الطريق والحقّ والحياة - خدمات ليجونير
صَوْنُ الوحدةِ في غَمْرَةِ الخِلافات
۷ ديسمبر ۲۰۲۳
ما هو ملكوت الله؟
۱۲ ديسمبر ۲۰۲۳
صَوْنُ الوحدةِ في غَمْرَةِ الخِلافات
۷ ديسمبر ۲۰۲۳
ما هو ملكوت الله؟
۱۲ ديسمبر ۲۰۲۳

الطريق والحقّ والحياة

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثاني عشر] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ الحياة اليهودية في أيام يسوع].

ما هي الآية التي غالبًا ما نسمعها أكثر من غيرها في إنجيل يوحنّا؟ قد تتبادر إلى ذهننا حالًا الآية الموجودة في يوحنا 3: 16 والتي تقول: "لأنه هكذا أحبّ اللهُ العالمَ حتّى بذلَ ابنَه الوحيد..."

أو هل يمكن للكلمات الموجودة في مقدّمة إنجيل يوحنّا (1: 1-18) أنْ تكون هي التي نسمعها أكثر من غيرها؟ فنحن نقرأها كلّ عام في زمن الميلاد.

ولكن ربّما تكون الإجابة الأكثر ترجيحًا هي الآية من يوحنا 14: 1: "لا تضطرب قلوبُكم..." والتي تُقرأ تقريبًا في كلّ جنازة مسيحيّة.

قد يساعدنا هذا في شرحِ أمرَيْن:

  1. نادرًا ما نسمع هذه الكلمات ونتأمّل فيها ضمن سياقها الأصليّ. إنْ سألتَ حتّى شخصًا من روّاد الكنيسة العاديّين: "أخبرني، متى قال يسوع هذه الكلمات، وماذا كان يحدث قبل وبعد أنْ قالَها؟" فقد يجدون صعوبةً في تقديم إجابة عن سؤالك.
  2. نحن نميلُ إلى سماعِها وقراءَتِها كما لو أنّها كانت موجّهةً مباشرة إلينا.

هذه هي الطريقة التي دائمًا ما يستخدمها كثيرون من المسيحيّين، وربّما معظمهم، لقراءَة الكتاب المقدّس. بالتأكيد، هي طريقة مناسبة لنا اليوم. ولكن من المهمّ أنْ نتذكّر أنّه – كأيّ شيء آخرَ قاله يسوع في العُليّة – على الرغم من أنّ هذه الكلمات قد تنطبق علينا، إلّا أنّها كانت موجّهة للرسل فقط، فنحن لم نكن موجودين هناك.

إليكم إذن هذا المبدأ الأساسيّ لدراسة الكتاب المقدّس: نتأمّل أوّلًا فيما كانت تعنيه الكلمات للذين سمعوها؛ ثمّ نكتشف، بمعونة الروح القدس، كيف تنطبق علينا اليوم.

عندما نفعلُ ذلك، قد نجدُ أنفسَنا نطرحُ أسئلةً قد نتجاهلها فيما لو لم نفعل ذلك، وهذا بدوره قد يساعدنا على التعمّق أكثر في معنى المقطع الكتابيّ.

مثلًا، في الآية التالية، عندما نفكّر في السياق الأصليّ ليوحنّا 14: 1 يُثار لدينا هذا السؤال: كيف استطاع يسوع أنْ يقولَ لتلاميذه: "لا تضْطَربْ قلوبُكم"؟ ألا يخالف هذا قاعدةً أساسيّةً من قواعد النُصح والمشورة؟ ففي نهاية المطاف، كانت مشكلتهم أنّهم كانوا مضطربين، ولأسباب وجيهة حسب الظاهر.

لو استطاعَ الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب أنْ يريحوا أنفسَهم من مشاكلهم، لفعلوا ذلك. فعندما نطلب منهم ألّا يضطربوا، ألا يُعتبر هذا بكلّ بساطة مجرّد نصيحةٍ للشعور باليأس؟ ألم يكن يسوع يعرف أفضلَ من ذلك؟

لكنّ يسوع كان مستشارًا ضليعًا، لذا، لا بُدّ أنْ نجدَ في السياق ما يساعدنا على فهم ما فعله.

أضفْ إلى ذلك أنّه لو قرأنا المقاطع الكتابيّة في سياقها، فمن المرجح أكثر أنْ نلاحظَ تفاصيلَ مُهمّة. وأمامنا هنا مثال مُهمّ عن ذلك. فقد أخبرنا يوحنّا للتوّ أنّ "يَسوعَ ٱضْطَرَبَ بِٱلرُّوحِ" (13: 21)؛ الوصف نفسه مُستخدم في 14: 1). يسوع "المُضطرب" يطلب من تلاميذه ألّا "يضطربوا." ألا يُشبه هذا المثل الشائع: "لا ترشق الناس بالحجارة وبيتك من زُجاج؟" وقد يُعلّق قارئٌ ساخر قائلًا: " أَيُّهَا ٱلطَّبِيبُ ٱشْفِ نَفْسَكَ" (لوقا 4: 23).

