ملكوت الله والكتاب المقدّس - خدمات ليجونير
ما هو ملكوت الله؟
۱۲ ديسمبر ۲۰۲۳
مَلِكُ ملكوتِ الله
۱٤ ديسمبر ۲۰۲۳
ما هو ملكوت الله؟
۱۲ ديسمبر ۲۰۲۳
مَلِكُ ملكوتِ الله
۱٤ ديسمبر ۲۰۲۳

ملكوت الله والكتاب المقدّس

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثاني] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ مملكة الله].

علّم المسيحُ ورسلًه والأنبياء أنّ كلّ جزء من الكتاب المقدّس ينسجم أو يتوافق مع كلّ جزء آخر منه. يكشف الكتاب المقدّس بأكملِه عن إيمان واحد حقيقيّ — عن نظام من المعتقدات المتماسكة، وقصّة واحدة، وطريقٍ واحد للحياة على خُدّام الله الأمناء السلوك فيه. لكنّ ليس من السهل معرفة كيف تمّ تنظيم كلّ شيء في الكتاب المقدّس.

المشكلة هي أنّ الكتابَ المقدّس لا يشرحُ نظامَ معتقداتِه المتماسك موضوعًا واحدًا بعد الآخر. نحن لا نحصلُ على قصّة موحّدة منه فصلًا بعد فصل. لا يأتي التوجيه الأخلاقيّ للكتاب المقدّس في مجموعة واحدة من الوصايا الموضوعة بعناية. بل الكتاب المقدّس هو عبارة عن مُقتطفات من ستّة وستين سفرًا، كتبها حوالي أربعين كاتبٍ بشريّ بأنواع أدبيّة مُختلفة على مدى 1500 عام. قاد الروح القدس هؤلاء الكتّاب لمعالجة عدد كبير من المواضيع بطرق مُختلفة لإرشاد شعبَ الله خلال ظروف حياتهم المختلفة.

إذًا، كيف يتوافقُ كلّ هذا التنوع معًا؟

إنّ نظامَ معتقدات الكتاب المقدّس المتماسك، وقصّته الواحدة، وطريقه الموحّد للسلوك بأمانة يعكس مجموعةً من القناعات التي رسّخها روحُ الله في قلوب وعقول كلّ كاتب من كُتّاب الكتاب المقدّس – قناعات عن ملكوت الله. كونوا متأكّدين من التالي: إنّ ملكوتَ الله ليس مُجرّدَ موضوع واحد من مواضيعَ عديدة موجودة في الكتاب المقدّس. هو كامن أسفلَ ظاهرِ كلّ مقطعٍ من الكتاب المقدّس. هو يدعم ويربط كلّ ما كُتب فيه.

إنّ المفهومَ الكتابيّ لملكوت الله متشابك، ولكن دعوني أتطرّق بإيجازٍ إلى ثلاثة جوانب مُهمّة للملكوت متغلغلة في الكتاب المقدّس: (1) الله هو مَلِكُ الملكوت؛ (2) الخليقةُ هي مكان الملكوت؛ و(3) البشرُ هم خُدّام الملكوت.

ملك الملكوت

لا شكّ أنّ كلمةَ الله تكشفُ أمورًا كثيرة ومختلفة عن الله، ولكنّها تتحدّث قبل أيّ شيء آخر عنه كملكٍ على كلّ الخليقة. أقرّ كُتّاب الكتاب المقدّس بإجماع الآراء، أنّ اللهَ ساد وسيسود إلى الأبد على كلّ شيء. وكما أعلن المرنّم: "كُرْسِيُّكَ مُثْبَتَةٌ مُنْذُ ٱلْقِدَمِ. مُنْذُ ٱلْأَزَلِ أَنْتَ" (مزمور 93: 2).

يعرفُ كلّ شخص ضليع في الكتاب المقدّس أنّ العهدَ القديم والعهدَ الجديد يُشيران إلى الله بشكلٍ صريح بأنّه "الملك." ويتكلّمان أيضًا مئات المرّات عن "عرشه"، و "مُلْكه" أو "حُكْمه"، و "ملكوته."

لكنّ الكتابَ المقدّس يُشيد أيضًا بالله كملكٍ بطرق أخرى كثيرة. في زمن الكتاب المقدّس، كان الملوكُ البشريّون يُبجَّلون في كثير من الأحيان ويوصفون بالمُهندسين والبنّائين العظماء، وبقادة جيوش جبّارة، وبمحارِبين يسحقون أعداءَهم، وبمُخلّصين لشعوبهم، وبرجالٍ فائقي الحكمة، وبمُشرّعين صالحين، وبمنفّذين للعهود، وبرعاة صالحين، وبآباء يحبّون شعبهم. كان يتمّ تبجيل هؤلاء الملوك البشريّين باعتبارهم مصدرَ النور وأملَ الحياة في ممالكهم. هل تبدو هذه الأوصاف القديمة لملوك البشر مألوفةً بالنسبة إليك؟ يُشير الكتاب المقدّس مرارًا وتكرارًا إلى الله بهذه الطرق لتمجيده كملك فوق الجميع.

