مَلِكُ ملكوتِ الله - خدمات ليجونير
ملكوت الله والكتاب المقدّس
۱۳ ديسمبر ۲۰۲۳
مكان ملكوت الله
۱۹ ديسمبر ۲۰۲۳
ملكوت الله والكتاب المقدّس
۱۳ ديسمبر ۲۰۲۳
مكان ملكوت الله
۱۹ ديسمبر ۲۰۲۳

مَلِكُ ملكوتِ الله

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثالث] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ مملكة الله].

في العالم القديم، كان الملك يُشرفُ على حملاتِ بناء المباني العامّة، ويقودُ جيوشَ أمّتِه في المعركة، ويُشرفُ على نظام العدالة، ويَنشرُ الحكمةَ خلال بذله كلَّ هذه الجهود. كان الملكُ تجسيدًا لهُوّيّة المملكة، وكان التعبيرَ المثاليّ عن شعبه، وغالبًا ما كان يوصفُ بأنّه أبُ الأمّة، ممّا يشير إلى وجود علاقة أعمق بين الملك وشعبِه من تلك التي تقتصر على الشؤون السياسيّة أو الحكوميّة. كانت العلاقةُ بين الملك وشعبه، في أفضل حالاتها، فرصةً مجيدةً لازدهار الإنسان، وفي أسوأ حالاتها، فرصةً مرعبة لمعاناة الإنسان.

الملك في خطّة الله للفداء

كان من المفترض دائمًا أنْ يكونَ للبشريّة ملكٌ، لأنّ البشرَ مخلوقون كجزءٍ من ملكوت الله. هذا ما قصده الله عندما جعلنا بحسب imago Dei، "صورة الله"، خالقًا الإنسان من الأرض ليشغلها ويملأ في النهاية مُلكَه الأرضيّ بصورته. في تكوين 1، تُصوَّرُ الأرضُ كقصر مادّيّ سوف يملأه ويخضعه يومًا ما وكلاءٌ بشريون خُلقوا على صورة ملكِهم الخالق الإلهيّ (الآيات 27-28). تُشكلُ هذه الهُوّيّة المَلَكيّة هوّيّتنا الإنسانيّة في مستواها الأساسيّ. حتّى في ضوء الفشل التامّ والدمارِ الناتجِ عن السقوط، لا تزال البشريّة مدعوّة إلى تثبيت أنظارها على هذه الرؤية لأرضٍ مملوءَةً بمجدِ الله، وصورُ الله التي نالت الفداء مدعوّون للصلاة من أجل تطبيق سيادة الله الملك "كما في السماء" كذلك على الأرض (متّى 6: 10؛ انظر إشعياء 6: 3). طلب منّا يسوع أنْ نصلّي بهذه الطريقة لأنّه يتطلّع إلى مجيء ذلك اليوم أيضًا.

بعد السقوط، أقام الله عائلةً من بين كلّ عائلات الأرض منها سيأتي سلسلة من الملوك، كجزء من عمل الفداء. لم يكن وعدُ الله لإبراهيم بأنّ يجعلَه أمّة عظيمة تسكن في أرض عظيمة فحسب، بل "وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ" (تكوين 17: 6)، إشارة إلى أنّ رجاءَ الفداء في عصر الآباء في العهد القديم تضمّن رجاءً بأنْ يأتي ملكٌ بشريّ من نسل إبراهيم.

تكتملُ هذه الصورة أكثر في العهد الموسوي، حيث نجد قواعدَ وقيودًا على الملك المستقبليّ تهدفُ إلى تشجيعه على البقاء أمينًا للربّ (تثنية 17: 14-20). لا ينبغي أنْ نتفاجأَ بأنّ مقطعًا مثل هذا يأتي قبل تتويج الملك الفعليّ. يفترضُ الكثير من التعليم الموسوي البركةَ التي لم يتمّ توفيرها بعد لشعب إسرائيل. هناك على مشارف أرض الميعاد الواقعة عند سهول موآب، تمّ بالتفصيل توضيح المدى الكبير لرجاء بني إسرائيل في سفر التثنية، بما في ذلك توفير الله للمقدِس، وشروط الحياة في الأرض، وبُنية الدولة الثيوقراطيّة، ونوع الملك الذي ينبغي أنْ يحكمَ على إسرائيل.

