مكان ملكوت الله - خدمات ليجونير
مَلِكُ ملكوتِ الله
۱٤ ديسمبر ۲۰۲۳
تَمَلُّكُ الملكوت
۲۰ ديسمبر ۲۰۲۳
مَلِكُ ملكوتِ الله
۱٤ ديسمبر ۲۰۲۳
تَمَلُّكُ الملكوت
۲۰ ديسمبر ۲۰۲۳

مكان ملكوت الله

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الرابع] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ مملكة الله].

تقتصرُ سلطةُ أيّ ملكٍ على حدودِ مملكتِه. يخلقُ تطبيقُ هذا المبدأ على ملكوت المسيح توتّرًا بين الإيمان والعَيان. يُعلنُ الكتابُ المقدّسُ أنّ الأرضَ، بكلّ ما فيها، وكلّ البشر عليها، هي مُلكٌ للربّ (مزمور 24: 1)، ومع ذلك، فإنّ العالمَ في موقعٍ مُعادٍ لمُلكِ الله، وهو عازم على الانفصالِ عن الله وعن سيادةِ حكمه (مزمور 2: 3). وبغضّ النظر عن هذا التمرّد، أعلن الله أنّه سيثبّت مَلِكَه الممسوح على جبل قُدسه، جبلِ صهيون (الآية 6). إنّ الإيمانَ بحُكم المسيح كوسيط، بإخضاعِنا لنفسه، وبمُلكِه علينا ودفاعِه عنّا، وبردع وقهرِ كلّ أعدائه وأعدائنا (التعليم المسيحي الأقصر 26)، هو عزاء لمواطني مَمْلكتِه. ومع ذلك، يتوقّع الكتابُ المقدّسُ تعبيرًا عن مُلْكِ المسيح أبعدَ من الحُكم الروحيّ لكنيستِه، التي هو رأسُها (أفسس 1: 22؛ كولوسي 1: 18).

غالبًا ما يصفُ الكتابُ المقدّس حُكمَ المسيح بمصطلحاتٍ جغرافيّة. فسلطانُه قائم من البحر إلى البحر- لا بل إلى أقاصي الأرض (مزمور 72: 8). يتوقّع زكريا 14: 9 ذلك اليوم الذي سيكون فيه الربّ مَلِكًا على كلّ الأرض. ويُشيرُ دانيال إلى ذلك الوقت الذي سيتمّ فيه القضاء على كلّ ممالك العالم واستبدالها بمملكة "لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا" (دانيال 2: 44). نرى هذه الشموليّة الجغرافيّة تتحقّقُ بشكلٍ أفضل في تلك الحالة الأبديّة عندما يَخلقُ اللهُ سماءً جديدة وأرضًا جديدة تحلّ مكان الخليقة القديمة، التي لعنتها الخطيّة، بعالَمٍ جديد يُشبه جنّة عدن ويتميّز بالبرّ الكامل (إشعياء 65: 17؛ 2 بطرس 3: 13؛ رؤيا يوحنّا 21: 1). ولعلّ أهمّ صفة تُميّز هذه المملكة المستقبليّة هي حضور الملك وسْطَ شعبِها (زكريّا 2: 5، 10-11). على الرغم من أنّ الكنيسة موجودة اليوم في بيئة معادية، إلّا أنّها تتمتّع برجاءٍ مبارك بأنّ جميع ممالك هذا العالم ستسقط، وأنّ ملكوتَ الله سينتصر. أمّا الآن، فالكنيسة تعيش في صراع؛ لكن عندئذ، ستنتصر الكنيسة وتحتلّ مكانًا حقيقيًّا يعمّ في السلام والبرّ في محضر الملك.