إنْ كنّا نأمل أنْ نرى كيف أنّ كلّ ما يقوله الكتاب المقدّس يتوافق مع بعضه البعض، فلا بدّ لنا أنْ نلتجئَ دائمًا إلى القناعة الراسخة التي يرتكز فيها كلّ ما كتبه كُتّاب الكتاب المقدّس: الله هو سيّد الكون و"لِأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ. لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى ٱلْأَبَدِ. آمِينَ" (رومية 11: 36).

مكان الملكوت

الوجه الثاني المحوريّ لملكوت الله، هو أنّ الخليقةَ هي مكان ملكوت الله. قدّم يسوع خُلاصةً لهذا التعليم الكتابيّ واسع الانتشار عندما علّمنا أنْ نصلّي قائلين: "لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ" (متّى 6: 10). لاحظ المكانَ الذي تاقَ يسوع أنْ يرى فيه مشيئةَ الله تتحقّق: فِي ٱلسَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ.

عند عرشِ الله السماويّ، تُطيع كلُّ المخلوقات وصايا الله (2 أخبار الأيّام 18: 18؛ أيّوب 1: 6؛ إشعياء 6: 1-3؛ رؤيا يوحنّا 4: 2-11). وسوف تفعلُ أنت كذلك لو وقفتَ أمام عرشِ الله المجيد في السماء. بطريقة أو بأخرى، يكشف كلّ مقطع من مقاطع الكتاب المقدّس كيف يُتمّم الله خطّتَه الملكيّة والمعصومة من الخطأ للتاريخ، وكيف سيتمجّد بينما تنتشر طاعةُ وصاياه في كلّ أقطاب الأرض أيضًا.

في الإصحاحات الافتتاحيّة من سفر التكوين، غرسَ الله جنّة مُقدّسة بهدف أنْ يملأ ملكوتُه الأرضَ كلِّها ذات يوم بخدّام مُطيعين. أدّت الخطيّة إلى طرد الإنسان خارج جنّة عدن، وجعلت العالمَ الماديّ فاسدًا. ومع ذلك، قاد الله إسرائيل في أيّام موسى إلى ما كان على الأرجح الموقع الأصليّ لجنّة عدن، إلى المكان الذي نُسمّيه أرضَ الميعاد. امتدَّ ملكوتُ الله في أرضِ الميعاد وخارج حدودِها، خاصّة في أيّام داود وسليمان. ولكن مع مرور الزمن، تمرّد إسرائيل على الله، فقادهم إلى السبي. بقي ملكوتُ الله على الأرض هزيلًا لعدة قرون. ومع ذلك، حتّى بينما كانوا يتوقّعون هذا الوقت العصيب من التاريخ، أعلنَ أنبياء الله بجرأةٍ أنّه ذات يوم سوف "تَرَى كُلُّ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ خَلَاصَ إِلَهِنَا" (إشعياء 52: 10). 

يشرح العهدُ الجديد كيف تمّم المسيح هذا الرجاء النبويّ. بدأ يعمل بنشاط أثناءَ خدمته في أرض ا لميعاد، وأرسل تلاميذَه لينشروا ملكوتَ الله في كلّ أمّة على وجه الأرض. يستمرّ يسوع الآن في نشر الملكوت في كلّ أنحاء العالم من خلال الكرازة بالإنجيل، وسيصل ملكوت الله إلى أقاصي الأرض عندما يعود في المجد. في ذلك اليوم، سيرى كلّ أتباع المسيح أنّه "قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ " (رؤيا يوحنّا 11: 15).

كلّ صفحة تقريبًا من صفحات الكتاب المقدّس تتكلّم عن تاريخ الأحداث التي جرت على كوكبنا. إنْ كنّا نأملُ أنْ نفهمَ كيف تتوافق هذه الأحداث التي لا تُعدّ ولا تحصى مع بعضها البعض، فعلينا أنْ نضعَ في عين الاعتبار دائمًا أنّ جميع الأحداث في الماضي والحاضر والمستقبل تتكشّف وفقًا للخطّة العظيمة لِمَلكِنا الإلهيّ. إنّها تكشف كيف يتمجّد الله بينما يأتي ملكوتُه وتتحقّق مشيئتُه كما في السماء كذلك على الأرض.

خُدّام الملكوت  

يقودنا هذا إلى الوجه الثالث لما آمنَ به كلّ كاتبٍ من كُتّاب الكتاب المقدّس: البشر هم خدّام ملكوت الله. يظهرُ في الكتاب المقدّس كلُّ أنواع الناس وهم يفعلون أنواعًا مُختلفة من الأشياء. ولكنّ الكتاب المقدّس يُعلّمنا فوق كلّ شيء أنّ البشر، بطريقة أو بأخرى، سيُستخدمون لامتداد الملكوت في كلّ الأرض.