يوجد مُفارقة هنا؟ أليس كذلك؟ نعم، ولكن هذه المفارقة تقدّم لنا دليلًا يساعدنا على فهم تحذير يسوع لتلاميذه. في الواقع، هو يوجّهنا بطريقته الخاصّة إلى لُبّ الإنجيل. ولأنّ يسوع اضطربَ، فلا داعي أنْ يضطربَ تلاميذُه آنذاك، وتلاميذُه الحاليّين. لأنّ ما يسبب هذا الاضطراب، أي خيانته وإلقاء القبض عليه وعاره وصلبه والتخلّي عنه، هو حمله عبْءَ أعمقِ مشاكلِنا: شعورنا بالذنب وبعارنا والموت الذي هو أجرة الخطيّة (رومية 6: 23). وبما أنّه يعرفُ ويفهمُ معنى أنْ يكونَ الإنسان مُضطربًا، فهو قادرٌ أنْ يتعاطفَ معنا. لأنّه شَعَرَ بالاضطرابِ، تستطيعُ قلوبُنا المضطربة أنْ تجدَ السلام فيه.

تكمن قوّة مشورة يسوع في الطريقة التي يشرحُ بها لماذا وكيف لا ينبغي أنْ تضطربَ قلوبُ تلاميذِه. لأنّه بينما توجد أسباب تجعل قلوبَهم مضطربة، يوجد أسباب أعظم لكيلا يضطربوا. وكما تكشف لنا المحادثة التي جرت بينهم، سوف يشرح لهم ذلك أكثر بينما يعالج بشكل خاصّ أسئلة اثنين من تلاميذه المضطرِبَيْن.

ما هي إذًا مشورة يسوع للقلب المضطرب؟ هو لا يتحدّث هنا عن اضطرابات بسيطة، بل عن اضطرابات عظيمة. لقد كان مضطربًا جدًّا في الروح، والآن أصبحَ تلاميذه مضطربين بشدّة أيضًا. عالمهم ينهار، وهم يشعرون بالإرهاق، وليس لديهم سيطرة على ما يجري. في ظلّ ظروف مثل هذه، كيف يمكن للقلب ألّا يضطرب؟ وإنْ أردنا تطبيق ما يجري هنا، هل يُمكن للمؤمن المسيحي اليوم أنْ يختبرَ مثل هذا الهدوء أو التوازن السماويّ؟

مشورة للقلوب المُضطرِبة

ما هي مشكلةُ القلب المضطرب؟ إنّها كالتالي: تبدو الظروف التي تهدّدنا أكبرَ وأقوى من مواردنا للتعامل معها. نحن كالتلاميذ الذين وجدوا أنفسَهم فجأة أمام عاصفة على بحر الجليل، ومهاراتنا وخبراتنا ليست كافية للتعامل مع وضع مثل هذا.

هل فكّرت يومًا أنّ يسوع كان فظًّا بعض الشيء مع تلاميذه عندما سألهم: "مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هَكَذَا؟" بالتأكيد، كان لديهم سببًا مُقنعًا ليخافوا، فقد كانوا يغرقون. في الواقع، كان يسوع يُشخّص المشكلة بطريقة لطيفة حين سألهم: "كَيْفَ لَا إِيمَانَ لَكُمْ؟" (مرقس 4: 40). بكلمات أخرى، كان في السفينة مواردَ مُتاحة لهم، فقد كان معهم شخص أقوى من الرياح والأمواج، وكانوا قد تجاهلوه - أو، لأكون أكثر دقّة، لقد فشلوا في وضع ثقتهم به.

تصعدُ على متن طائرة. يتمّ وضع الحقائب في المخزن المُخصّص لها. يبلغ وزن الحقيبة الواحدة حوالي 22 كيلوغرامًا، وعددها حوالي 200 حقيبة لأصحاب التذاكر الاقتصاديّة. يدخل الركّاب المقصورة، ولكلّ واحد منهم وزنًا معيّنًا. تُلقي نظرةً خاطفة من النافذة على المحرّكات الضخمة. هل سبق أنْ فكّرتَ: "كيف يُمكن للطائرات أنْ تُقلعَ من الأرض؟" هي لا تُقلعُ لأنَّ وزنّها أخفُّ من الهواء، أو لأنّ قانون الجاذبيّة اختفى. لا، هي تُقلع وتطير بسبب تفعيل قوانين الديناميكا الهوائيّة: فقوّةُ الرفعِ والدفعِ تتغلّب على الوزن والجذب. ويوجد أمر شبيه لذلك ينطبق على المسيحيّين؛ فنحن مُثقَلون بالتجارب والصعوبات والحيرة والأحزان العميقة. وكونك مسيحيًّا لا يمنحك حصانة منها. ولكن يوجد قانون آخر يعمل في حياتنا، ولدينا الموارد الكافية في يسوع المسيح للتغلّب عليها.

هذه هي النقطة التي يُلمّح إليها بولس: "يَعْظُمُ ٱنْتِصَارُنَا" ليس بسبب قوّتنا الذاتيّة، إنّما "بِٱلَّذِي أَحَبَّنَا" (رومية 8: 37).