تصفُ الأسفار التاريخيّة من سفر يشوع إلى صموئيل الثاني قصّةَ تمسّك إسرائيل بهذا الرجاء. لذلك، لا ينبغي أنْ نتفاجأَ عندما نرى ظهور المُلْكَ مرّة أخرى في عهدٍ آخر، لتثبيت العرشَ في نسل الملك داود مرّة وإلى الأبد. (2 صموئيل 7). وكما حدث مع إبراهيم وموسى من قبله، استلم داود وعدًا سيتحقّق بعد سنواتٍ عديدة في المستقبل.

إنّ الرسالةَ الموحّدة للعهد القديم واضحة: منذ البداية، كان قصدُ الملكِ الإلهيّ دائمًا أنْ تكونَ البشريّةُ مُتّحدة تحت حُكْمِ ملكٍ بشريّ من تعيينه، ملكٍ سيُخضعُ الأرضَ تحت حُكمِه البارّ والمُبارَك. ومن المأساويّ أنّه بينما كان يُسدلُ الستارُ على العهد القديم، لم يتمّ تحديد مُرشّحٍ مناسبٍ من نسل داود، ولكن عندما فُتِح الستار على العهد الجديد، ظهرَ يسوع، الملكُ الحقيقيّ والوريثُ الشرعيّ لكلّ الوعود المتعلّقة بفداء الله. حقًّا، إنّ كلَّ وعودِ الله هي "ٱلنَّعَمْ" في المسيح و"ٱلْآمِينُ" للذين هم مُتّحدون به في ملكوته (2 كورنثوس1: 20).

ملكوت المسيح الموعود

يُظهرُ المسيحُ نفسَه كملكٍ تنتظرُه البشريّة، لأنّه شريكُ العهدِ الوحيد الذي يُحقّق مُتطلّبات الله. وبهذا يكون "آدم الأخير" (1 كورنثوس 15: 45؛ انظر رومية 5: 12-21؛ 1 كورنثوس 15: 22)، وإسرائيل الحقيقيّ (متّى 2: 15؛ يوحنا 15: 1-17)، وابن داود المسيانيّ (متّى 1: 1؛ 9: 27؛ 20: 30)، الذي يُتمّم هذه الأدوار ويحصل على الميراث المُتوقّع من خلال كلّ العهود المذكورة آنفًا.

على خلافِ رؤساءِ العهود الذين أتَوْا قبلَه، يقوم المسيح بإدارة عهدِه مع شعبِه من موقعِ تماثُلِه الفريد مع الله. لقد اضطُرّ الكتّاب من الرُسل على وصف سلطان المسيح في الكون بتعبير سامٍ واحد. إنّه "رَسْمُ جَوْهَرِهِ [الله]" (عبرانيّين 1: 3)، وفيه "يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللَّاهُوتِ جَسَدِيًّا" (كولوسي 2: 9)، والذي أُجلِس "فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ (أفسس 1: 21). بهذه الطريقة، لا يفوق عهدُ المسيح كلَّ العهود التي سبقته فحسب؛ بل هو الواقع الذي كانت كلّ العهود السابقة مجرّد ظلّ له (رومية 5: 14؛ كولوسي 2: 7؛ عبرانيّين 8: 5؛ 9: 23، 24؛ 10: 1). مهما كانَ، وأيًّا من كان يرمز إلى مُلْكِ المسيح في العهد القديم، فقد تمّ الآن إحالتَه إلى حالةِ الترقّب والظلّ والرمز. كانت تلك العهود تُشير إلى المسيح، والآن يتحقّق معناها فيه.

يوفّر الملكوت إطارًا موضوعيًّا لخدمة يسوع على الأرض. يبدأ بالشهادة لملكوته (متّى 4: 17؛ مَرْقس 1: 15)، ويفوّض الرسلَ بمتابعة مَهمَةِ الملكوت هذه بعد صعودِه (متّى 28: 16-20). وبحسب تعليم وستمنستر المختصر، يُمارسُ المسيح منصبَ الملك "بإخضاعنا لنفسه، وبمُلكه علينا ودفاعه عنّا، ويردع ويقهر كلَّ أعدائه وأعدائنا " (السؤال رقم 26). أولئك الذين يُعتبرون كشعب الله، سوف يُكرّمون ويطيعون بكلّ وقار الملكَ الذي أقامَه الله عليهم. لا يستطيع أيّ شخص الادّعاء بأنّه حصل على الخلاص بوسائل أخرى كالخلاص عبر سُلالة الدم أو عبر إنجازاته الأخلاقيّة، إذ لا بدّ عليه أنْ يقبلَ ملكوت المسيح. في حين أنّه لا شكّ بأنّ العديد من الكتبة والفرّيسيّين في زمن يسوع قاوموا تعاليمه لأنّهم تمسّكوا بشكل من أشكال الناموسيّة، فمن المحتمل أيضًا أنّ كثيرين منهم لم يكونوا مُنفتحين على فكرة الإيمان بشخصٍ مثل يسوع. ومثلُ حالات التمرّد المختلفة المذكورة في العهد القديم، كان يُعتبر رفضُهم لسلطان الله تمرّدًا على الله نفسه (سفر العدد 16؛ يوحنّا 8: 19). لا يكفي تبنّي شريعة موسى أو الوعودَ لداود إنْ كان الإنسانُ يُنكر مُلْكَ المسيح. وكما حذّر يسوع: "لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا" (يوحنّا 14: 7).