من الأمور التي نتعلّمُها في لاهوت الملكوت هذا هو الاهتمامٍ بأرض الميعاد والذي نراه في كلّ العهد القديم. يرتبطُ الكثيرُ من لاهوت العهد القديم بغزو إسرائيل لهذه الأرض وميراثهم لها وطردهم منها واستعادتهم لها. كان الوعد الأوّليّ بالأرض جزءًا راسخًا في عهدِ الله مع إبراهيم. لقد وعدَ اللهُ إبراهيمَ بأرضٍ تمتدّ من نهر الفرات إلى نهر مصر (تكوين 12: 7؛ 15: 18-17: 8). وعلى الرغم من أنّ الربّ ضَمَنَ لإبراهيم أنّ نسلَه سيمتلك الأرض إلى الأبد، إلّا أنّ إبراهيم، في أفضل أحواله، امتلك الأرض بطريقةٍ رمزيّة، لأنّه لم يكن يمتلكُ سوى مغارة (تكوين 13: 17؛ 23). عرف إبراهيم أنّه يوجد في الوعد بالأرضِ أكثر من مُجرّد تراب، إذ كان همُّه الأساسيّ هو الحصول على وطن سماويّ أفضل (عبرانيين 11: 16). من ناحية، تعكس تجربةُ إبراهيم تجربةَ الكنيسة: فامتلاكه "الآن" للأرض لم يكن مساويًا لواقع "وليس بعد" الذي سيكون لاحقًا. إنّ لاهوتَ الأرضِ هذا هو بمثابة درسٍ ملموسٍ لملكوت الله.

أوّلًا، كانت الأرض موعودة. مع أنّ الوعدَ كان مؤكّدًا، إلّا أنّ للوعد عنصرًا جغرافيًّا لم يتحقّق ليس فقط في زمن إبراهيم، بل لم يتحقّق أيضًا في زمن نسله. كان نسلُ إبراهيم خاضعًا لأكثر من أربعمائة سنة في أرضٍ غريبة، من دون وجود إمكانيّة لوراثة الوعد القديم. لكنّ اللهَ قام بتجديد الوعْدِ (خروج 6: 8؛ 13: 5، 11)، وقامت الأمّة بخطواتها الأولى نحو استلامِ ميراثها. لقد آمنوا مثلَ أبيهم إبراهيم بالوعد من دون أنْ يرَوْا تحقيقَه، لأنّ الجيلَ الذي غادرَ مصر لم يعبر نهر الأردن أبدًا. وهذا نفسه ينطبق على الكنيسة الآن. نحن نُدرك أنّه بالإيمان يرثُ الودعاءُ الأرضَ (متى 5: 5) وأنّ نسلَ إبراهيم الروحيّ سيرث العالم (رومية 4: 13). وهذا يتجاوزُ ما نختبره "الآن"، ولكنّه وعدُ الله. أمرٌ واحد مؤكد وهو: لقد أعدّ المسيح مكانًا لشعبه (يوحنا 14: 2؛ عبرانيّين 6: 19-20).

ثانيًا، كانت الأرض مُزدهرة. وصفَ الربُ الأرضَ بأنَها جيّدة وفسيحة وبأنّها تفيضُ لبنًا وعسلًا (خروج 3: 8). إنّها استعارة عن الوُفرة التي ستُنتجها الأرض. كان ازدهارُ الأرضِ طريقةً حيّة لتصوير البركات التي كانت من نصيب المفديّين. أنْ تكونَ أحد المفديّين ضمن شعبِ الله، فهذا يعني أّنّك موجود في مكانٍ من الغنى الروحيّ. وباستخدام العبارات التي استخدمها بولس: بَارَكَنَا الله بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ (أفسس 1: 3). إنّ أرضَ "اللبن والعسل" بالنسبة إلى المؤمن المسيحيّ تعادل الأماكن السماويّة.

