
لماذا يبقى الله غير منظور؟
٦ مايو ۲۰۲۵
ماذا الذي يعنيه لنا أن ندعو الله أبانا؟
٦ مايو ۲۰۲۵ما معنى “العناية الإلهيَّة”؟

الكلمة الإنجليزية التي تُترجَم إلى "العناية الإلهيَّة" [providence] هي كلمة بسيطة مكوَّنة من بادئة وجذر، ومعناها "يرى مُسبقًا". لكننا نفسد عقيدة العناية الإلهيَّة إذا ما قلنا إن الله يرى كل ما يحدث في هذا العالم قبل حدوثه، وإنه المراقب السماوي الأعظم لتاريخ البشريَّة. فإن هذه العقيدة تنطوي على ما يتعدَّى كثيرًا كون الله مجرد متفرج سماوي.
في واقع الأمر، لا توجد سوى ثلاث طرق نستطيع بها وصف العلاقة بين الله وهذا العالم. أولًا، هناك وجهة النظر الربوبيَّة، والتي بموجبها خلق الله العالم، ويديره مثل الساعة، باستخدام مسببات ثانوية مدمَجة بداخله. ومن ثَمَّ، يعمل العالم مثل الآلة، ويخرج الله من الصورة، مكتفيًا بمراقبة كل ما يحدث في هذا العالم، دون أن يتدخل أو يقتحم المشهد البتة. فكلُّ شيء يحدث وفقًا للمسبِّبات ثانوية المدمَجة داخل الكون. هذا الرأي له بعض المزايا، إذ يترتب عليه عدم إمكانية إلقاء اللوم على الله من جهة أي خطب يحدث. ونستطيع أن نقول إننا نحن المخلوقات مَن نتسبب في كل المآسي والكوارث التي تحدث في هذا العالم، وإن الله بريء منها لأنه لا يستطيع التدخل.
أما وجهة النظر الثانية، والتي تُعَد بمثابة رد فعل مبالغ فيه تجاه الربوبية، فتدَّعي أنه لا وجود لمسبِّبات ثانوية حقيقية في هذا العالم. فكلُّ ما يحدث هو نتيجة مباشرة لتدخل الله المباشر. فهو السبب في ارتفاع يدي أو انخفاضها. وإذا وقع حادث سيارة، فالله هو من سبَّبه بشكل مباشر. والإرادة الحرة وهم تام، ولا يوجد ما يسمَّى بالمسببات الثانوية. نحن فقط نظن أننا نسلك كأشخاص مسئولين عن أفعالهم، لكننا لسنا كذلك. الله يفعل كل شيء. وهذا هو ما يمكن أن نسميه بالواحدية الأخلاقيَّة [ethical monism]، والتي بموجبها يحتِّم الله كل شيء، وهو في حقيقة الأمر المسبب لكلِّ ما يحدث.
أعتقد أن وجهة النظر الكتابيَّة، والتي هي في رأيي وجهة النظر المسيحيَّة التاريخيَّة القديمة، ترفض كلا هذين الرأيين. نؤمن بأن الله خلق هذا الكون وأعطى أشياء وأشخاص فيه قوَّة السببيَّة الثانويَّة. بحيث يمكن في حقيقة الأمر أن نفعل الأشياء بمحض إرادتنا، وبموجب قراراتنا الشخصية، وباستخدام عقولنا وإرادتنا وأفعالنا. لكن في كل جزء من أفعالنا، وفي كل جزء من المسببات الثانويَّة العاملة، يظل الله متحكمًا تمامًا. وهو يعمل في بعض الأحيان من خلال المسببات الثانوية حتى يتمِّم مشيئته، بينما في أحيان أخرى يعمل دون تلك المسبِّبات الثانويَّة. وفي بعض الأحيان، يقتحم المشهد ببساطة كما فعل في القوات التي صنعها يسوع في العهد الجديد؛ لكنه في أحيان أخرى، يستخدم قراراتنا وأفعالنا لتتميم مشيئته السياديَّة. تعني العناية الإلهيَّة أن الله متسلط على كلِّ شيء، ومتحكم في كلِّ شيء، يحدث في هذا العالم.