ما زال المسيحُ حتّى يومِنا هذا يحكمُ عن يمينِ الله الآب القادر على كلّ شيء (أعمال الرسل 5: 31؛ كولوسي 3: 1). ونتيجةً لذلك، لا تنظُر كنيسة المسيح إلى قدّيس سابق كرئيس عهدنا؛ ولا ُننظر إلى الذخائر الأرضيّة لجيل سابق، بل ننظرُ إلى الملك الحيّ باعتباره السلطان الأساسيّ والأعلى علينا.

حلولُ ملكوتِ المسيح

إنّ أعضاءَ الكنيسة الجامعة مُتّحدون بعمق مع بعضهم البعض في المسيح، وهم أيضًا شركاء في الشركة القائمة بين الآب والابن والروح القدس. تُمكّن هذه الشركةُ الروحيّة المؤمنينَ، كأفرادٍ وكجماعة، أنْ يتحرّروا من فساد الخطيّة التي كانت تسود يومًا عليهم، كما تربطهم بعضهم ببعض كجسدِ المسيح المتّحد، قُدْسُ اللهِ الحيّ على الأرض، والعاملِ الأساسيّ لملكوت المسيح (متّى 16: 19). لقد بدأ المسيح هذا الجانب من مُلْكِه في صلاته مُباشرة قبل أنْ تتمّ خيانته:

"وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هَؤُلَاءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلَامِهِمْ، لِيَكُونَ ٱلْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ ٱلْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ ٱلْمَجْدَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ ٱلْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي." (يوحنّا 17: 20-23)

بكلّ تأكيد، يقود المسيح كنيستَه، والكنيسةُ مُتّحدة فيه من خلال الروح القدس الذي أشار إليه الرسلُ على أنّه "روح المسيح" (رومية 8: 9؛ 1 بطرس 1: 11). الروح ليس فعّالا في تجديد المؤمن فحسب، بل هو أيضا القوت المنتظم الذي به يعيش المسيحيّ كمواطنٍ في ملكوت المسيح. لِمُلْكِ المسيح تطبيقٌ باتّجاهين. فهو يؤسّس علاقة مناسبة بين الله وشعبه لأنّ المسيحَ هو إنسان حقّ، ولكنّه أيضًا يؤسّس علاقة مناسبة بين شعبه والله لأنّ المسيح هو إله حقّ. بفضل المسيح، نستطيع أنْ نتّحدَ بالله ونتمتّع بكلّ البركات المتأصّلة في تلك الوحدة.

إنّ شخصيّةَ الكنيسةِ وعملَها مؤسّسان في المسيح، ومُنشّطان بروحه، وموجّهان نحو مقاصدِ ملكوته. فهو فينا، كما نحن أيضًا فيه. المسيحُ هو أكثر من مجرّدِ قدّيسٍ في تقليدنا أو نبيٍّ لله؛ بل هو تحقيقُ توقّعاتِ الكتابِ المقدّس العبريّ. قلوبُنا مُشابهة لقلبه الملكيّ من خلال عمل تقديس الروح. وبسبب اتّحادِنا الروحيّ معه، نتوق لأنْ يأتيَ ملكوتُه في ملئه.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

سكوت ريد
سكوت ريد
الدكتور سكوت ريد هو رئيس كليَّة اللاهوت المُصلَحة في واشنطن العاصمة، وأستاذ مساعد للعهد القديم بها. وهو مُؤلِّف كتاب (The Wholeness Imperative).