كان الله قادرًا على تحقيق هذا الهدف بنفسه في لحظة من الزمن، لكنّه اختارَ أنْ يستخدمَ الناسَ عبر التاريخ. بالتأكيد، أفسدت الخطيّةُ البشر لدرجة أنّنا جميعًا أصبحنا بحاجة إلى غفران خطايانا والاعتماد على قدرة الله. ومع ذلك، في حين أنّ للملائكة أيضًا أدوارًا خاصّة بهم، يكشف كلّ جزء من الكتاب المقدس أنّ البشر المفديّين والمُخلَّصين هم الوسيلة الأساسيّة التي سيأتي من خلالهم ملكوت الله.

قال الربّ أوّلًا عن الجنس البشري إنّه "صورته... شبهه" (تكوين 1: 26). في زمن الكتاب المقدّس، كانت الأمم المُحيطة بإسرائيل تُشير إلى ملوكها على أنّهم صورة آلهة أممهم. كان على هؤلاء الملوك تمثيل مصالحَ آلهتهم من خلال معرفة ما تريده وفرض إرادتها على الأرض. ولكن من المنظور الكتابيّ الحقيقيّ، على كلّ البشر تمثيل الله الحقيقيّ وتحقيق إرادته على الأرض.

في البدء، دعا الله كلّ آباء وأمّهات الجنس البشريّ إلى المضاعفة والسيادة على كلّ العالم خدمةً لله (تكوين 1: 28). بينما كانت الأمم الأخرى تخدم مقاصد الآلهة الشيطانيّة الباطلة، دعا ملك الكون الحقيقيّ أمة إسرائيل، وهو الآن يدعو الكنيسة المسيحيّة، لتخدمه كـ "مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً" (خروج 19: 6؛ 1 بطرس 2: 9). علينا أنا وأنتم، مثل إسرائيل، أنْ نُخبر "بِفَضَائِلِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ ٱلْعَجِيبِ" (1 بطرس 2: 9). جميع المفديّين الذين هم على صورة الله مدعوّون لنشر نور ملكوت الله في كلّ أنحاء العالم.

ولكن كيف يمكن لهذه الخطّة الإلهيّة أنْ تتحقّقَ؟ بالتأكيد، سوف يعجزُ البشرُ الخطاة دائمًا عن تحقيق ذلك. في كلّ العهد القديم، كان شعبُ الله الأمين يتوق ويصلّي من أجل مجيء شخص يتمّم مقاصدَ ملكوت الله. كمؤمنين في العهد الجديد، نحن نعرف اسم هذا الشخص – إنّه يسوع الناصريّ. لقد تجسّد ابن الآب الأزليّ وصار واحدًا منا. وبما أنّه ابن داود الكامل البرّ، فهو لم يُكفّر عن خطايا خُدّام ملكوته على الصليب فحسب، بل قام أيضًا من بين الأموات وهو الآن جالس على العرش السماويّ لأبيه داود. ومن فوق، يحكم على كلّ الأمم، ويسكب روحه على شعبه، ويجمع المزيد والمزيد من الناس في ملكوته من خلال كرازتنا بالإنجيل. عندما يعود يسوع في المجد، سيُكمل المَهمّة. وسيَنشر ملكوتَ الله في كلّ زوايا الأرض.

إنْ كنّا نأمل يومًا أنْ نُدركَ كيف أنّ كلّ ما يُعلّمه الكتاب المقدّس يتطابق مع بعضه البعض، فعلينا التخلّي عمّا يقوله العالم عن الجنس البشريّ. لماذا الخطيّة مُدمّرة جدًّا؟ لماذا يُعتبر الخلاصُ في المسيح أمرًا جوهريًّا؟ لماذا يركّز الكتاب المقدّس كثيرًا على الطريقة التي يسلك بها الناس في حياتّهم اليوميّة؟ ذلك لأنّنا صورةُ الله، ونحن مدعوّون لخدمة ملكوتِه. أليس هذا أمرًا يدعو للدهشة؟ لقد قرّر الملكُ أنْ ينشرَ ملكوته إلى أقاصي الأرض من خلال أناس مثلي ومثلك. وهكذا مجّد الأربعة والعشرون شيخًا في السماء يسوع قائلين: "لِأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ... فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلْأَرْضِ" (رؤيا يوحنّا 5: 9-10).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ريتشارد برات
ريتشارد برات
الدكتور ريتشارد برات الابن هو مؤسس ورئيس هيئة خدمات الألفيَّة الثالثة. وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "أعطانا الله قصص" (He Gave Us Stories).