ثالثًا، كانت الأرضُ مأهولةً. لم تكنِ الأرضُ التي وعدَ الله أنْ يُعطيها لبني إسرائيل غيرَ مُستخدَمة أو غيرَ مأهولة طوال السنوات التي كانوا فيها تحت العبوديّة في مصر. قال الربّ إنّ أممًا أعظم وأقوى من بني إسرائيل كانوا يسكنون الأرض (تثنية 7: 1). شكّل وجودُ هؤلاءِ السكّان المحليّين مشكلةَ إيمان، وتهديدًا مُحتملًا للإخلاص. واجهَ الربّ هذا التهديدَ بتحذيرهم من أنْ يسكنوا في الأرض جنبًا إلى جنب مع السكّان المحليّين، ومن عَقْدِ أيّ معاهدات معهم قد تجعلهم يقعون في الخطيّة ضدّ الله (خروج 23: 32-33). بل كان عليهم أن "يبيدوا بشكل كامل" أصنامَ تلك الشعوب وأنّ "يَكْسِروها" (الآية 24). وقد أدّى عدم اهتمام بني إسرائيل بهذا التحذير إلى طردِهم من الأرض.

كانت مشكلةُ الإيمانِ حقيقيّةً على حدّ سواء. وبما أنّ السكّان الكنعانيّين المحليّين كانوا مُحاربين أقوياء ومُقتدرين، وكان بنو إسرائيل ضعفاء جدًّا وعديمي الخبرة في الحرب، فقد كانت المسألة الأهمّ تتعلّق في كيفيّة امتلاك الأرض. كانت الأرض هِبَةً من الله، لكنّ امتلاكَ هذه الهبة يبدو شيئًا مُختلفًا تمامًا. لم يكن مُرجّحًا أنْ يغادرَ السكّانُ المحليّون بملء إرادتهم؛ بل سيقاتلون من أجل الاحتفاظ بأرضِهم. كان احتمالُ فوزِ بني إسرائيل في تلك المعركة احتمالًا ضئيلًا. كانت الطريقة التي شرح بها الربّ عمليّة امتلاك الأرض توضح درسًا روحيًّا حيويًّا عن انتصار المؤمن على سلطان الخطيّة.

كانت إجراءات التعامل مع الكنعانيين تتألّفُ من شقَّيْن: كان سيُقاتل الله لصالح بني إسرائيل، وكان على بني إسرائيل أنْ يقاتلوا بأنفسهم. أكّد الربّ للشعب أنّه سيقضي على أعدائهم ويهلكهم ويجعلهم يتراجعون (خروج 23: 23، 27). سيفعل ذلك بإرسال ملاكه أمامهم، وكان عليهم أنْ يُطيعوه (الآيتان 20 و 23). إضافةً إلى الملاك الذي سيقودُ المعركة، سيُرسل اللهُ خوفَه ودبابيره أمام بني إسرائيل لطردِ الكنعانيّين (الآيتان 27-28)، وكلاهما بمثابة استعارة تُشيرُ إلى شيء مُرعب.

إنّ دخولَ أرضِ كنعان هو إيضاح عن تعاونٍ قائم بين الله والشعب. لقد حقّق اللهُ النصرَ وأكّد عليه من خلال وعوده بإعطائهم الأرضَ وطرد الكنعانيّين الذين كانوا يُشكّلون عائقًا في طريق حصولهم على الوعد. ومع ذلك، كان على بني إسرائيل أنْ يعبروا نهرَ الأردن ويطردوا الأعداءَ بأنفسِهم في معركة طاحنة (تثنية 9: 3). وإيمانًا منهم بأنّ الله قد أعطاهم النُصرة، دخلوا الأرضَ وقاتلوا في ضوء ذلك النصر المؤكّد. لقد امتلكَ بنو إسرائيل الأرضَ فقط من خلال طاعتهم لأمرِ الله واستخدامهم لسيوفهم. كانت المعارك التي تُخاضُ من أجل الاستيلاء على الأرض معاركَ شديدة، وتمّ الاستيلاء على الأراضي الجديدة بطريقة تدريجيّة.

