ما هو التمييز؟ - خدمات ليجونير
ما هو يوم الإصلاح؟
۲۵ سبتمبر ۲۰۲۰
أخطر مكان على الأرض
۱۲ أكتوبر ۲۰۲۰
ما هو يوم الإصلاح؟
۲۵ سبتمبر ۲۰۲۰
أخطر مكان على الأرض
۱۲ أكتوبر ۲۰۲۰

ما هو التمييز؟

أعرب لي أحدهم مؤخَّرًا عن رأي فاجأني وبطريقةٍ ما خذلني. قلت لنفسي: "كنت أعتقد أنه يتحلَّى بقدرٍ من التمييز أعلى من هذا".

دفعتني هذه التجربة إلى التفكير في أهميَّة التمييز وافتقار عالمنا إليه. نعلم أن الناس كثيرًا ما لا يرون الأمور بوضوح، ويمكن تضليلهم بسهولة لأنهم لا يفكِّرون بشكل كتابي. لكن، للأسف، لا يسع للمرء سوى التفكير في صحة هذا الأمر داخل الكنيسة أيضًا.

لا شك أن معظمنا يريد أن ينأى بالنفس عمَّا يمكن اعتباره "الحافة الحمقاء" للمسيحيَّة المعاصرة. إذ نحترس من الانسياق خلف المعلِّمين الكذبة. لكن، ينطوي التمييز على ما هو أكثر من ذلك. إذ أن التمييز الحقيقي لا يعني فقط التفرقة بين الصواب والخطأ، بل يعني أيضًا التفرقة بين ما هو أولي وما هو ثانوي، وبين ما هو جوهري وما هو سطحي، وبين ما هو دائم وما هو زائل. وبالطبع يعني التفرقة بين ما هو جيِّد وما هو أفضل، وحتى بين ما هو أفضل وما هو الأفضل.

وكهذا فإن التمييز يعتبر مثل الحواس الجسديَّة؛ إذ يُعطى للبعض مقدارًا كبيرًا منه كموهبة بالنعمة خاصة (1 كورنثوس 12: 10)، ولكن بعض القدر منه ضروري لنا جميعًا إذ لا بد أن نتغذَّى منه باستمرار. فلا بد على المسيحي الاهتمام بتنمية "حاسته السادسة" للتمييز الروحي. لهذا يصلي كاتب المزمور قائلًا: "ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي" (مزمور 119: 66).

طبيعة التمييز:

لكن ما هو هذا التمييز؟ في مزمور 119: 66، استُخدمَت كلمة "ذوق" والتي تعني المقدرة على إصدار أحكام تمييزيَّة على التطبيقات الأخلاقيَّة في المواقف المختلفة ونهج السلوكيَّات والتفرقة بينها وإدراكها. كما تنطوي على المقدرة على "موازنة" وتقييم الحالة الأخلاقيَّة والروحيَّة للأفراد والمجموعات وحتى الحركات. بناءً عليه، وأثناء تحذير الرب يسوع لنا من إدانة الآخرين، يحثنا على التحلِّي بالتمييز والتفرقة كيلا نطرح دُررنا أمام الخنازير (متى 7: 1، 6).

نقرأ مثال بارز عن مثل هذا التمييز في يوحنا 2: 24-25، إذ يقول: "يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ ... لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ".

فهذا تمييز بلا إدانة. إذ انطوى على معرفة ربنا لكلمة الله وحفظه لطرق الله مع البشر (وقد صلَّى، قبل كل شيء، "ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي، لِأَنِّي بِوَصَايَاكَ آمَنْتُ" مزمور 119: 66). بلا شك قد نمت قدرته على التمييز، كإنسانٍ، أثناء تجربته وتغلبه عليها، كما في تقييمه لكل موقف في ضوء كلمة الله.

لقد كان تمييز الرب يسوع يتغلغل داخل أعماق القلب. لذا فالمسيحي مدعو لتنمية مثل هذا التمييز. لأن التمييز الوحيد ذو قيمة في حياتنا يتمثَّل فيما نلناه بالاتحاد مع المسيح، بالروح القدس، من خلال كلمة الله.