إنّ توبيخَ يسوع لتلاميذه لا يعني ضمنًا أنّه كان يقول لهم: "أيّها التلاميذ الأغبياء، أنتم صيّادون مُحنّكون، لذلك كان ينبغي عليكم أنْ تضعوا ثقتكم في خبرتكم". لا، بل كان كلامه يعني ضمنًا: "كان ابنُ الله معكم في السفينة، خالق بحر الجليل والسيّد على العواصف والأمواج، ومع ذلك لم تؤمنوا بي." لقد أعمتهم ظروفَهم عن رؤية حضور مُخلّصهم، فامتلأوا خوفًا لا إيمانًا.

التمتّع بالإيمان

غالبًا ما نفكّر في الإيمان كما لو أنّه أمر غير عمليّ، ربّما لأنّنا نتكلّم عن "قبول" المسيح. لكن للإيمان أبعاد عمليّة. لقد اعتادَ آباؤنا الروحيّون الحكماء أنْ يتكلّموا عن "الإيمان العامل" – أي عن مُمارسة الإيمان، والتمسّك بوعود الله، وتثبيت أنظارنا على المسيح وكلّ ما هو عليه (عبرانيّين 3: 1؛ 12: 2).

لاحظ إذًا النصيحة التي قدّمها يسوع للقلوب المُضطربة: "آمنوا، ثقوا بالله، ثقوا به. ثقوا بي أيضًا."

لا تضطرب قلوبُكم. أوّلًا، لأنّ الله هو حصانتك: "اِسْمُ ٱلرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ ٱلصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ" (أمثال 18: 10)؛ "ٱللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي ٱلضِّيْقَاتِ، وُجِدَ شَدِيدًا" (مزمور 46: 1). لا عجبَ أنّ مارتن لوثر اعتادَ أنْ يقولَ لصديقه الأصغر منه فيليب ميلانشتون كلّما شعرا بالإحباط: "تعال يا فيليب؛ لنرنّم المزمور السادس والأربعينّ!" ولا نستغرب أنّ تطبّيقه لهذا المزمور بإعادة صياغته له أصبح نشيد الإصلاح: "إلهنا برج حصين" (A Mighty Fortress Is Our God).

تتضمّن كلمات يسوع هذه لتلاميذه مَنْطقًا: "آمنوا بالله، لذلك آمنوا بي أيضًا." سيكون الله ملجأً لهم – وهم يعرفون ذلك مُسبقًا؛ هم يعرفون المزمور 46 منذ أنْ كانوا أولادًا. ولكنّهم كانوا حتّى الآن مع يسوع لثلاث سنوات. لديهم كلّ الأسباب التي تدعوهم إلى الإيمان به أيضًا، والاحتماء به. لقد رأَوْا الأعمال القديرة التي أثبتت أنّه المسيح الموعود؛ لقد سمعوه يتكلّم عن علاقته الفريدة بأبيه الذي في السماء. فكما جاء إلى العالم ليُخلّصهم (يوحنا 3: 16)، سيترك العالم ليُعدّ لهم مكانًا في محضر أبيه: "فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلَّا فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" (14: 2-3).

اتبعوا قوّة مَنطقِ ربّنا هنا – لأنّ قوّة الإيمان تكمن في إدراكه:

  • فِعْلُ يسوع: أنا أترككم.
  • شَرْحُ يسوع: أنا ذاهب لأعدّ لكم مكانًا في بيت أبي.
  • استنتاجُ يسوع: لذلك سأرجع من أجلكم لأخذكم إلى الديار.

هل رأيتم المنطق؟ إنّ ما يُسمّيه اللاهوتيّون بعلم لاهوت المسيح (من هو يسوع وماذا يفعل) هو أساس لاهوت الخلاص (كيف يتمّ تطبيق عمله بطريقة خلاصيّة في حياتنا). ويجدر بنا التشديد على هذه النقطة: إنّ قوّة الإيمان لا تكمن في ذواتنا، أو حتّى في الإيمان نفسه، بل في المسيح ومنطق الإنجيل. وحتّى موضوع الإيمان الضعيف هو هذا المسيح الجبّار.

يا لهذا الصبر والاتزان اللذان يظهرهما ربّنا هنا وسط غمر الشدائد. وهكذا هي محبّته لتلاميذه لدرجة أنّه يبدو مُهتمًّا بشدائدهم أكثر من اهتمامه بشدائده. وهذا هو السبب الذي يجعلهم – ويجعلنا نحن معهم – قادرين على وضع ثقتنا به من دون أيّ تحفّظ.

ملاحظة من المحرّر: مُقتطف مُقتبس من كتاب بعنوان: Lessons from the Upper Room لسنكلير ب. فيرجسون.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

سينكلير فيرجسون
سينكلير فيرجسون
الدكتور سينكلير فيرجسون هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير وأستاذ استشاري لعلم اللاهوت النظامي في كلية اللاهوت المُصلَحة. شغل سابقًا منصب الراعي الأساسي في الكنيسة المشيخيَّة الأولى في مدينة كولومبيا، بولاية ساوث كارولاينا، وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا، بما في ذلك "المسيح كاملًا" (The Whole Christ).