إنّ الاستيلاءَ على الأرضِ يرمز إلى معركة المؤمن ضدّ الخطيّة، وإلى تقديسِه التدريجيّ. ومع أنّ المسيحَ قد حقّق نُصرتَنا على الخطيّة، وقضى على سلطانها علينا، إلّا أنّ الخطيّة لن تهربَ منّا لمجرّدِ حصولِنا على الخلاص. إنْ حاولنا مُحاربة الخطيّة بقوّتنا الذاتيّة، فستكونُ الهزيمةُ أمرًا مؤكّدًا، لأنّ الخطيّة أقوى منّا. وفي المقابل، إنْ لم نجتهد لمحاربة الخطيّة باستخدام سلاح الله، فإنّ الهزيمة ستكون حتميّة. ولكن، إذا انضمَمْنا إلى الصراع مُطالبين بكلّ وعودِ الله وبأنّ المسيح قد انتصر، عندها يمكننا أنْ نتمتّع بالنُصرة. حتّى عندما نختبرُ انتصارًا على خطيّة مُعيّنة، لا يمكننا التخلّي عن حَذَرِنا لأنّنا نعيشُ في عالمٍ مملوء بالكنعانيّين، أي بالخطيّة والتجارب. لن يقودنا انتصارٌ واحد إلّا إلى صراع آخر. الحربُ الروحيّةُ هي إشارةٌ إلى تجربة اختبار ملكوتنا الحاليّ.

رابعًا، كانت الأرض مكانًا للحضور الإلهيّ. في نشيد البحر، أدرجَ موسى في تسبيحته إشارةً إلى الأرض التي كان الله سيأتي بشعبِه إليها: "تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ" (خروج 15: 17). بمعنى خاصّ وروحيّ، أنْ تكونَ في الأرض، فذلك يعني أنْ تكونَ حيث هو الربُّ موجود؛ أي أنْ تكونَ في محضره. لقد أكّد الربّ لموسى بنعمته أنَّ حضورَه سيذهب معه إلى الأرض، فيريحُه (خروج 33: 14). أصبحت فكرة "الراحة" مرادفة للأرضِ ولحضورِ الله (مزمور 132: 13-14). كانت الراحة حيث كان الربّ موجودًا؛ لقد كانت الراحةُ علامةً على حضورِه. وبهذا المعنى، كانت الأرضُ تُشير إلى الراحةِ الأخيرة التي سيختبرُها كلّ مؤمن في ملكوتِ الله السماويّ، مكانِ حضورِه المجيد، وديار المؤمن الأبديّة (1 بطرس 1: 4). بمعنى آخر، هذا يوازي راحةَ السبت التي يتمتّع بها المؤمن في مكان العبادة، حيث يلتقي الله مع شعبِه. مكانُ العبادة هو إشارة إلى مكان ملكوتِ الله.

إنّ أرضَ الميعاد تمسُّ بشكل هادف لاهوتَ الملكوت. كلاهما مكانان حقيقيّان. كانتِ الأرضُ ترمزُ إلى حضورِ الله وحمايته وسدّه احتياجات شعبه المفديّ. بالمعنى النهائيّ، الأرضُ هي نموذج (صورة نبويّة) لملكوت الله الشامل والأبديّ، والاختبار النهائيّ لحضور الله وما يترتّب عليه من سلام. تتحدّث الأرضُ عن الوُجهة النهائيّة لشعبِ الله وعن الرحلة اليوميّة نحو تلك الوُجهة. إنّ الدخولَ إلى أرضِ الراحةِ هو الوُجهة النهائيّة للمؤمنين. الملكوت آتٍ.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مايكل ب. ف. باريت
مايكل ب. ف. باريت
الدكتور مايكل ب. ف. باريت هو نائب الرئيس للشؤون الأكاديميّة، والعميد الأكاديمي، وبروفيسور العهد القديم في المعهد اللاهوتي البروتستانتي الإصلاحي في غراند رابيدز، ميشيغان. ألّف العديد من الكتب، منها: البداية مع موسى: دليل للعثور على المسيح في العهد القديم والحكمة من أجل الحياة: 52 تأمّل من العهد القديم Beginning with Moses: A Guide to Finding Christ in the Old Testament and Wisdom for Life: 52 Old Testament Meditations.