لذا، فإن التمييز هو تعلُّم التفكير بأفكار الله عمليًّا وروحيًّا. وهذا يعني التحلِّي بإحساس كيف تبدو الأمور في عيني الله، ورؤيته لها باعتبار كل شيء "عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ" (عبرانيين 4: 13).

تأثير التمييز:

كيف يؤثِّر هذا التمييز على أسلوب حياتنا؟ يؤثِّر بأربع طرق:

1- يعمل كوسيلة للحماية، تحفظنا من أن ننخدع روحيًّا. إذ يحمينا من أن تقذفنا بعيدًا رياح التعليم الذي يحوِّل أحد عناصر الإنجيل الثانوية إلى تعليم جوهري، أو إعلاء تطبيق كتابي بعينه كما لو أنه الرسالة المركزيَّة للكتاب المقدس.

2- يعمل التمييز أيضًا كأداة للشفاء حين يُمارس بالنعمة. عرفت عددًا قليلًا من الأشخاص الذين كانت قدرتهم على تشخيص الاحتياج الروحي للآخرين مُذهلة. مثل هؤلاء يبدون قدرة على التغلغل داخل لُب الأمور التي يواجهها المرء أفضل من قدرة صاحبها ذاته. بالطبع، يعد هذا بصورة ما موهبة خطيرة قد ائتمنهم الله عليها. ولكن حين تُمارس بمحبة، سيكون التمييز في منزلة المشرط في عمليَّة جراحيَّة روحيَّة يجعل الشفاء ممكنًا.

3- مرة أخرى، يُستخدَم التمييز كمفتاح للحريَّة المسيحيَّة. يصير المسيحي الغيور الذي يفتقر إلى التمييز عبدًا للآخرين، ولضميره الجاهل، ولنمط حياة غير كتابي. إنما النمو في التمييز يحرِّرنا من مثل هذه العبوديَّة، ويمكِّننا من التفرقة بين الممارسات التي قد تكون نافعة في بعض الظروف وتلك التي تعد ضروريَّة في كل الظروف. لكن بطريقةٍ أخرى أيضًا، يُمكِّن التمييز الحقيقي المسيحي الحر من إدراك أن ممارسة الحريَّة ليست جوهريَّة للتمتُّع بها.

4- أخيرًا، يعمل التمييز كحافظ للنمو الروحي، إذ نقرأ: "اَلْمُسْتَهْزِئُ يَطْلُبُ الْحِكْمَةَ وَلَا يَجِدُهَا، وَالْمَعْرِفَةُ هَيِّنَةٌ لِلْفَهِيمِ" (أمثال 14: 6). لماذا؟ لأن المسيحي الذي لديه القدرة على التمييز يتَّجه نحو بواطن الأمور. إذ يعرف شيئًا عن كل شيء، أي أن كل الأشياء تشترك في مصدرها وهو الله. لذا، لا يقود ازدياد المعرفة إلى زيادة الإحباط، بل إلى إدراك أعمق للتناغم بين جميع أعمال الله وأقواله.

كيف يمكن اقتناء مثل هذا التمييز؟ نقتنيه مثلما اقتناه المسيح، بمسحة الروح القدس، من خلال فهمنا لكلمة الله، ومن خلال اختبارنا لنعمة الله، ومن خلال الكشف التدريجي لنا عن الحالة الحقيقيَّة لقلوبنا.

لذلك، ينبغي أن نصلِّي أيضًا: "عَبْدُكَ أَنَا. فَهِّمْنِي فَأَعْرِفَ شَهَادَاتِكَ" (مزمور 119: 125).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

سينكلير فيرجسون
سينكلير فيرجسون
الدكتور سينكلير فيرجسون هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير وأستاذ استشاري لعلم اللاهوت النظامي في كلية اللاهوت المُصلَحة. شغل سابقًا منصب الراعي الأساسي في الكنيسة المشيخيَّة الأولى في مدينة كولومبيا، بولاية ساوث كارولاينا، وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا، بما في ذلك "المسيح كاملًا" (The Whole Christ).