بمعرفة الله الحقيقي بالطريقة الصحيحة (يوحنا 17: 3). تذكِّرنا وسائط النعمة أن كل ما يهم في الحياة يتعلَّق برؤية مجد الله في وجه الرب يسوع المسيح (2 كورنثوس 4: 6). عندما نفكِّر في الوعظ والفرائض المُقدَّسة، يسهل لنا الظن أن هذه من "مهام" الراعي وأنها لا تمسنا على نحو شخصي. إن كان الوعظ وخدمة الفرائض المُقدَّسة والصلاة العامة هي الوسائط التي أعطاها الله لنا، أفلا ينبغي لنا دراسة وسائط النعمة ودورها في الحياة المسيحيَّة، ونشجع الرعاة على إعطائها الأولويَّة في خدمتهم العامَّة؟ تمنحنا مُؤسَّسات أخرى مزايا خارجيَّة في هذه الحياة. الكنيسة وحدها هي التي تهبنا الله، والله يعلن نفسه لنا عبر وسائط النعمة. يُقدِّم العالم الصحة والثروة والازدهار؛ أما الله يُقدِّم ذاته في خدمة الكنيسة ومن خلالها. إن وسائط النعمة هي الطريق الذي ينبغي لنا طلبه وإيجاده. متى كانت آخر مرة قرأت فيها كتابًا عن الوعظ بكلمة الله؟ هل تدرس الفرائض المُقدَّسة؟ هل تُكثر من صلاتك في الخفاء ومع الأسرة وفي الصلاة العامة؟
إن وسائط النعمة تُقوِّي الإيمان والحياة المسيحيَّة، كما تغذِّي الرجاء المسيحي. والنتيجة النهائيَّة هي محبَّة الله ومحبَّة القريب. فكما نموت دون طعام وماء، نهلك بدون قَبُول المسيح طعامًا وشرابًا روحيَّين (يوحنا 6: 53). على الرغم من أن وسائط النعمة بسيطة وأحيانًا تبدو غير ملحوظة، إلا أن الله يصنع أمورًا عظيمة من خلالها. في تقديسنا، يجب أن نتوقَّع تقدُّمًا بطيئًا لكن ثابتًا (معظم الوقت). نادرًا ما توجد حلول سريعة للخطيَّة، والقفزات الكبيرة في التقديس هي استثنائيَّة. يُخلِّص الله البعض فورًا من الخطايا المُتجذِّرة في حياتهم، ولكن في أغلب الأوقات علينا أن نجاهد لإماتة أعمال الجسد بالروح القدس (رومية 8: 13). كما يستخدم الله مُثلَّث الأقانيم وسائط النعمة ليُميت الخطيَّة التي فينا، ويقودنا في طرق البر من أجل اسمه (مزمور 23: 3). إن هجر الكنيسة مثل هجر الطعام. قد لا تكون كل وجبة شهيَّة، لكن الطعام برمَّته يبقينا أحياء. غالبًا لا ندرك مدى نمونا بوسائط النعمة إلا حين نهملها أو نفقدها.
يستخدم الرب وسائط النعمة ليغذِّي الحياة المسيحيَّة في المسيح. ينبغي أن نتوقَّع بإيمان من الروح القدس أن يبارك الوسائط المُختارة من الآب. وينبغي أن نستعد لنيل وسائط النعمة بالدراسة والتأمُّل. كما ينبغي أن نثق في الله بأن يستخدم الوسائط التي تقودنا إلى المُخلِّص عوضًا عن الوثوق في الوسائط بدلًا من المُخلِّص. فدعونا نبحث عن الرب في وسائط النعمة لتشديد عمل الإيمان وتعب المحبة وصبر الرجاء (1 تسالونيكي 1: 3) مثابرين بثقة حتى نهاية الجهاد (عبرانيين 12: 1). فالرب يسوع هو رئيس إيماننا ومُكمِّله، وسيقيم في الرحب أرجلنا (مزمور 31: 8) طالما نستخدم الوسائط التي عيَّنها لنسلك فيها معه.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.