ما هي العناية الإلهية؟ - خدمات ليجونير
في المسيح آلامنا ليست باطلة
۲۰ أبريل ۲۰۲۰
متى سيأتي ملكوت الله؟
۲۸ أبريل ۲۰۲۰
في المسيح آلامنا ليست باطلة
۲۰ أبريل ۲۰۲۰
متى سيأتي ملكوت الله؟
۲۸ أبريل ۲۰۲۰

ما هي العناية الإلهية؟

من ضمن الطرق التي بها غزا الفكر العلماني مجتمعنا المسيحي هي الفلسفة الحياتيَّة التي تفترض أن كلَّ شيء يحدث بفعل أسباب طبيعيَّة ثابتة، بينما الله، إن كان موجودًا من الأساس، هو فوق كل شيء، مترفِّعًا عن كل شيء. فهو مجرد متفرج من السماء، يتطلَّع إلى أسفل، ربما لتشجيعنا، لكنه لا يمارس أي تحكُّم مباشر فيما يحدث على الأرض. لكن في القديم، كان لدى المؤمنين وعي شديد بأن هذا العالم هو عالم الآب، وبأن شؤون البشر والدول، في نهاية المطاف، هي في يديه. هذا هو ما يعبِّر عنه بولس في رومية 8: 28 – معرفة يقينيَّة بالعناية الإلهيَّة: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ".

بعد ذلك مباشرة، انتقل بولس في تسلسُلٍ عن سابق التعيين: "لِأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهَؤُلَاءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا" (رومية 8: 29-30). ثم استخلص الاستنتاج التالي: "فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟" (الآية 31 أ)؛ أي، ماذا ينبغي أن يكون رد فعلنا تجاه سيادة الله، وتجاه حقيقة أنه يتمِّم قصدًا إلهيًّا في هذا العالم وفي حياتنا أيضًا؟ يرفض العالم ذلك الحق، لكن يجيب بولس قائلًا:

إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لِأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لَا يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا. مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ ... وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. (الآيات 31 ب–37)

يقدِّم قولٌ من أقدم أقوال الكنيسة القديمة مجمل جوهر العلاقة بين الله وشعبه في العبارة التالية: Deus pro Nobis، التي تعني "الله معنا". هذا هو مجمَل عقيدة العناية الإلهيَّة، أن الله مع شعبه، أي في صفِّهم. يسأل بولس: "فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أشدة، أم خطر، أم سيف، أم اضطهاد، أم ألم، أم مرض، أم عداء البشر؟ يقول بولس إنه بغض النظر عمَّا سنضطر أن نقاسيه في هذا العالم كمؤمنين، لا شيء يقدر أن يمزِّق العلاقة التي نتمتع بها مع عناية إلهيَّة مُحِبة، تملك السلطان والسيادة.

تتكوَّن كلمة providence، التي تترجَم "عناية إلهيَّة"، من بادئة وأصل. يأتي الأصل من الكلمة اللاتينية videre، التي تأتي منها كلمة "فيديو". تقول مقولة شهيرة ليوليوس قيصر: "فيني، فيدي، فيتشي" (Veni, vidi, vici)؛ ومعناها: "أتيتُ، ورأيتُ، وغزوتُ". جاءت كلمة "فيدي" (vidi) التي وردت في هذه العبارة، والتي تعني "رأيتُ"، من كلمة videre، التي تعني "يرى". لهذا السبب نطلق على التلفاز اسم "فيديو". ومن ثَمَّ، فإن الكلمة اللاتينية provideo، التي جاءت منها كلمة providence، تعني "يرى مسبقًا، أو رؤية مسبقة، أو نظرة مسبقة". لكن يميِّز علماء اللاهوت بين سابق علم الله، وعناية الله. فمع أن كلمة providence ("العناية الإلهيَّة") تتساوى، بحسب المعنى الاشتقاقي للكلمة، مع كلمة foreknowledge ("سابق العلم")، لكن يغطي مفهوم العناية الإلهيَّة نطاقًا أوسع من مفهوم سابق العلم. وفي حقيقة الأمر، من أقرب الكلمات إلى هذه الكلمة اللاتينيَّة في لغتنا هي كلمة provision ("توفير" أو "تدبير" أو "إعالة").

لاحظ معي ما يقوله الكتاب المقدس عن مسؤوليَّة رب المنزل: "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلَا سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الْإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ" (1 تيموثاوس 5: 8). فقد وُضعت على عاتق رب المنزل مسؤوليَّة أن يكون هو مَن يعتني ويعول. يعني هذا أنه ينبغي أن يعرف مسبقًا ما ستحتاجه العائلة من ضرورات الحياة، ثم أن يسدِّد تلك الاحتياجات. حين قال يسوع: "لَا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلَا لِأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ" (متى 6: 25)، لم يكن يشجِّع على السلوك بإهمال ودون مبالاة في الحياة، بل كان يتحدَّث عن القلق. ينبغي ألا نخاف، بل أن نضع ثقتنا في الإله الذي سيسدِّد احتياجاتنا. في الآن ذاته، يضع الله على عاتق أرباب المنزل مسؤوليَّة إعالة العائلة والعناية بها، أي عليهم أن يضعوا الغد في حسبانهم، ويحرصوا على وجود طعام ولباس كافٍ للعائلة.

نجد كلمة providence لأول مرة في العهد القديم في قصة تقديم إبراهيم لإسحاق ابنه ذبيحة على المذبح. أمر الله إبراهيم بأن يأخذ إسحاق ابنه، الذي يحبه، إلى أحد الجبال ويقدمه هناك ذبيحة. كان من الطبيعي جدًا أن ينزعج إبراهيم ويتألم كثيرًا من صراع داخلي عنيف بسبب ذلك الأمر الذي تلقَّاه من الله. وبينما كان إبراهيم يستعد لإطاعة الله، طرح عليه إسحاق هذا السؤال: "هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلَكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟" (تكوين 22: 7)؛ فأجابه إبراهيم: "اللهُ يَرَى [provide] لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي" (الآية 8). تحدَّث إبراهيم هنا عن "يَهْوَهْ يِرْأَهْ"، أي "الله الذي يدبِّر". كانت هذه هي المرة الأولى التي تحدَّث فيها الكتاب المقدس عن عناية الله، المتَّصلة بتدبير الله لاحتياجاتنا. قطعًا، يتطلَّع هذا النص أيضًا إلى المستقبل حيث التدبير النهائي الذي صنعه الله بفضل سيادته الإلهيَّة، أي إلى ذلك الحَمَل الفائق الذي قُدِّم ذبيحة نيابة عنَّا.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.